ورد سؤال الي دار الإفتاء يقول فيه صاحبه ما حكم استعمال المناديل الورقية، والورق النشَّاف في الاستنجاء من البول أو الغائط؟ وأجاب الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية قائلاً أنه مما تقرر عند عامة العلماء: أن الأفضل في الاستنجاء أن يجمع المُحْدِثُ فيه بين الجامدِ والماء، فإن اقتصر على أحدهما: فالأفضل الماء، وإن اقتصر على الجامد فقط: أجزأهُ، بلا خلاف بين العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ، فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "مسنديهما"، والدارمي والنسائي في "سننهما"، وغيرهم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 112، ط. مطبعة القاهرة): [وإن اقتصر على الحَجَرِ أجزأه، بغير خلاف بين أهل العلم؛ لما ذكرنا من الأخبار؛ ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والأفضل أن يستجمرَ بالحَجَرِ، ثم يتبعه الماء] اه. وأوضح المفتي أن الاستنجاء بالجامد هو أحد الإجراءات العملية التي يتأتى بها إزالة نجاسة البول أو الغائط، وتطهير موضعهما، ولذلك سُمِّيَ هذا الإجراء استطابةً، والخبر وإن كان واردًا في الحجارة، إلَّا أنه يشمل كل ما يقوم مقامها، ويُحصِّلُ مقصودها، عند عامة العلماء؛ وذلك لأن "الغرض منه معقول، لا يُتمارَى فيه؛ فاقتضى ذلك إقامةَ غير الأحجار مقامَ الأحجار"؛ كما قال إمام الحرمين وأن "التنصيص على الحجر في الخبر جريٌ على الغالب" قال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم" (2/ 70، ط. دار الوفاء): [وقوله: «ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ»: تعلَّقَ داودُ بنص النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عليها أنه لا يجزئ الاستنجاءُ بغير الأحجار، وعامة العلماء على خلافِه، ولكن مالكًا وغيره يستحب الحجارة وما في معنى الحجارة، وما هو من جنسه، وأشار علام أن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم استثني في النهي عن الاستنجاء بالعظم والروثة وما خَصَّه مما نصَّ عليه: يقابل تعلقَهم بتخصيص اسم الحجارة؛ ولأن تعلق الحكم بالاسم لا يدُلُّ على أن ما عَداه بخلافه عند أكثر الأصوليين، وتعليله صلى الله عليه وآله وسلم عند طرح الروثة بقوله: إنها رِكسٌ. فبيَّن علَّتها، ولم يقل: إنها ليست بحجرٍ: دَلّ أن لا اعتبار بالحجر نفسه، لكن ذكره الأحجار لأنها أكثر ما يوجد، ولأنه قد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ»] اه. وقال الإمام النووي الشافعي في "شرح مسلم" (3/ 157، ط. دار إحياء التراث العربي): [وذهب العلماء كافةً مِن الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينًا؛ بل تقوم الخِرَقُ والخشبُ وغيرُ ذلك مقامَه، وأن المعنى فيه: كونه مزيلًا، وهذا يحصلُ بغير الحجر] اه. والجامد: هو كل ما قابل المائع؛ من الخل، وماء ورد، وسائر المائعات؛ لأن الشأن في الجامد أن يُنَشِّفَ الرطوبات، ولا يكون ذلك في المائعات؛ كما أفاده العلامة ابن القصار المالكي في "عيون الأدلة في مسائل الخلاف" (1/ 405، ط. مكتبة الملك فهد). ولفت المفتي اليّ أن المناديل الورقية أو الورق النشَّاف: هي مواد جامدة صُنعت لتُستَخدَمَ في التنشيف والتجفيف وامتصاص المواد السائلة (كالحبر أو الزيت)، وكما أفاد الخبراء أن أغلب صناعتها في الأساس تكون من لب الأشجار، وهو عبارة عن مزيج من الخشب اللين بنسبة 30% تقريبًا، والأشجار الصلبة بنسبة 70% تقريبًا، حتى إن الأطباء ينصحون بها بعض الحالات في عملية الاستنجاء، وأيضًا في تجفيف البشرات الدهنية، ونحو ذلك. وهي بذلك لا تخرج عن معنى الخِرَقِ أو الدِّيباجِ أو الصوف أو القطن التي أجاز الفقهاء الاستنجاء بها، بل إن بعض هذه الأنواع أجاز بعض الفقهاء الاستنجاء بها مرتين؛ من كلا جانبيها، إذا لُفَّتْ على بعضها بحيث لا تتندَّى النجاسةُ، أو كانت ثخينة لا تتسرب النجاسة فيها من جانب إلى جانب، وهو المعنى المُراعَى أيضًا في تجويز بعض الفقهاء الاستنجاءَ بالجلد المدبوغ؛ لأن الدباغ يزيل منه ما فيه من الدسومة المانعة من التنشيف. ؛ كالمدر والتراب والعود والخرقة والقطن والجلد ونحو ذلك] اه. ونوه المفتي الي انه يلتفت إلى القول بأن هذه المناديل لا تزيل النجاسة بالكلية؛ بل تترك بعض الأثر، أو تنقله عن محلها، وذلك لأن الأمر في الاستنجاء بالحجارة وما في معناها مبنيٌ على السعة والتخفيف؛ اختيارًا واستعمالًا: أمّا اختيارًا: فيدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ!»: يريد بذلك تسهيل الأمر وتيسيره؛ لأن المحدِث لا يكاد يعدم مثل هذا؛ فهو أكثر الأشياء المستنجَى بها وجودًا وأقربها تناولًا؛ كما قرره الإمام الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (1/ 67، ط. مطبعة السعادة)، والإمام العيني في "عمدة القاري" (2/ 299). وهذا باعتبار العرف المعروف آنذاك، أمَا وقد تغير العرف الآن؛ خاصة في المدن والحضر: فإن الحكم يتناول المناديل الورقية التي لا تكاد تخلو منها دورة مياه؛ فهي بذلك مما عمَّت به البلوى. وأمّا استعمالًا: فلأنَّ الحجر لا يزيل الأثر، وإنمّا يفيد الطهارة من طريق الاجتهاد، ولذلك احتاج إلى الاستظهار بالعدد؛ كما قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (1/ 12، ط. المطبعة العلمية). فإزالة أثر النجاسة على اليقين مما يتعذّر الوفاء به، وهو شأن غالب الجامدات، والتكليف بما تعذَّر الوفاء به لا يليق بالعزائم والواجبات، فأولى بما مبناه على التيسير والمعفوات. وأشار مفتي الجمهورية أن المناديل والأوراق أفضل في الاستعمال من غيرها؛ لأنها أقوى على التنشيف والتجفيف، والإِنْقَِاء والتنظيف؛ لكونها مُعدَّة لذلك في أصل صنعها. وختتم المفتي فتواه أنه يجوز الاستنجاء بالمناديل الورقية والورق النشَّاف من البول أو الغائط؛ قياسًا على معنى الحجر المنصوص عليه، وانتشارها في هذا العصر كانتشار الحجر في العصور السابقة، وهي داخلة فيما نص عليه الفقهاء من الجامدات الطاهرة؛ كالديباج والخِرَقِ والقطن والصوف، والجلد، ولا يضر كونها لا تزيل أثر النجاسة بالكلية؛ لأن الشأن في الجامدات أن الاستنجاء بها مبنيٌّ على العفو والسعة؛ اختيارًا واستعمالًا، وإزالتها على جهة اليقين مما يتعذّر الوفاء به، وليست من الورق المنهي عن الاستنجاء به؛ لأنها مُعدَّة للاستنجاء أصالة، بل استعمالها أفضل من كثير من الجامدات؛ لأنها أشد في التجفيف والتنشيف، وأبلَغ في الإِنْقَاءِ والتنظيف. اقرأ أيضاً| «الإفتاء»: «الأستروكس» هلاك للنفس وحرام شرعًا