بالبنك المركزي 47.52 جنيه.. سعر الدولار اليوم الجمعة 24-10-2025 أمام الجنيه    الطماطم بكام؟ أسعار الخضراوات والفاكهة في قنا 24 أكتوبر    إزالة أدوار مخالفة لتراخيص البناء فى عدد من العقارات بحى الزيتون بالقاهرة    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    «القومي للمرأة» ينظم تدريب حول الشمول المالي والقروض البنكية والاستثمار    16 مركزا يضم نقاط لتسليم السلاح.. تفاصيل خطة حزام أمريكا الإنسانى فى غزة    مسؤولون فلسطينيون يثمنون دور مصر فى إنقاذ غزة: اتفاق شرم الشيخ أوقف الإبادة    رئيس وزراء سلوفاكيا: خطة الاتحاد الأوروبى لاستخدام الأصول الروسية قد تفشل    قاذفات بي-1 الأمريكية الأسرع من الصوت تحلق قرب ساحل فنزويلا    الجيش الإسرائيلي يوصى المستوى السياسي بعدم عودة السكان الفلسطينيين إلى المنطقة العازلة    الضفة.. وفاة فلسطيني متأثرا بإصابته برصاص جيش الاحتلال    البنا حكما للأهلى وسيراميكا.. ومعروف للزمالك وبيراميدز فى السوبر    موعد مباراتى بيراميدز والتأمين الإثيوبى فى دورى أبطال أفريقيا    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    طقس الإسكندرية مشمس نهارا مائل للبرودة آخر الليل.. فيديو    ضبط 2 طن صابون سائل المجهول المصدر بحملة تموينية بشبين القناطر    أمن الجيزة يحدد هوية الشاب ضحية حريق غرفة بالعياط    إحباط تهريب هواتف ومستحضرات تجميل بمطار الإسكندرية الدولي    ضبط 1340 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    سكك حديد مصر تُشغّل رحلات استثنائية من وإلى دسوق لمواجهة زيادة أعداد الركاب    المايسترو تامر فيظى يقود الليلة قبل الختامية لمهرجان الموسيقى العربية    دياب وأحمد زاهر ومصطفى قمر يدعمون تامر حسني بعد خضوعه لعملية جراحية    500 قطعة من مكتشفات مقبرة توت عنخ آمون تزين المتحف المصرى الكبير    دعاء الفجر.. اللهم اجعل لنا نصيبًا فى سعة الأرزاق وقضاء الحاجات    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمى للسكان والصحة والتنمية البشرية    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    سر قرمشة المطاعم في مطبخك| طريقة سهلة عمل الدجاج الكرسبي الذهبي    حملات توعوية لطلاب المدارس في سيناء بمبادرة "مصر خالية من السعار 2030"    «النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    القائمة النهائية للمرشحين لانتخابات مجلس النواب 2025 في الإسكندرية    «ديمية السباع».. حين تتحدث حجارة الفيوم بلغة الإغريق والرومان    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    الأزهر يجيب.. ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون ؟    البابا تواضروس يفتتح المؤتمر العالمي السادس للإيمان والنظام في وادي النطرون    جامعة القاهرة: إقبال كثيف من الطلاب على ندوة الداعية مصطفى حسنى.. صور    تأهل ثلاثي مصر إلى نصف نهائي بطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش 2025    قبل مواجهة إيجل البوروندي.. توروب يعالج الثغرات الدفاعية للأهلي    فرق سلامة المرضى تواصل جولاتها الميدانية داخل الوحدات الصحية ببني سويف    آداب وسنن يوم الجمعة.. يوم الطهر والنور والعبادة    التوبة لا تغلق.. عالم أزهري يوضح رسالة ربانية في أول آية في القرآن    فتوى اليوم | فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025.. تعرف على تفاصيل تغيير الساعة وخطوات ضبطها    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: 3 ركائز أساسية لضمان نجاح اتفاق وقف النار    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    تعطيل الدراسة أسبوعًا في 38 مدرسة بكفر الشيخ للاحتفال مولد إبراهيم الدسوقي (تفاصيل)    سعر الدولار الأمريكي مقابل بقية العملات الأجنبية اليوم الجمعة 24-10-2025 عالميًا    نوفمبر الحاسم في الضبعة النووية.. تركيب قلب المفاعل الأول يفتح باب مصر لعصر الطاقة النظيفة    فتاة تتناول 40 حبة دواء للتخلص من حياتها بسبب فسخ خطوبتها بالسلام    «مش بيكشفوا أوراقهم بسهولة».. رجال 5 أبراج بيميلوا للغموض والكتمان    التجربة المغربية الأولى.. زياش إلى الوداد    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    مدرب بيراميدز يتغنى بحسام حسن ويرشح 3 نجوم للاحتراف في أوروبا    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    إصابة 10 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقيبة السرية
يوميات الأخبار
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 27 - 07 - 2021

أستدعى أشخاصًا حقيقيين، أو بشرًا خرجوا من بين دفتى رواية ليعيشوا معى منذ ذلك الحين. أبطال ليسوا من ورق، بل من لحم ودم.
تداهمنى أحيانا رياح الحنين، تداعب أفكارى كما تفعل نسمات الهواء البارد بأوراق الشجر. أجدنى محاصرة بهجوم من المشاهد تتسابق، تتوالى على شاشة ذاكرتى كشريط سينمائى، تستدعى بعضها بعضا، تنادى أشخاصا بعينهم، تتجلى وجوههم أمامى واضحة، مشرقة كأنهم هنا لايزالون..أستدعى أشخاصا حقيقيين، أو بشرا خرجوا من بين دفتى رواية ليعيشوا معى منذ ذلك الحين. أبطال ليسوا من ورق، بل من لحم ودم، أحن إلى هذا العالم الساحر، وأشعر أنه فضائى الأثير.
ربما لأننى ولدت فى أسرة تحتفى بالكتاب، وتعيش له ومنه. والدى رحمه الله كان ناشرا من جيل الرواد فى هذه المهنة، أسس فكرة «سلاح التلميذ» الكتاب المدرسى الخارجى الأول فى مصر، إلى جانب نشر مئات الكتب والروايات لكبار الأدباء فى عصره وعلى رأسهم توفيق الحكيم.. أكمل أخى حمدى مصطفى رحمه الله الرسالة، ورث عن أبى المهنة والشغف، وأسس ما أطلق عليه الكثيرون «مشروع القرن الثقافى» وقد كان فعلا كذلك. أتحدث عن مشروع «روايات مصرية للجيب» الذى انطلقت شرارته الأولى عام 1984. أى منذ ثمانية وثلاثين عاما. كان شخصية استثنائية، صاحب مشروع مؤثر، وفكر متقد، سابقا لعصره. أهدى هذا المشروع الثقافى الفذ لمصر نجوما فى الأدب والكتابة، أشهرهم: أحمد خالد توفيق، ودكتور نبيل فاروق رحمهما الله. بالإضافة إلى عشرات الكتاب والمبدعين الذين كانوا مجهولين وقتها، لا يجدون دار نشر تقبل أعمالهم، ولا شخصا يحتضن أحلامهم الصغيرة، ويدفع بهم إلى دائرة الضوء.
الحقيبة السرية
أتذكر أياما غالية فى طفولتى، يأخذنى أبى فى جولة تبدأ من مكتبتنا بالفجالة «مكتبة المؤسسة العربية الحديثة» حيث ندخل، فيستقبلنى مدير المكتبة بسعادة، يتجول معى لأشاهد رفوف الكتب. أمسك بعض الروايات، فيأخذها من يدى ويضعها فى حقيبة بلاستيكية مطبوع عليها اسم المكتبة والدار ويقدمها لى. أفرح جدا بالغنيمة التى فى يدى..
بعد أن ينتهى أبى من مراجعة بعض الأمور الإدارية معه، نتحرك إلى مكتبات أخرى كان يمتلئ بها شارع الفجالة، كلهم أصدقاء أبى، رفقاء المهنة والكار. يهدينى كل منهم عددا من كتب الأطفال الصادرة عن داره، أعود إلى البيت محملة بعدد من الأكياس البلاستيكية وبها الكثير من القصص وكتب الأطفال.. أفتح حقيبة كبيرة خبأتها تحت السرير، وأشعر بسعادة غامرة وأنا أخرج الكتب من الأكياس، أتصفح كلا منها سريعا ثم أضعها فى الحقيبة السرية حتى لا تشاهدها إحدى أخواتى ويستولين على غنيمتى!.
عاشقة الكتب
من هنا كانت البداية، أحببت القراءة، واكتشف أبى عندى موهبة الكتابة، وكذلك أستاذ اللغة العربية فى الصف السادس الابتدائى، الأستاذ فؤاد، الذى أذكر فضله علىّ دائما، ولا أعرف إن كان مايزال حيا، أم أنه رحل إلى الخالق الأعظم. فى كل الأحوال أدعو له بالرحمة والستر فى الدنيا والآخرة.
لماذا أحكى لكم كل هذا الآن؟ ربما هو التداعى الحر بلغة الأدباء، شيء يظهر فى عقلك فيحرك أشياء أخرى، وذكريات قديمة. كنت أنوى الحديث عن الغنيمة التى تحصلت عليها من معرض الكتاب هذا العام، والفرحة الطفولية التى تحتلنى كلما زرت المعرض، أو تواجدت فى مكتبة بها رفوف عليها كتب.
وددت فى بداية اليوميات أن أحكى لكم عن مشاعرى، وتجربتى الإنسانية مع حوالى خمسة عشر كتابا، اقتنيتها فى المعرض، فوجدت نفسى أحكى عن حكايتى مع الكتاب، لذلك سوف اكتفى فى يوميات اليوم بذكر العناوين فقط، لكنى أعدكم بتخصيص مقال كامل لكل درة من تلك الدرر النفيسة ومبدعيها، الذين أسعد بصحبتهم وأستمتع بحوارى مع سطورهم..
ها هى عناوين الكتب «غنيمتى» من معرض الكتاب هذا العام: ثلاثية روائية جمعها الأديب القدير إبراهيم عبد المجيد فى مجلد واحد يشمل ثلاث روايات تحت عنوان عام «الهروب من الذاكرة»، أما عناوين الروايات الثلاث: العائد إلى البيت فى المساء..
طريقان للهروب.. لأن فى الدنيا نساء. ورواية أخرى لنفس الكاتب عنوانها «قبل أن أنسى أنى كنت هنا». «شخصيات حية من الأغانى» للأديب القدير محمد المنسى قنديل. كتاب «مؤامرات الإبراهيمية اليهودية.. إبادة الأديان السماوية.. استعباد الإنسانية» للكاتب المؤرخ مرسى الأدهم. رواية «غربة المنازل» للأديب الرائع عزت القمحاوى وكتاب «غرفة المسافرين» لنفس الكاتب. «قميص لتغليف الهدايا» للكاتب أحمد القرملاوى، الذى استمتعت كثيرا برائعته «ورثة آل الشيخ». رواية «الكاهن الأخير» للكاتب أحمد الإمام. ديوان شعر«دم الغزال» للدكتور أحمد درة. الكتاب الساخر «الشغالات وأنا» للكاتبة الدكتورة إيمان بيبرس.
رواية «مرسولة» للكاتب أحمد عباس. رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل. ورواية 1984 لنفس الكاتب. كتاب «كليلة ودمنة» لعبد الله بن المقفع فى طبعة جديدة تقديم دكتور صلاح فضل، تحقيق وتعليق محمد فتحى أبو بكر من إصدارات الدار المصرية اللبنانية. «فى غرفة الكتابة» تأملات أدبية للأديب نحمد عبد النبى.
سيكون لنا لقاءات معمقة مع كل عمل من هذه الأعمال الرائعة تباعا إن شاء الله. وكل معرض كتاب ونحن قارئون.
التفاصيل الصغيرة
ما هى الحياة؟، وما معنى الاستمتاع بها إذا لم تجذبنا التفاصيل الصغيرة؟ إنها أشبه بالعطر الجميل الذى يفتح مسام الإحساس، ضوء الشمعة المتراقص الذى يأخذنا بعيدا إلى لحظات يسبح فيها خيالنا لينسج الأحلام.. إنها الكائن السرمدى الذى يوقظ الدهشة فى القلوب.
تلك التفاصيل أحبها، قد تعبر الكثيرين دون أن يلحظوها، أو يتوقفوا ليتأملوها، لكننى أفعل. نظرة وله منفلتة من عين عاشق مخترقة فضاء المكان، مصوبة بدقة فى اتجاه الحبيبة. ضحكة طفل يقهقه من قلبه. جملة طائشة منطلقة من حنجرة امرأة سوقية، تعبير صامت على وجه رجل يعانى مرارات الزمن، وقحط الرزق. وجه فتاة فى محطة قطار منحوت بالترقب والحيرة.
الطقوس الخاصة أيضا تنتمى لخانة التفاصيل الصغيرة فى حياتى، فنجان القهوة الصباحى، ذو البن الغامق، والوجه السميك يطفو فوقه. الموسيقى الخفيفة، الشاور. وعندما أستيقظ بمكان به حديقة فى إجازاتى تكون طبعا هى وجهتى و قبلتى المبتغاة فى كل الصباحات التى أعيشها هناك.
صوت العصافير الطليقة ينقر قلبى بوخزات البهجة، السماء الزرقاء الصافية يتخللها نتف السحب البيضاء الرائقة تفتح نوافذ روحى، ومسام إحساسى. سكون الصباح والناس نيام، والطبيعة تحتفى بسيادتها للكون بعيدا عن ضجيج البشر يثير كل غرائزى المحبة للحياة، هذا الفضاء الواسع يحيلنى طفلة تركض منطلقة فى الغابات البعيدة بلا توقف، تمسك بيدها الصغيرة قطعة من سعف الأشجار لتخط به خطوطا للاشيء.
أشياء عادية تعبرنا جميعا، البعض يهتم بها، يلحظها، يتأملها، والأغلبية لا تفعل. ربما كان الدوران فى مفرمة لقمة العيش، الزحام الذى يسحب الإنسانية من أوردة البشر، العدوانية التى أصبحت سلوكا عاما وجعلت الإنسان أقرب إلى فصيلة الحيوان. يحزننى أن يعيش الإنسان بعيدا عن إنسانيته.
أن تتذكر عيد ميلاد إنسان تحبه، وتتفنن كيف تجعله يوما استثنائيا فى حياته وحياتك. ليست الهدية هى الاحتفال، بل كل التفاصيل الصغيرة المصاحبة لليوم. الفكرة الجديدة لمكان الاحتفال. الرسائل غير المنطوقة ولا المكتوبة التى تريد أن تصله منك فى ذلك اليوم الخاص. الاختطاف الجميل الذى سوف تخطط له مسبقا بدقة وذكاء لتجعله يعيش هذا اليوم، لحظات مسروقة من الزمن!.
451 فهرنهايت
هل هو تداعى الأفكار واستدعاء مشاهد مخبوءة منذ زمن طويل فى أعماق الذاكرة؟ لا أدرى! كل ما أعرفه هو أننى تذكرت فيلما سينمائيا مأخوذاً عن رواية أمريكية شهيرة لكاتب الخيال العلمى راى برادبورى. القصة فى ظاهرها خيال علمى لكن فى باطنها إسقاط سياسى يعرى النظم الشمولية، القمعية التى تعادى إعمال الفكر ونهوض الثقافة. الفكرة الرئيسية للرواية والفيلم معًا تدور فى بلدة مجهولة لم يسمها الكاتب والقصد طبعا رمزية المعنى والإيحاء بأن هذا يمكن أن يحدث فى أى مكان فى العالم. يصدر المتنفذون فيها أمرا لرجال المطافئ بحرق كل كتاب يضبط فى أى منزل فى المدينة! يتحول رجال الإطفاء إلى رجال إحراق بما يتناقض مع هدف مهنتهم الإنسانية، وهذه رسالة أخرى يريد أن يوصلها الكاتب، إنه فى ظل المجتمعات القمعية تتحول الملائكة إلى شياطين.
وسط مشاهد غريبة لأشخاص فى حالة ذهول وهم يشاهدون «مونتاج» الشخصية المحورية فى الرواية وزملائه من رجال المطافئ يدقون الأبواب، سائلين عن الكتب الموجودة، ثم يشعلون فى دقائق النيران فيها! تقف سيدة عجوز مستبسلة، مدافعة عن مكتبتها وكتبها وتقول لهم «إذا أصررتم على حرق كتبى .. احرقونى معها».
يتحرك فضول «مونتاج» لمعرفة سر تعلق تلك السيدة العجوز بكتبها وكذلك آخرون كادوا ينهارون وهم يحرقون كتبهم، فسرق كتابا من أحد المنازل التى زارها حارقا للكتب، وبدأ يقرأ فيه، فإذا به يفكر فيما يتضمنه من أفكار ومعانٍ تحركه، وتجعله يتضامن مع أهل المدينة، رافضا حرق الكتب.
يندمج «مونتاج» مع الثوار الذين اعتزلوا المدينة، وعاشوا وحدهم بعيدا عن العالم وقد جعلوا مهمتهم هى الحفاظ على تراث البشرية الأدبى والعلمى. كل واحد منهم يحفظ كتابا بعينه حتى يصير هو الكتاب ذاته. يطلق عليه اسمه فرجل يصبح اسمه «التوراة» ورجل يصبح «هاملت» ورجل «رحلة الحاج».
هذا المشهد تقشعر له الأبدان فى الفيلم وكذلك الرواية، لذلك فهو من أكثر المشاهد التى يذكرها الناس كلما تحدثوا عنه. تنتهى الرواية وقد شبت الحرب النووية وأبيدت تلك البلدة المجهولة، فلم يبق أمل لدى البشر إلا أن يحاولوا استعادة ما اختزنوه فى ذاكرتهم من تراث، والمشهد الأشد تأثيرا عندما يكبر هؤلاء الذين تحولوا إلى كتب ناطقة، ويرتجفون خوفًا من أن يموتوا ويأخذوا معهم هذا التراث الذى لا يقدر بثمن، فيبدأ كل منهم رجالا ونساء فى تحفيظ أولادهم الصغار كل كلمة فى الكتاب الذى يمثله، ويوصونهم أن يفعلوا المثل عندما يكبرون ويشيخون! ما هذه الروعة؟ ما هذا الخيال الغنى بالمعنى، والإحساس بقيمة التراث الإنسانى، ومنتجات العقل البشرى الذى ميزه الله بالإبداع والفكر؟.
أسعدنى أن فكرة الرواية والفيلم تتجدد برؤى جديدة، وأن هناك فيلمًا إنتاج 2018 عن الرواية بخلاف الفيلم القديم لفرانسوا تريفو إنتاج 1969.
كلمات:
يا مَن غَدَوتُ بِهِ فى الناسِ مُشتَهِراً
قَلبى عَلَيكَ يُقاسى الهَمَّ وَالفِكَرا
إِن غِبتَ لَم أَلقَ إِنساناً يُؤَنِّسُنى
وَإِن حَضَرتَ فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَرا
ابن زيدون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.