التقط سياسيون ومثقفون وكُتَّاب خيوط التقارب السياسى الحاصل بين مصر والسودان فى أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير لتدشين مبادرات شعبية تستهدف بالأساس التركيز على الروابط التاريخية بين شعبى البلدين ومحو التشوهات التى تركها نظام الإخوان فى السودان الذى ظل قابضاً على مقاليد السلطة لأكثر من ثلاثة عقود عمد خلالها إلى الخروج عن سياق وحدة المصير المشترك وحاول جاهداً وضع المنغصات على طريق علاقة الشعبين وتوظيفها لصالح مشروعات التنظيم التخريبية. كانت البداية من الجانب السودانى حيث دشن عدد كبير من الشخصيات العامة "المبادرة الشعبية السودانية لدعم العلاقات مع مصر" فى نوفمبر 2020، وشارك فيها سودانيون ينتمون لقطاعات وتوجهات واهتمامات مختلفة، يجمع بينهم الإيمان بعمق العلاقات السودانية المصرية، من أجل تعزيز هذه العلاقة وتوطيدها، وإزالة العقبات التى تعترض طريقها. ويأتى ذلك، قبل أن ترى ∀المبادرة الشعبية المصرية لدعم العلاقات بين دول وادى النيل∀ النور، الأسبوع الماضى فى استجابة لتكوين لجنة مماثلة فى السودان، تستهدف بالأساس تصحيح الإدراكات المغلوطة، والممارسات الخاطئة على المستويات غير الرسمية، وتركز على ضرورة التفاعل الإيجابى الذى يؤسس شراكات جديدة تتواكب مع الوجدان الإيجابى والواقعى لشعوب وادى النيل. من المقرر أن تنخرط المبادرتان فى تدشين عدد من الفعاليات الثقافية والعلمية والسياسية بين عاصمتى البلدين، من خلال لجان مشتركة يجرى العمل على تشكيلها حالياً، فى أعقاب أول اجتماع عقدته المبادرة المصرية، الأسبوع الماضى، بحضور السفير السودانى بالقاهرة محمد إلياس محمد الحاج، ورئيس اللجنة التنفيذية عن الجانب السودانى فى مبادرة تعزيز العلاقات السودانية المصرية، السفير على يوسف أحمد. تضم المبادرة المصرية عدداً من السفراء والأكاديميين والكتَّاب على رأسهم وزير الخارجية الأسبق السفير محمد العرابى، والسفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية، والسفير صلاح حليمة الذى عمل مندوبا للجامعة العربية فى السودان، وكذلك السفير محمد بدر الدين مساعد الوزير الأسبق لدول الجوار، والنائبة رشا أبو شقرة أمين سر مجلس اللجنة الأفريقية بمجلس النواب، والنائب عماد الدين حسين عضو مجلس الشيوخ. من جانبها، تقول الدكتورة أمانى الطويل، منسق عام المبادرة المصرية، إن الحماس السودانى الذى بدا واضحاً من خلال تشكيل المبادرة السودانية لدعم العلاقات الشعبية مع مصر كان لا بد أن يقابله تشكيل مبادرة مصرية تستطيع التنسيق مع الجانب السودانى فى المجالات المختلفة، مع التوافق على أن تكون تلك المجالات متحررة ومتسعة لتشمل القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأضافت أن هناك تركيزاً على الجوانب الأكاديمية باعتبار أن التعامل مع المجالات المشتركة بشكل علمى يضمن نتائج أكثر إيجابية، وكذلك على الجوانب الاقتصادية ومصالح المواطنين من البلدين، وهناك رغبة من قبل المشاركين فى المبادرة على تصحيح الصورة الذهنية لمصر لدى السودانيين بعد أن تعرضت للتشويه خلال الثلاثين عاماً من حكم نظام الإنقاذ الإخوانى فى السودان. وذهبت الطويل للتأكيد أن هناك لجان عمل مشتركة سيكون لديها حرية حركة واسعة للتعامل مع العوامل التى تنغص العلاقات الشعبية بين البلدين، بالتالى يُتوَّقع مخاطبة المسئولين عن المناهج السودانية لتعديل بعض الأجزاء التى وضعها تنظيم الإخوان لتشويه الصورة المصرية لدى الطلاب السودانيين. وجرى التوافق على تكوين لجان للتقارب الأكاديمي، وإقامة مرصد إعلامي، وتشكيل لجان برلمانية واقتصادية وثقافية مشتركة، بجانب لجان للمرأة والشباب، واستحداث منصة تعمل على تحديث وسائل التفاعل غير الرسمى بين دول وادى النيل "مصر والسودان وجنوب السودان" فى مجالات مستحدثة مثل اتحادات الكتاب ونقابات الصحفيين. وأكدت الطويل أن هناك مقترحات عديدة بشأن إشراك عدد من منظمات المجتمع المدنى فى تدشين عدد من النشاطات الشعبية تحديداً بشأن أزمات القطاع الصحى ومواجهة تفشى فيروس كورونا، إلى جانب التقارب الثقافى فى كافة الأطر وتدشين تعاونات جديدة بين الفنانين والمثقفين المصريين والسودانيين ومن المتوقع أن يكون هناك أسابيع للسينما المصرية والسودانية تواكباً مع حالة النشاط الفنى الحاصلة فى السودان منذ الإطاحة بنظام عمر البشير. وشهد الاجتماع الذى عقدته المبادرة المصرية جملة من الاقتراحات لتنشيط أطر العلاقات الشعبية، كان من بينها تنشيط الأحزاب السياسية فى البلدين لدعم ومساندة هذه المبادرة، والاهتمام بتكوين لجنة متخصصة بتدريب الإعلاميين فى دحض الشائعات المغرضة؛ وبخاصة وسط المستويات الشعبية، مع إعادة تأسيس المراكز الثقافية، ورصد كل ما يكتب من أخبار سلبية فى الإعلام. وركزت المقترحات على متابعة الفترة الحرجة التى يعيشها السودان حالياً فى المرحلة الانتقالية، والاهتمام بتطوير وتعميق الجانب التراثى بين الشعبين، مع الاهتمام بالسياحة البينية بين البلدين، وتحسين الصورة الذهنية وسط الشباب فى البلدين عن هذه العلاقات. وتطرقت المقترحات للاهتمام بتوعية المواطنين بأهمية التأمين المشترك لأمن البحر الأحمر وتدريب الكوادر الشبابية فى البلدين فيما يعرف بالقادة الشبابيين، والعمل على الاهتمام بزيارة صحفيى وإعلاميى السودان فى زيارات تعريفية، بالتعاون مع المراكز البحثية. وأكدت الطويل أن هناك جملة من العوامل التى تدعم نجاح المبادرتين المصرية والسودانية، فى ظل النجاحات العديدة التى حققها المصريون فى مجالات مختلفة داخل السودان مع تنامى أعداد المصريين فى السودان وتنامى حجم الاستثمارات والحضور القوى لرجال الأعمال هناك، إلى جانب زيادة حجم مصالح السودانيين فى مصر حيث يتوافدون إليها للسياحة والعلاج والتسوق وأعدت ملتقى لعائلات المهجر التى هربت من جحيم نظام البشير. وفقا لإحصائيات المنظمة الدولية للهجرة، فإن هناك 3.8 مليون سودانى يتواجدون على الأراضى المصرية. فى حين أكد السفير على يوسف منسق المبادرة السودانية، أن المعلومات المتوفرة لدى السفارة السودانية تشير إلى وجود نحو مليون سودانى فى مقابل 100 ألف مصرى يعملون فى مواقع سودانية مختلفة داخل السودان، مشيراً إلى أن اندلاع الثورة السودانية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية التى يعانيها دفعت بمزيد من السودانيين للإقامة فى بلدهم الثانى مصر. وأوضح أن المبادرات الشعبية سيكون لها انعكاسات إيجابية على الجوانب السياسية إذ إن العمل الشعبى من المفترض أن يكون جزءاً هاماً من مسار العلاقات بين البلدين ويدعم الأنشطة الحكومية المختلفة بينهما ويكون مؤثراً فى تشكيل السياسات العامة فى مجالات التعاون الثنائى، مشيراً إلى أنه للمرة الأولى يكون هناك مبادرة سودانية ولديها ظهير مصرى ومن المقرر تشكيل لجان ومؤسسات شعبية بهدف التوصل إلى مواقف وسياسيات تقود العلاقات بين البلدين وتهيئ البيئة المناسبة لأن تكون فى أحسن أحوالها. وبحسب الدبلوماسى السوداني، فإن المبادرة التى انطلقت من الخرطوم قبل ثلاثة أشهر تضم عدداً من المحبين لمصر وشعبها من مختلف ألوان الطيف السياسى وشارك فيها الشيوخ والشباب والرجال والنساء وبعض من أسهموا فى تدشين المبادرة يعيشون فى السودان والبعض الآخر يتواجد فى مصر، مشيراً إلى أنه لمس نفس الروح التى وجدها فى السودانيين لدى حضوره أول اجتماع للمبادرة المصرية وكذلك نفس التنوع السياسى والفكرى فى الأعمار والخبرات وأن ما يربط الجميع هو الحرص الشديد على تعزيز العلاقات بين البلدين. وبرأى السفير على يوسف، فإن ما يدعم توطيد العلاقات بين الشعبين أن السودانيين الذين يعيشون منذ سنوات طويلة فى مصر يتمتعون بنفس الحقوق والامتيازات التى تتوافر للمواطنين المصريين وأن المبادرة السودانية تبنى على تلك المعطيات من أجل دحض أى خطابات كراهية تروج إليها أطراف لديها مصلحة فى تعكير صفو العلاقات بين البلدين، وإمكانية توسيع دائرة العمل لتشمل تطوير علاقات شعوب دول حوض النيل. ووضع يوسف جملة من الشروط التى تدعم نجاح المبادرتين، على رأسها؛ أن يكون هناك عمل مؤسسى مشترك بينهما، إلى جانب التخطيط المشترك للمجالات التى بحاجة إلى التعاون وتحديداً الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتنوير الحكومات بما تصل إليه اللجنتان من قرارات، والتفكير بطريقة استراتيجية لتطوير العلاقات بين البلدين وإفساح المجال أمام مشاركة أكبر قدر من أساتذة الجامعات والمفكرين الذين تكون مهمتهم تقديم النصائح للأنظمة السياسية فى كلا البلدين. ولعل ذلك ما أكد عليه محمد إلياس السفير السودانى بالقاهرة، خلال حضوره أول اجتماع للمبادرة المصرية، حيث شدّد على ضرورة أن تكون الجهود غير الرسمية داعمة لدوائر صنع القرار فى البلدين وسياستيهما الإيجابية إزاء بعضهما البعض، كما تبنى الجسور المطلوبة وفى كافة المجالات لتطوير العلاقات، خصوصاً على الصعيد الاقتصادى والثقافى والإعلامى.