كتبت: دينا توفيق "لا أحد بأمان حتى يصبح الجميع بأمان"، هذه العبارة أصبحت شعار "جافى" )التحالف العالمى للقاحات والتحصين(، وهو شعار فى ظاهره خير ومحاولة لإنقاذ البشرية من جائحة كورونا، وفى باطنه حملة لدفع وإجبار لسكان العالم على تلقى اللقاح.. خطوة نحو تتبع وتعقب البشر ومن ثم تقييد الحريات.. صورة أخرى من التمييز الذى كان جزءاً من تاريخ الإنسان؛ العرق، الجنس، اللون والآن المناعة، أو جواز السفر والشهادة المناعية.. من يتلق اللقاح، يسمح له بعبور الحدود، الذهاب إلى المسرح والعمل وممارسة أى نشاط آخر. كل وثيقة هوية تحمل "ديستوبيا" أو "عالم الواقع المرير" الخاص بها، كما وصفها المؤلف النمساوى "ستيفان زفايج"، "فى السابق كان الإنسان يمتلك جسدا وروحا فقط، الآن يحتاج إلى جواز سفر أيضا، لأنه من دونه لن يُعامل كإنسان". عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية فى الولاياتالمتحدة، أثار انتشار جوازات السفر البيومترية مخاوف بشأن الأمن والخصوصية، والآن العالم بصدد جواز السفر المناعى وتطبيق إلكترونى على الهواتف الذكية يحدد من تلقى اللقاح ومن لم يأخذه، وسيكون بمثابة تأشيرة إلكترونية للمرور. واليوم، مع إمكانية الحصول على شهادة لقاح "كوفيد−19"، تتزايد مخاوف الديكتاتورية الرقمية؛ حيث يتم الدفع بالفكرة باعتبارها قفزة نحو عودة الحياة إلى طبيعتها عقب أسوأ عام على الإطلاق للسياحة الدولية وشركات التكنولوجيا المتحمسة للحصول على عقود حكومية مربحة ومنجم ذهب للسيطرة على البيانات. وقد يكون هذا كله بمثابة حلقة من مسلسل الخيال العلمى البريطانى "المرآة السوداء" حول الجانب المظلم من التكنولوجيا وتداعياتها على قرارات ومصائر البشر. وفى أوائل أبريل الماضى، ظهرت الحقيقة المحزنة لوباء "كوفيد−19" وأصبحت موضع الاهتمام العالمى، وجدت فكرة قديمة ومثيرة للجدل طريقها إلى الوعى العام، وهى "جوازات السفر المناعية"، مثل ما يدور فى أذهان المدافعين داخل الاتحاد الأوروبي، بقيادة اليونان المعتمدة على السياحة حالياً، حيث اقترح رئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس جوازات سفر اللقاح هذه كوسيلة للسفر بحرية من دولة إلى أخرى، وأيضًا كحافز للتلقيح. ومن ناحية أخرى، وفقا لوكالة "بلومبرج"، ورغم دعم رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، للفكرة باعتبارها "ضرورة طبية"، لا يزال الخطر موجوداً ويتمثل فى أن محاولات فرض جوازات سفر مناعية قابلة للتطبيق ستؤدى إلى تشتيت الانتباه عن مشكلات الصحة العامة الأكبر. وما يحدث الآن كما يقول الصحفى المتخصص فى شئون الاتحاد الأوروبى ليونيل لوران يشبه إلى حد كبير سعى الحصول على شهادات المناعة الرقمية لأولئك الذين لديهم أجسام مضادة من العدوى كما حدث فى ألمانيا مع تفشى الجائحة. فيما تكمن المشكلة الرئيسية فى أنه بعد أسابيع قليلة من حملة التطعيم التى ستستمر حتى أواخر العام الحالى سيكون من المبكر الحديث عن شهادات اللقاح؛ خاصة أن الاتحاد الأوروبى قدّم جرعات تعادل 1٫3٪ فقط من سكانه. ويرى لوران بدلاً من مجتمع ذى مسارين؛ حيث يحمل بعض الأشخاص شهادة اللقاح، والبعض الآخر شهادة نتيجة اختبار كوفيد−19 السلبى، فمن المحتمل أن تكون نتائج الاختبار أساسية لفترة من الوقت؛ خاصة أن النتائج الكاملة لحملات اللقاحات من حيث المناعة وفعاليتها لم تظهر بعد. ووصف الرئيس الرومانى الفكرة بأنها "مثيرة للانقسام"، بينما يقول وزير الدولة الفرنسى للشئون الأوروبية كليمان بون، إن النقاش "سابق لأوانه"، وما يجب فعله الآن توجيه طاقة الاتحاد الأوروبى فى الوقت الحالى نحو الحصول على اللقاح. وقد تكون هناك حاجة ماسة إلى جوازات سفر اللقاح ذات يوم ل"كوفيد−19"، تمامًا كما الحال مع "الحمى الصفراء" فى بعض البلدان. وفى ظل تخطيط العديد من الدول على رأسهم الدنمارك وبريطانيا لإصدار "جوازات التطعيم" لتسهيل الحركة بشكل أسرع، شددت لجنة الطوارئ التابعة للجنة منظمة الصحة العالمية )WHO( على أن تأثير اللقاحات على الحد من انتقال العدوى غير معروف بعد وأن توافر اللقاح الحالى محدود للغاية وحث الدول على الامتناع عن فرض مثل هذه المتطلبات، وذلك وفقًا لموقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي. وكانت المملكة المتحدة قد بدأت مرحلة الاختبار المباشر الأولية لجواز سفر التطعيم والمناعة الجديد لكورونا، النظام، الذى طورته شركة المصادقة البيومترية للوجه iProov ومزود بالحلول التقنية العميقة Mvine، والذى يتيح للمستخدم تسجيل نتائج الاختبار وحالة التطعيم دون الكشف عن هويته. سيتم اختبار النموذج الأولى فى البداية من قبل مديرى الصحة العامة داخل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" بحلول نهاية مارس المقبل حتى يتم نشر جواز السفر على نطاق أوسع. ووفقاً لسياسة "جافى" للسيطرة على مرض معدٍ، من المهم معرفة المتعافين الذين يمكن أن نكون على صلة واتصال بهم، ومن هم المصابون أيضًا، ويتم ذلك من خلال "تتبع الاتصال"، وهى التقنية الراسخة لمكافحة الوباء منذ عام 1854، ولجأ إليها لأول مرة الطبيب البريطانى جون سنو لتتبع مصدر تفشى الكوليرا فى لندن؛ وهذا ما يطرحه تحقيق موقع "جافى" بعنوان "كيف يمكن للتكنولوجيا الموجودة معنا تتبع كورونا؟". وتنقسم تطبيقات تتبع جهات الاتصال التى يتم تطويرها ونشرها حاليًا فى جميع أنحاء العالم وفقًا للتحالف العالمى للقاحات والتحصين إلى فئتين: الأول، الطريق المركزى للبيانات ويتم الحصول عليه من الهاتف ويخزنها على نظام مركزى يمكن للخبراء الوصول إليه، واستخدامها. أما الفئة الثانية، فهى الطريق اللامركزى، الذى ظهر بعد الشراكة الأخيرة بين ∩جوجل∪ و∩آبل∪، التى تم الإعلان عنها فى أبريل الماضى، بتتبع انتشار الفيروس عبر الهواتف الذكية، والذى يمكنه تنبيه المستخدمين إذا قاموا بالاتصال بشخص مصاب بالفيروس مؤخرًا، وعندها سيتم دمجه داخل نظامى IOS وأندرويد للمليارات حول العالم، ويتيح ذلك للهواتف الذكية تسجيل الأجهزة الأخرى التى تقترب منها باستمرار عبر تقنية البلوتوث. ويهدف ذلك إلى وضع المستخدم تحت السيطرة، وإنتاج تنبيهات لهم تلقائيًا دون تدخل من طرف ثالث. والآن، هناك العديد من البلدان حول العالم تستخدم تقنية مشابهة لتتبع الاتصال للمساعدة فى وقف انتشار الفيروس، بما فى ذلك الولاياتالمتحدة ودول أوروبية وكوريا الجنوبية والصين وسنغافورة. ويُستخدم تطبيق "Health Code" فى الصين لتحديد ما هو مسموح للفرد وما لا يُسمح له بفعله، استنادًا إلى رمز كوفيد−19 )سواء كان أخضر أو أصفر أو أحمر(، وهو التطبيق الذى تسيطر عليه الحكومة، ويغطى أماكن عامة كبيرة من محطات القطار إلى مراكز التسوق. ومع طرح لقاحات فيروس كورونا الآن، انضم عمالقة التكنولوجيا مثل "مايكروسوفت" و"أوراكل" للتعاون مع مؤسسات الرعاية الصحية فى الولاياتالمتحدة للمساعدة فى عودة الحياة إلى طبيعتها ويريد التحالف الذى يطلق عليه مبادرة اعتماد التطعيم )VCI(، التأكد من أن كل شخص لديه حق الوصول إلى سجل رقمى آمن من تطعيم كورونا، مثل جواز سفر اللقاح الرقمي، الذى يمكن تخزينه على الهواتف الذكية للأشخاص. يمكن استخدام السجلات لكل شيء بدءًا من السفر بالطائرة إلى دخول الأماكن العامة وربما العمل. وبحسب شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، يضم التحالف أيضًا مجموعة واسعة من رواد الرعاية الصحية والتكنولوجيا بما فى ذلك "سيلز فورس" شركة برمجيات أمريكية، المسجلة فى بورصة نيويورك تحت الرمز "CRM"، والمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية )سيرن(، و"سقنا" أو"Cigna" مؤسسة خدمات صحية أمريكية، و"Epic" التى تعمل على تطوير برامج للمجموعات الطبية والمستشفيات، بالإضافة إلى "مايو كلينك" المجموعة الطبية والبحثية. ويتوقع بعض الخبراء أن الدول التى تتطلب حاليًا نتائج اختبار كوفيد−19 للمسافرين القادمين ستقبل أيضًا فى النهاية جوازات التطعيم. ويرى الرئيس التنفيذى لمؤسسة The Commons Project غير الربحية " بول ماير"، والذى يشارك أيضًا فى المشروع، أن الفكرة الآن مألوفة، حيث سيتلقى أى شخص تم تطعيمه رمز الاستجابة السريعة الذى يمكن تخزينه على هاتفه من خلال تطبيق إلكتروني. وتدير مايكروسوفت وأوراكل البنية التحتية التقنية للعديد من أنظمة الرعاية الصحية الكبيرة، ما يمكنها بناء معايير اعتماد اللقاح. ومن المشاكل المحتملة الأخرى لهذا النظام عدم المساواة؛ لأنه لن يتمكن أى شخص بدون هاتف ذكى من الوصول إلى سجل رقمى للقاح. ومع ذلك، تقول مبادرة اعتماد التطعيم إنها تخطط لتزويد هؤلاء المرضى بورقة مطبوعة برمز QR يحتوى على السجل، وفقاً لكبير أطباء الصحة الرقمية فى منظمة الأبحاث غير الربحية MITER، وأحد أعضاء المبادرة "بريان أندرسون". ومع ذلك، فإن هذه المستندات الورقية ليست مثل "جواز السفر" الذى يتم استخدامه للسفر الدولي. ومن المرجح أن تستمر هذه المداولات خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث تقدم كل دولة توصياتها وخططها الخاصة.