كم كان في دنيانا من مظاليم في سجونٍ ضيقةٍ معتمةٍ، لمجرد أن وشى بهم أحدٌ بشهادة زورٍ أو بمكيدةٍ أو خلاف ذلك، دون أن يكون هناك خصومة بين هؤلاء وسجانيهم، فما بالكم بمساجين وأسرى في سجون محتلٍ سلّط جبروته ضد شعبٍ مكلومٍ ونهب أرضه ودياره، ووضع من غرّ أبنائه في سجونٍ آوى قبحها جمال شعبٍ أبى إلا أن يقف أبناؤه كالقساورة في وجه الغاصبين، لا يهابون الزجّ بهم في سجون المحتلين، ولا الموت في سبيل أرض أجدادهم الميامين. يستيقظون وينامون على غايةٍ واحدةٍ هي أرضهم وأوطانهم، وسجانهم ينام نومة الذئب خلسةً وخيفةً منهم، وهو يقيدهم في سجونه، فلا نامت أعين الجبناء. ومن بين هؤلاء الأسرى، باسل عريف (38 عامًا) الذي قضى ربيع عمره وسنوات زهرة شبابه في سجون الاحتلال، متجاوزًا الثمانية عشرة سنة في السجون الإسرائيلية، يتوق والده ليومٍ تلاقٍ مع ابنه الذي غاب منذ عقدين من الزمن، ينتظر يومًا يقضي الله فيه أمرًا كان مفعولًا ليكحل عيناه برؤيته ولده الأسير محررًا من قيود الاحتلال. نبذة عن باسل عريف ولد الأسير باسل عريف في الرابع من أبريل عام 1982، وكان يقطن مع أسرته في حي الرمال غرب مدينة غزة، فكبر وترعرع في عائلة مناضلة وبين أزقة وشوارع المدينة، وانتمى لحركة "فتح" منذ نعومة أظافره. وفي عام 1998، التحق بجهاز الشرطة الفلسطينية وانتقل الى العمل في محافظات الضفة الغربية، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، انضم إلى كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وشارك في العديد من العمليات الفدائية، ولعل أبرزها المشاركة في قتل مستوطنين اسرائيليين داخل مستوطنة "عوفر" انتقامًا لاستشهاد صديقه ورفيق دربه مهند حلاوة. وفي التاسع عشر من أغسطس عام 2002، وبعد مطاردة استمرت لشهور طويلة، تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من استدراجه عبر أحد العملاء واعتقاله والزج به في سجونها، فتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي رغم الإصابة التي كان يعاني منها في يده اليمنى، وتنقل منذ اعتقاله في عدة سجون إسرائيلية وقضى سنوات متفاوتة في عسقلان وبئر السبع وهداريم وايشل ونفحة، ومكث فترات طويلة في زنازين العزل الانفرادي، وحصل على شهادة الثانوية العامة وشهادة البكالوريوس في العلوم السياسية داخل سجنه، فيما يقبع الآن في سجن نفحة في صحراء النقب جنوبفلسطينالمحتلة. حكم بالسجن المؤبد ويشير عبد الناصر فروانة، مدير وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة الأسرى والمحررين، إلى أن الأسير باسل عريف محكوم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، بتهمة قتل مستوطنين إسرائيليين. ويضيف فروانة ل"بوابة أخبار اليوم"، أن "هذا يندرج في إطار المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني ضد المحتل ومستوطنيه ومن أجل نيل الحرية والاستقلال. وهذه المقاومة بكل أشكالها أجازتها المواثيق والأعراف الدولية كافة". ويتابع فروانة، وهو أسير محرر، "ما يدفع هؤلاء الشباب إلى تنفيذ عمليات مقاومة كهذه، هو وجود الاحتلال واستمرار جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، بمعنى أن المشكلة الرئيسية هي وجود الاحتلال واستمرار جرائمه، إذ لا حياة مع الاحتلال ولا حرية في ظل الاحتلال". أب يحلم برؤية ابنه قصة الأسير باسل عريف حملت بين طياته من فصول القصص المؤثرة، ومعاناة البعد عن الأهل، وفقدان الأب رؤية ولده، الذي لا يزال على قيد الحياة، لكنه بعيدٌ في سجون موصدة. ويقول عماد عريف، والد الأسير باسل عريف، إن آخر مرة رأى فيها نجله الأسير كانت في العاشر من ديسمبر عام 2000، ومن ذلك الحين لم تبصر عيناه ولده. ويشير عماد عريف، في تصريحاتٍ خاصةٍ ل"بوابة أخبار اليوم"، إلى أنه على مدار سنوات سجن ولده في سجون الاحتلال لم يجرِ معه أي اتصالٍ هاتفيٍ، فلم يسمع صوته، عطفًا على عدم رؤيته. وبسؤاله عن هوية الطريقة التي تصل إليه بها أخبار نجله الأسير، يقول عريف "الأب"، "فقط عبر الأسرى الذين يتم تحريرهم من المعتقلات الإسرائيلية". وعن الأسباب التي جعل الاحتلال يضيق عليهم ويمنعهم من زيارة الأسير باسل، طبقًا للحق الذي كفلته جميع القوانين الإنسانية والأعراف الدولية، أجاب الوالد قائلًا، "الاحتلال متى التزم بالقوانين الدولية والإنسانية؟!"، مضيفًا، "ومنعي من الزيارة كلها بحجج واهية وكل مرة مرفوضة". وحول حالة الأسير باسل عريف في سجون الاحتلال، يقول والده، "ما سمعته عنه جيد.. معنوياته عالية جدًا.. ونحن نستمد عزيمتنا منه". ويسرد الأب عماد عن الجانب المؤثر في قصته وولده، فيقول "لا أشيء أكثر من ذلك.. هل هناك أكثر من أب لم يرَ ابنه منذ 20 سنة.. ما أعرف ملامح وجهه حاليًا ولا أعرف شخصيته.. نفسي أحتضنه ولا أتركه أبدًا". صورة تجمع الأب بأبنائه الثلاثة خلاف باسل مع صورة للأسير. حفيد على اسم الابن وعن شعور أبنائه تجاه معاناة أخيهم الأسير، يتحدث عن أن حالتهم صعبة كثيرة نتيجة فقدانهم أخيهم، مضيفًا "لدي حفيد ابن ابني سميته باسل على اسم ولدي الأسير.. والمفارقة أن باسل الصغير وُلد يوم السابع عشر من أبريل وهو يوم الأسير في فلسطين". وفي النهاية، وجه عماد عريف رسالةً إلى ابنه الأسير وكل الأسرى الفلسطينيين، يقول لهم فيها، "الفرج قريب وأقول لهم إن السجن عمره ما بنى على أحد.. والسجن يخرج كوادر فلسطينية.. كل وزرائنا وقيادتنا تخرچوا من السجون". كما وجه رسالةً أخرى إلى القيادة الفلسطينية والمقاومه وكل زعماء العالم العربي والإسلامي بأن تكون قضية الأسرى الفلسطينيين فى سلم الأولويات.