كر وفر في كل مكان، لا صوت يعلو فوق صوت إطلاق النيران بشكل مستمر، شوارع أصبحت ممتلئة بالدماء، قتلى ومصابين فهنا الأم فقدت زوجها، والأخ فقد شقيقه، هنا الأسرة فقدت عائلها الوحيد، نساء ترمّلت وأطفال أصبحوا أيتامًا. هنا في كوم هتيم التابعة لمركز أبوتشت، الذي يبلغ تعداد سكانها قرابة 4 آلاف و482 مواطنا، منهم 2382 من الذكور، و2100 من الإناث، كان أبنائها قبل 2004، يعيشون في مودة وأخوة، يتسمون بصفة الطيبة، وتسود "الجدعنة" على صفاتهم، هكذا وصف العمدة مدني عمدة قرية الأميرية التابعة لها قرية كوم هتيم أهل القرية. عمدة القرية يوضح العمدة أنه في 2004، حدثت مشادات كلامية بين أفراد من عائلتي "الطوايل والغنايم"، بقرية كوم هتيم بسبب لهو الأطفال وخلافات مادية بعدها، راح ضحيتها قتيلًا بعد إصابته بشوم، وانتهى بالصلح وتقديم القودة في 2006. ويشير إلى أنه بعد انتهاء الصلح بين الطرفين، عادت القرية لطبيعتها، وتعايش أبناء العائلتين مع بعضهم البعض، إلا أن خلافات على أولوية ركوب سيارة أجرة، جدد ذلك الخصومة بين العائلتين، وبدأ سلسال الدم، بين العائلتين، حتى وصل 17 قتيلًا، منهم 6 في 12 أغسطس 2016، وهو اليوم الذي وصفه ب"المشؤوم" بالقرية. ويلمح عمدة القرية، أن هناك لجنة مصالحات، تدخلت من قبل أكثر من 50 مرة، لحل الخصومة بين العائلتين، ولكن كان هناك رفض بسبب ارتفاع عدد قتلى عائلة "الغنايم"، عن عائلة "الطوايل"، وهو الأمر الذي حال دون اتمام الصلح. ويُضيف أن هناك خلافات بين العائلتين، على كون أحد المصابين مصابًا بتسمم في الدم بعد إصابته في الخصومة، وتريد العائلة الأخرى احتسابه ضمن الضحايا، فضلًا عن مقتل سيدة، موضحًا أن هناك تدخل قوي وجهود شعبية لإنهاء الأزمة في غضون أيام، بعد التواصل إلى اتفاق بين العائلتين. القرية تفتقر الخدمات ويوضح محمود علي، أحد ابناء القرية، أن القرية تفتقر العديد من الخدمات، وأهمها الوحدة الصحية ومكتب بريد وشؤون اجتماعية، موضحًا أن تحقيق العدالة ومنع الثأر إلا بعد توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين، وأيضًا إنهاء الخصومة بين العائلتين. ويُشير حسن الهتيمي، أحد أبناء القرية، إلى أن الثأر حوّل القرية إلى خراب، فبعد أن كان الجميع يتعايشون على "الحلوة والمرة"، أصبح الأهالي من خارج العائلتين، يخشون صوت إطلاق النيران، والرعب سيطر على الأطفال، والمعارك أثرت على العملية التعليمية بالقرية، وغياب التلاميذ عن المدارس خشية القتل. ويُضيف الهتيمي أن إطلاق النيران بشكل عشوائي بين العائلتين، من الممكن أن يُصاب أو يُقتل أحد المارة من خارج العائلتين، وهنا تتسع دائرة الدم، ولن يستطيع أحد ردم ذلك، مناشدًا المسؤولين سواء أمنيين أو تنفيذيين أو نواب وشعبيين بالتدخل الفوري لحل هذه الكارثة. وضع العائلتين ويوضح مصدر أمني بمديرية أمن قنا، أن العائلتين تركوا القرية تمامًا، فمنهم من يعيش في الزراعات، وآخرون يعيشون في قرى أخرى، كان آخرهم عندما ترك عاطف أحمد محمود، 57 عامًا، من عائلة "الطوايل" القرية منذ عامين، وعاش مع أهل زوجته في قرية القبيبة التابعة لمركز فرشوط، وقُتل منذ شهرين بعد ترصد أفراد من العائلة الأخرى له. ويُضيف أن إجمالي القتلى بلغ 17 قتيلًا منهم 9 من عائلة "الغنايم"، و8 من عائلة "الطوايل"، موضحًا أن من بين القتلى محامي وعجوز وسيدة، لافتًا أن الأجهزة الأمنية متواجدة بالقرية بشكل مستمر بناء على قرارات قيادات الوزارة، موضحًا أنه هناك تنسيق أيضًا مع الأجهزة الأمنية لضبط المتهمين في كل المناطق. ويوضح المصدر الذي فضل رفض ذكر اسمه أن جميع القضايا بين العائلتين منظورة في محكمة جنايات نجع حمادي، التي عاقبت قرابة 50 متهمًا من العائلتين سواء غيابيًا أو حضوريًا سواء بالسجن المؤبد أو الإعدام. جهود للصلح ويوضح اللواء عبد الحميد الهجان، محافظ قنا، أن المحافظة تعمل جاهدة لإنهاء الخصومة الثأرية في قرية "كوم هتيم"، وهناك لجان سواء مصالحات أو أمنية أو تنفيذية متواجدة لحل هذه الخصومة. ويلفت محافظ قنا، إلى أن الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع اللجان المتخصصة نجحت في إنهاء أكثر من 100 خصومة ثأرية خلال الأربع سنوات الماضية، مشيرًا إلى أن الثأر يعيق من عملية التنمية وتنفيذ خطة الدولة في النهوض بهذه القرى التي عانت كثيرًا من الثأر. خطة لتحسين وضع القرية ويلمح أشرف رفعت، نائب رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة أبوتشت، أن هناك خطة لتحسين وضع القرية بعد إنهاء الخصومة الثأرية التي حالت دون تنفيذ الخطة، مشيرًا إلى أنه سيتم رصف الطرق بالقرية، و تغيير شبكة المياه، وإحلال وتجديد منظومة الكهرباء من خلال تركيب محولات وأعمدة وكشافات كهربائية.