يجمع المسلمون والمسيحيون علاقة أخوة، نراها في جميع المناسبات والمواقف، ورغم كل محاولات زرع الفتنة إلا أن جميعها باءت بالفشل.
وورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، حول حكم تشييع المسلم لجنازة مسيحي، في سؤال نصه: «توفي من أهل قريتنا رجل مسيحي، شارك في جنازته عدد كبير من أهلنا في القرية، ومعظمهم مسلمون، وقد خرجت أصوات بعد ذلك تقول إن تشييع المسلم للمسيحي غير جائز شرعًا، لذلك نرجو من حضراتكم إعطاءنا فتوى موثقة في حكم حضور المسلم جنازة المسيحي أو غير المسلم».
وأجاب مفتي الجمهورية د. شوقي علام على السؤال، قائلا: «إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بُعث بحسن الخلق، وأرسله الله تعالى رحمة للعالمين؛ دون تفرقة بين جنس وجنس أو طائفة وأخرى، أو دين ودين، بل كان رحمة لكل البشر».
واستشهد مفتي الجمهورية بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة إلا رحيم، قلنا: كلنا رحيم يا رسول الله، قال: ليست الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته؛ حتى يرحم العامة، ويتوجع للعامة»، رواه عبد بن حميد في مسنده.
وأضاف المفتي: «راعى الإسلام مشاعر الإنسان وأحزانه في حال الوفاة، فالأمر بحسن معاملة أهل الكتاب ورحمتهم يدخل في عموم الأمر بالرحمة وحسن الخلق»، مستشهدًا بما ورد في حقهم ونص عليه في شأنهم؛ من وجوب الإحسان إليهم؛ بقوله تعالى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون».
وتابع: «من أشمل صور حسن معاملتهم ورحمتهم: مواساتهم عند المصائب، وجبرهم عند الحاجة والضعف، ومن ذلك: حال المرض، وحال الوفاة، سواء كانوا من الأقارب أم من غير الأقارب».
وفيما يخص اتباع جنائزهم، استشهد مفتي الجمهورية، بما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي»، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»، متفق عليه.
وأضاف: «عن سهل بن حنيف، وقيس بن سعد رضي الله عنهما، قالا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا».
وشيع الصحابة رضي الله عنهم جنازة نصرانية؛ هي أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه؛ فعن الشعبي قال: «ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه، وكانت نصرانية، فشيعها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم»، فقد شيعها الصحابة رضي الله عنهم ولم تكن قريبة لهم، وهذا يدل على جواز ذلك لغير الأقارب.
وأجاز الفقهاء من الحنفية والشافعية، تشييع جنازة أهل الكتاب واتباعها؛ سواء كان المتوفى من الأقارب أو الجيران أو لم يكن كذلك.
وتابع مفتي الجمهورية: «المواطنة تفرض على المسلم حقوقا لمواطنيه؛ منها التناصر والتآزر والتعاون والمواساة ورد التحية والنصيحة وحسن الخلق والمعاملة بالمعروف، والدفاع عنه وعن حرماته وأمواله، وتشييع الجنائز من أعظم ما تحصل به المواساة ويتحقق به البر والرحمة والتخفيف عن أهل المتوفى في مصابهم، وذلك من حقوق الإنسان على أخيه الإنسان».
واختتم د. شوقي علام فتواه قائلا: «يجوز للمسلم اتباع جنازة غير المسلم وتشييعها، وهذا من صور المواساة والبر ومكارم الأخلاق المأمور بها شرعا».