بصوت يَغلب عليه الشَجن والحُزن وأنفاس مختنقة تحبس البكاء تتحدث والدة عبدالله أحمد عبدالله، المصاب بمرض ضمور العضلات والأعصاب، القاطن بحى السيدة زينب بالقاهرة، والبالغ من العمر 23 عام ل"أخبار اليوم" قائلة "أنا حاليا منهارة وحالتى النفسية سيئة للغاية لأن عبدالله مُقعد فى المنزل على كرسى متحرك ولا يستطيع الحركة بسبب مرض ضمور العضلات والأعصاب والذى أُصيب به منذ أن كان عمره 7 سنوات أى فى المرحلة الثانية الإبتدائية، ورغم أننى وزوجى لسنا أقارب فزوجى من محافظات الصعيد وأنا من محافظة الشرقية ولا يوجد أحد بعائلاتنا مصاب بالمرض كى يتوارثه عبدالله، وهو الولد الوحيد للأسرة، وما زاد معاناتى وجعلنى محطمة نفسياً أنى قمت بإجراء تحليل لبنتى الكبرى وأخبرنى الطبيب بنتيجة التحاليل التى تؤكد إرتفاع إحتمالية الإصابة بالمرض أو أنها ستورث مرض ضمور العضلات والأعصاب لأبنائها فى حالة الزواج والإنجاب". وتابعت والدة عبدالله "أجريت تحليلات لبنتى ب4 آلاف جنيه وتحليل لإبنى ب 900 جنيه وأشترى أدوية له ب500 جنيه، وكل ذلك على نفقتنا الخاصة بعدما أنهى عبدالله مرحلة التعليم الجامعى فلانصرف أدوية على نفقة الدولة أو التأمين الصحى، ولا يتقاضى إبنى معاش الضمان الإجتماعى حيث رفضوا لأن والده يتقاضى معاش ألف ومائة جنيه، وهذا العام أنهى التعليم الجامعى وحصل على ليسانس آداب، وكنت أنقله للجامعة فى تاكسى وأقضى اليوم معه بالجامعة وأعود به نهاية اليوم". "الصحة العالمية" تقدر أعدادهم وأسباب الإصابة حالة عبد الله ليست الحالة الوحيدة فى مصر المصابة بمرض ضمور العضلات والأعصاب ، بل هناك تقديرات تُشير لأن عدد المصابين بالمرض بلغ حوالى 400 ألف مصاب بحسب معلومات أدلى بها مدير مركز الحق فى الدواء، الإ أن رابطة مصابى مرض ضمور العضلات والأعصاب تقدر أعدادهم بحوالى مليون مصاب داخل مصر، ومع غياب الحصر والإحصاء الشامل لهم بشكل رسمى من قبل وزارة الصحة المصرية، فإن منظمة الصحة العالمية قدرت نسبة الإصابة بمرض – الدوشين – وهو أشهر أنواع الإصابة بالمرض فى مصر، بحالة لكل 3300 شخص. وأكد موقع المنظمة أن باقى أمراض العضلات وأنواع الضمور المختلفة تختلف تقديراتها ولا يوجد إحصاء رسمى بها، وتعرف المنظمة الدوشين بأنه مرض وراثى ناتج عن خلل فى جين الديستروفين، ونتيجة لحدوث خطأ فى هذا الجين يتوقف الجسم عن صنع البروتين المسمى الديستروفين (dystrophin)، وهو البروتين المسؤول عن صحة ألياف العضلات بالجسم، ويؤدى غيابه إلى ضعف العضلات الذى يزداد سوءاً مع مرور الوقت لأن خلايا العضلات تبدأ فى الضمور تدريجياً. وتُشيرالمنظمة إلى أن للمرض أنواع عديدة أبرزها الدوشين والبيكر، يصيب المرض بصورة رئيسية الذكور فى سن مبكرة، وعادة يموت المصابون بالمرض فى بداية الكهولة، بسبب تأثير المرض على عضلة القلب، ما يؤدى إلى الفشل التنفسى حتى الوفاة. وذكرت المنظمة أن ظهور علامات المرض بالفحوصات المخبرية قد يكون من سن الولادة لكن ظهور أولى علامات الضعف قد تكون في سن ما بين السنة الثانية والثالثة من العمر قد تتأخر هذه الأعراض في بعض الحالات، كثيرًا ما تكون القدرات العقلية للأطفال المصابين متوسطة لكن احيانًا يكون ذكائهم طبيعي أو حتى أعلى من المعدل الطبيعي. كما تشير إحصائيات هيئة الغذاء والدواء أن نسب إصابة الأطفال بمرض ضمور العضلات الشوكى "SMA" حوالى 1 فى كل 10 آلاف طفل. هموم ومطالب مرضى الضمور وقال أسامه حجاج حبشى، منسق رابطة مرضى ضمور العضلات وأحد الحالات المصابة، إن أعداد المرضى كبير جداً وفي كل مكان في مصر ويصل عددهم لمليون مريض، له أنواع عديدة ما اكتشف منها حتى الآن 65 نوع، و يظهر في أعمار مختلفة وكلما ظهر المرض في سن مبكرة كلما زاد خطر تدهوره وهو عبارة عن خلل جينى نتيجة طفرات وراثية يؤدى إلى تكسر العضلات وأنشطارها مما يتسبب عن أضرار بالغة ويتسم هذا المرض بفقدان الأنسجة العضلية والتراجع والضعف والتنكيس في عضلات الهيكل العظمي التي تتحكم بالحركة. وتابع "ينتشر المرض بكثافة فى محافظات الصعيد والدلتا بسبب العادات والتقاليد المصرية في زواج الأقارب حيث يكون 80% من الإصابة بالمرض وراثى و20% غير وراثى، إن أُصيب أحد الأبناء في الأسرة بهذا المرض فينذر بتكرار الاصابه في أطفال هذه العائلة والدليل علي ذلك أنه يوجد من المصابين بهذا المرض جميع الأبناء قد يكونوا ثلاثة اخوات أو أكثر ويُمكن أن ينتشر بين أفراد العائلة وقد يصل عدد المصابين في العائلة الواحدة إلي عشرين مصاباً ". وأستطرد "من المرضى من هم طريحى الفراش لا يستطيعون تحريك أى جزء من أجسامهم ولا يستطيعون أن يأكلوا بأنفسهم وتوجد عندهم مشاكل فى البلع وفى الشرب ولا يستطيعون التنفس سوى من خلال الاجهزه والوفيات منهم مستمرة ". وأوضح "نعاني أشد المعاناة في التشخيص والعلاج وضعف خبرة الأطباء فالكثيرمنهم لا يعرفون شيئا عن مرض ضمور العضلات ولا كيفية التعامل مع الحالات، ونحتاج لتحاليل جينية DNAتكون خارج مصر وفى بعض المراكزالخاصة المكلفة للغاية والتى تصل الى 8 آلاف جنيه وبعضها 32 ألف جنيه بالإضافة الى إجراء الإشاعات". واشتكى أسامه من غياب دور المجلس القومى للإعاقة، ووزارة الصحة حيث لم يقدما للمرضى أى شئ، على حد قوله، حيث وعد وزير الصحة منذ يوليو 2016 بإنشاء مستشفى لمرضى ضمور العضلات والأعصاب ولم يتحقق ذلك، ثم وعد بإنشاء مركز لهم يتبع معهد الجهاز العصبى والحركى ولم يتحقق ذلك أيضا، لافتا الى عدم استحقاقهم العلاج على نفقة الدولة طبقا للقرار رقم 210 لعام 2010 حيث يتم رفض طلبات العلاج الخاصة بهم كونهم لا يشملهم القرار، وإلتقينا بوزير الصحة ومستشار الوزير لكن دون جدوى أيضا، مضيفاً أن قانون التأمين الصحى الجديد سيطبق على 15 عام وعلى مراحل بمحافظات الجمهورية ما تستمر معه معاناة المرضى حتى يشملهم القانون . وطالب بالعلاج على نفقة الدولة لغير القادرين خاصة مع إرتفاع سعر الأدوية، وإستيراد الأدوية الحديثة التى تم إكتشافها مؤخراً بالخارج، وصرف الأدوية على التأمين الصحى، توفير مراكز متخصصة لمرضى ضمور العضلات بالمحافظات وتجهيزها بأحدث الإمكانيات التى تعمل على الإكتشاف المبكر للمرض ومنع تدهور الحالات، إدراج مرضى ضمور العضلات بشكل صريح فى اللائحة التنفيذية لقانون الإعاقة، زيادة معاش الضمان الإجتماعى البالغ 323 جنيه فهو لا يتناسب مع إرتفاع أسعار الأدوية التى تصل لألف جنيه والتحاليل والتنقلات وربطه بالتضخم فى الأسعار، وتوفير الكراسى الكهربية بسعر مُخفض التى نتحملها بمبالغ كبيرة تصل من 12-15 ألف، نشر الوعى الخاص بمرض ضمور العضلات للحد من إنتشاره كالتحذير من زواج الأقارب والأمراض الجينية والوراثية المرتبطة به، تفعيل دور المراكز البحثية بالدولة لإكتشاف علاج للمرض. "الحق فى الدواء" يقترح حلول عاجلة وقال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء "منذ ثلاث سنوات وقمنا بفتح ملف مرضى ضمور العضلات وجلسنا مع وزير الصحة السابق الدكتور أحمد العدوى ثم الدكتور أحمد عماد، ورئيس هيئة التأمين الصحى لديه علم بمعاناتهم، ورئيس هيئة المجالس الطبية المتخصصة أيضا، لكن الجميع يهرب من المشكلة لأن ملف هؤلاء المرضى صعب جدا، وقمنا بعمل حسابات مع مندوب وزارة المالية إكتشفنا أن كل مريض سيتكلف 750 ألف دولار، وده مبلغ كبير على الوزارة والحكومة فى الوقت الحالى، لكن هؤلاء مرضى مهملين عددهم يصل ل 400 ألف مريض، وأشهر أنواعه الدوشين وبوشر، والملف يحتاج شغل جاد، لذلك الوزارة لديها تخوف من فتح ملف المرضى، وهؤلاء معطلين هم وأسرهم، ولا توجد إحصائية رسمية لعددهم، وخاطبنا هيئة العلاج على نفقة الدولة لكنها غير مخصصة مبالغ مالية". وتابع "خاطبنا وزارة المالية والمسئولون وعدوا منذ العام الجديد 2018 ستخصص الوزارة مبالغ معينة، ويوجد إهمال كبير من وزارة الصحة حيث لا يوجد أقسام متخصصة لهم، ومنذ 3 شهور وعدت الوزارة بإنشاء 6 أقسام فى 6 مستشفيات جامعية لهؤلاء المرضى وبدأوا بالفعل فى إنشائها بالإسكندرية والبحيرة وغيرها..، وطالبنا بوجود بروتوكول موحد حيث أن مريض الدوشين عند ذهابه للمستشفى يجد طبيب يعرف مرضه ويجد علاج خاص به فالمريض الموجود فى أسوان يُعامل مثل المريض بالإسكندرية فالعلاج موحد وذلك بعد تشكيل لجنة لأطباء المخ والأعصاب على مستوى الجمهورية تحدد الأدوية اللازمة، وللأسف الشديد الوزارة تبطأت فى بروتوكول العلاج، فهذا يجد آخذه فى الأعتبار رقم 1 لأنه حال توافر أموال بدون بروتوكول العلاج لا نستطيع علاجهم فهل سيأخذوا أدويه مثل بعضهم أم كل نوع من المرض سيكون له دواء معين، فلابد من وضع كود طبى حتى يسير عليه الجميع ويمكن الأطباء من تشخيص المرض مبكراً". واستطرد "لابد أن نسجل الأدوية الموجودة بالعالم التى تم إكتشافها علاج للمرض فى مصر، فهناك 6 أدوية غير مسجلة فى مصر، والشركات لا تأتى للتسجيل فى مصر لأنها تعلم أن الحكومة غير مهتمة بالمرض، ولو يوجد إهتمام من قبل الوزارة ستاتى الشركات وتعرض أدويتها وتكاليفها ونبدأ فى إدخالها فى التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة". وأوضح "هؤلاء المرضى يحتاجون لتأهيل بدنى ونفسى مع العلاج الكيميائى يأخذ علاج طبيعى فلابد من وجود وحدات علاج طبيعى لهم فغياب هذه الوحدات إنتهاك لصحة هؤلاء المرضى، توفير الكراسى اللازمة لهم، بالإضافة الى وقف إنتشار المرض بالتوعية حيث أنه مرض وراثى وبعضهم عائلة واحدة ويعرفون بعضهم أو يكون 4 من أسرة واحدة، وفى 2015 طالبنا الأزهر بإصدار فتوى فى هذا الأمر، لكننا لم نكمل الطريق بسبب عدم وجود علاج للمرض داخل مصر، فطريق البداية غير واضح، ونحتاج فتوى من الأزهر بخصوص زواج الأقارب لأن مرضى سيولة الدم أقارب وأيضا مرضى التصلب المتعدد ومرضى ضمور العضلات كى نمنع الطوابير الطويلة من المرضى التى لا أحد قادر على علاجها ولا الدولة قادرة على تبنيهم". ولفت الى أن قانون التأمين الصحى يعد طفرة لهم، وحصرنا 900 حالة موجودة بأول المحافظات التى سيطبق عليها القانون وسنرى ماذا سيفعل معهم القانون ومشكلاتهم ؟!. أستاذ مخ وأعصاب : أدوية مكلفة ونادرة وفى طور الإكتشاف وقال الدكتور أسامه عبد الغنى، أستاذ المخ والأعصاب بكلية الطب جامعة عين شمس "حالة الضمور فى العضلات والأعصاب تضعف الحركة وتجعل الإنسان غير قادر عليها حيث لا تسطيع العضلات تنفيذ أوامر المخ بالحركة، وهذه الأمراض نتيجة خلل جينى وهرمونى وأدويتهم مكلفة وناردة، وعام 2017 تعد أول عم وافقت منظمة الدواء الأمريكية على 4 أنواع لعلاج هؤلاء المرضى، وهذا يعتبر إنقلاب فى العلم، فمثلا مرض ضمور الخلية العصبية كان يعتبر من الأمراض القاتلة التى لا يوجد لها علاج، لكن تمت الموافقة على علاج له العام بالماضى وبدأ فى التوافر بالصيدليات، وتكلفة الحقنة الواحدة ألف دولار وتأخذ يومياً ولمدة أسبوعين كل شهر، وهذا يعنى أن تكلفته الشهرية 14 ألف دولار، وفى نفس الوقت هؤلاء مرضى يجب أن يطالبوا بحقهم فى العلاج كحق دستورى". وتابع " أعراض المرض تظهر فى سنوات مختلفة من العمر فبعضها فى العشرينات أو قبل ذلك وبعضها يبدأ بعد 50 عام رغم أنه مرض جينى، والأدوية مازالت فى طور الإكتشاف وبعضها يتم الإستفادة منها من المرضى حيث يحافظ على الحالة من عدم تدهورها ويجعلهم يعيشون فترة أطول، وكلما كانت المحافظات يكثر بها زواج الأقارب كلما إنتشر المرض". وكيل لجنة الصحة بالبرلمان : مناقشة الأزمة مع الوزير 8 مارس وقال النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الصحة بالبرلمان أن ستتم مناقشة قضية مرضى العضلات والأعصاب فى حضور وزير الصحة باللجنة يوم 8 مارس المقبل، وسنحاول إنشاء صندوق لهم أسوة بصندوق مرضى الكبد تتولى توفير العلاج لهم نظراً لتكلفتها العالية، خاصة وأنهم فئة تحتاج الى عناية، كما ستتم مطالبة وزارة التضامن الإجتماعى بكل مميزات ذوى الإعاقة لهذه الفئة خاصة بعد إصدار قانون ذوى الإعاقة. حالات مصابة بالمرض القاتل وتوجد حالات كثيرة مشابهة لحالة "عبدالله"، فتقول والدة المريض محمد خطاب، القاطن بمنطقة المرج الجديدة، والبالغ من العمر 16 عام "ابنى ظهر عليه المرض عندما بلغ 6 سنوات وبدأت تضعف الحركة عنده تدريجياً حتى أصبح مُقعد عند سن 8 سنوات، وحاليا لا يتلقى تعليم بأى مدرسة لأنه لا يستطيع الحركة، فهو جالس على الكرسى، ورغم أنى وزوجى لسنا أقارب ولا يوجد وراثة للمرض بعائلاتنا، وهو أول حالة بالعائلة، وأخته أُصيبت بضمور فى شبكية العين وأجرينا لها جراحة حتى تم شفاءها". وذكرت لبنى على والدة المريض محمد أحمد، من منطقة الهرم بالجيزة، والبالغ من العمر 5 سنوات " المرض ظهر على ابنى عندما كان عمره عام ونصف، ورغم أنى وزوجى لسنا أقارب ولا يوجد وراثة للمرض بعائلاتنا، وأشترى دواء له ب 300 جنيه على نفقتى وكشف الدكتور 300 جنيه والعلاج الطبيعى الجلسة ب 60 جنيه، ولا يحصل على معاش سوى 300 جنيه من الشئون الإجتماعية، وكان يستطيع المشى حتى 4 سنوات ثم أصبح الآن يزحف على الأرض كالطفل". الحالات المصابة بالمرض القاتل كثيرة ومنتشرة فى أنحاء الجمهورية ومعرضة للتدهور والمضاعفات فى حال التقاعس عن توفير الأدوية والمراكز المتخصصة لهم، وطالما يستمر مسلسل الإهمال وصم الآذان من قبل وزارة الصحة.