لمحت الطفلة ماتزال تغربل الرمال في الشمس، دنوتُ منها وقلت لها: خذي ما تشائين من هذه الأقفاص، فرفضت الطفلة قائلة: لا يا أستاذ، دي حادثة عندما تقرر أن تزور معبد فيلة بأسوان أو تبحر نحو جزيرة النباتات في قارب ستفاجأ بمنظر لم أره في حياتي من قبل، مجموعة من الصبية يسبحون حول القارب وقد تعرت صدورهم ولا يلبسون سوي شورت قصير، يبحرون علي لوح صغير من الخشب يضعه الطفل تحت صدره ليعينه سابحا حول القارب وممسكين بحواف القارب ويبدأ كل منهم في الغناء بصوت نقي رائع وابتسامة حزينة، يغني ومعظم جسده يغوص بالماء، ويستمع المبحرون في القارب للأصوات واحدا تلو الآخر فإن أعجبهم صوت دعَوْا صاحبه ليصعد القارب معهم ويشدو لهم طوال الرحلة ويجمعون له مالا قليلا يرضي به فرحا، ويربط النقود في صرة صغيرة علي ساعده النحيل، ويرمي بجسده في الماء مرة أخري باحثا عن قارب ليعرض علي مُبحريه صوته علَّ أن يعجبهم. عشرات الأطفال يمتلكون حناجر ذهبية في وضع بائس ومعرضون للبلهارسيا وأمراض الصدر والحمي، هل نكتشف من بينهم مطربا أو منشدا جديدا، هل فكرت إحدي القنوات التليفزيونية مصاحبة هؤلاء في الماء، ومحاورتهم وتقديم أصواتهم للجمهور؟ هل لديهم غطاء تأميني صحي، اقتصادي، هل يذهبون للمدارس؟ لقد أطلقت عليهم « مطرب الماء» لعل أحدا ينتبه إليهم، لعل وعسي. حزب العاطلين كيف يتم شغل الوظائف المخصصة للمصريين بالهيئات الدولية؟ سؤال سألني إياه خريج مصري يبحث عن عمل منذ تخرجه قبل خمسة أعوام ؟ وبعيدا عن الشائعات والأقاويل كدت أن أقول له: هذه الوظائف كالشمس مسكنها في السماء/ فعزّ الفؤاد عزاء جميلا، فهذه الوظائف محجوزة لفئة من الناس نقرأ أسماء آبائهم في الصحف والتليفزيون، وكم وددت أن أقول له تغيرت الأمور بعد الثورة، لكن حاله العاطل منعني من قول هذا الكلام غير المقنع له ولي ، ويظل التساؤل مَن يشغل مناصب مصر في الأممالمتحدة ومنظماتها وفي مجلس الأمن ولجانه وفي جامعة الدول العربية ومنظماتها، وفي البنوك الأجنبية؟ هل هذه الوظائف حكر علي عائلات معينة أو علي فئة معينة ذات تعليم أجنبي أو أمهات أجنبية؟ بل كيف تشغل هذه الوظائف عن طريق الإعلان ؟ وأين ينشر الإعلان؟ أو عن طريق ترشيح المحاسيب وهل هناك جنسية مصرية سوبر غير الجنسية المصرية التي يحملها المصريون الغلابة؟ وكيف يحصل عليها هؤلاء؟ إن الكلام عن الانتماء وعن مصر بعد الثورة يجب أن يفتح باب تمثيل شباب مصر الكادح في الداخل والخارج بحيث تمنح فرص الوظائف للجميع حتي نقضي علي المحسوبية، وهذا الكلام ينطبق علي باب الوظائف الدبلوماسية وغير ذلك وذاك. لقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه ضد المحسوبية واستغلال اسمه أو اسم مؤسسة الرئاسة لمصالح شخصية وهو كلام واضح لا يحتمل التأويل ودعوة صريحة لمحاربة الفساد الإداري، ، فهل تصل هذه الدعوة لجميع المسئولين لتعمم علي جميع مصالح الدولة ومؤسساتها؟ وقد رأوا بأعينهم أن من يخطئ يحاسب. هذا حتي لا ننظر إلي شبابنا العاطل ونقول له كل ثورة وأنت طيب، فحزب العاطلين في مصر هو حزب الأكثرية، ولو انتبهوا لذلك وأنشأوا حزبا لحكموا مصر وكوّنوا الوزارة، ومن عجب أن رجال الأعمال لم ينتبهوا لدورهم في استثمار الشباب لاسيما بعد توقف السياحة، وعودة عدد من العاملين بالخارج فازدادوا عددا، إضافة إلي إغلاق بعض رجال الأعمال مصانعهم وشركاتهم وتحويل أموالهم ومشاريعهم إلي الخارج، كل هذا وذاك سيزيد عدد العاطلين بمصر، قد تستوعب الدولة عددا من الشباب في مصالحها لكن وجود ما يقرب من ستة ملايين و363 ألف موظف وعامل بالحكومة يحول دون توظيف المزيد؛ لذا فأين دور رجال الأعمال؟ أقترح أن تسرع الحكومة بمنح العاطلين منحة البطالة التي تساوي الحد الأدني للأجور الذي يكفل للمواطن/المواطنة الحد الكافي لعيشة كريمة لا يتسول من أجل أولاده وأسرته، ولا أدري ماذا فعلت الحكومة في كبار موظفي البنوك الذين تركوا البنوك الوطنية عند تطبيق الحد الأقصي أي 42 ألف جنيه شهريا فرأوه قليلا قياسا بالألوف والملايين التي كانوا يأخذونها، وفرّوا مهرولين للبنوك الأجنبية؛ ولو كنا في دولة أخري لسحبت منهم الجنسية واستردت أموال الدورات التدريبية التي حصلوا عليها وأموال التأمينات التي دفعتها لهم مقابل خدماتهم المعجزة، في الوقت الذي مايزال بعض العمال والموظفين يتقاضون 600 ستمائة جنيه لا غير شهريا، هناك اقتراح آخر لماذا لا تقوم البلديات بعمل قائمة للعاطلين في البلدة ومؤهلاتهم ومهنهم وما يستطيعون أن يقوموا به من عمل ثم تنظم البلدية احتياج الوزارات والمصانع والشركات الحكومية والخاصة من العمال والموظفين دون محسوبية أو وساطة، وإذا كانت الصورة الذهنية لرجال الأعمال صورة سلبية عند الجمهور فإنهم ضحايا عدد فاسد منهم لم يراع الله في أموره ففسد وأفسد، وتلقف الإعلام هؤلاء فقدمهم للناس فاضحا فسادهم ولو أن لرجال الأعمال آلية لنبذ هؤلاء وتطهير أنفسهم من الفاسدين لصحح الإعلام الصورة، وأقترح أن يسهم رجال الأعمال في خدمة مجتمعهم وأن يخصم ما يسهمون به من أموال في المجتمع من الضرائب المستحقة عليهم وهذا ما رأيته في ألمانيا، ولذلك نري منحا دراسية ترعي النابهين من الألمان وغيرهم للدراسة في ألمانيا ، و كم تعجبت حين رأيت زملاء لي بجامعة بون يدرسون النقد الأدبي علي نفقة شركة فولكس فاجن أو شركة سيمنس مثلا ، و كم من الأبحاث العلمية التي طورت العلم وأنقذت البشرية كانت علي نفقة رجال الأعمال والشركات الكبري في أوروبا وأمريكا. ويكفي أن نتذكر أن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كنز كنوز الحضارة الفرعونية كان علي يد هيوارد كارتر في بعثة علي نفقة « اللورد كارنفون ممول الاكتشاف» و في ذلك فليتنافس المتنافسون. أسئلة؟ أين المدرسة المصرية في قراءة القرآن الكريم وتجويده؟ ولماذا غابت عن قرائنا الذين صاروا يقلدون قراءات صحيحة وافدة: أين أحفاد الحصري والمنشاوي ورفعت وعبد الصمد والطبلاوي: هل المصريون لا يحبون المصريين، ولذا فقدنا فقه الليث بن سعد المصري، وقراءة ورش القفطي، يبدو أنه لا يُكرم مصري نابه في مصر! كيف جرؤ هؤلاء أن يحوّلوا مسمي «شركة بيع المصنوعات المصرية» إلي «بيانكو»!! لماذا تبدو مساجدنا في التلفاز خالية مهجورة عند إذاعة الآذان؟ صوِّروها وهي تعج بالمصلين، هذه هي الحقيقة؟ جميل أن تقام مسابقات في حفظ القرآن الكريم، متي نقيم مسابقات في فهم القرآن الكريم؟ كل الشكر للإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات وجهاز جرائم الإنترنت بوزارة الداخلية فقد توصّل لمُفشي امتحانات الثانوية، لكن متي نتوصل للملاحظين الذين سمحوا لطالب أن يدخل لجنة الإمتحان مصطحبا كاميرا أو تليفونا ثم يخرجه ويصوّر ويرسل وهو في اللجنة دون أن يلحظه المراقبون والملاحظون؟ تري ماذا كانوا يلاحظون وماذا كانوا يراقبون؟ درسٌ من طفلة في طريقي للجامعة أسير في طريق قنا/سفاجا، وقد لمحت طفلة دون العاشرة وهي تغربل الرمل علي جانبي الطريق لتظفر بحبيبات قمح ألقاها الهواء من السيارات التي تجيء من ميناء سفاجا محملة بالقمح لتخزينه بالصوامع ومطاحن الدقيق بمحافظات الصعيد؛ تعودت أن أراها في أثناء ذهابي وعودتي، وفي يوم رأيت حادثة علي الطريق بين سيارة محملة بالفواكه والخضراوات لأحد أصدقائي وأخري ملاكي، وبعد نقل أحد المتوفين والمصابين للمستشفي، وتناثر أقفاص الفواكه علي الطريق لمحت الطفلة ماتزال تغربل الرمال في الشمس، دنوتُ منها وقلت لها: خذي ما تشائين من هذه الأقفاص، فرفضت الطفلة قائلة: لا يا أستاذ، دي حادثة. ولم أعلق. هدية زفاف عندما قرُب زفاف كارولين زميلتنا بجامعة بون بألمانيا حددتْ زميلا وزميلة لها وأعلنت عن أرقام هاتفيهما لمن يود أن يهديها هدية بمناسبة الزفاف ؛ثم تتصل أنت وتسألك عن المبلغ الذي تود أن تشتري به الهدية فتقول مثلا 5 يورو فتقول لك إذن اشتر مع مارتن الذي تبرع بعشرين يورو مكواة لأنهما يحتاجانها، وإذا قلت 100 يورو مثلا قالا لك اشتر خلاطا، وهكذا بحيث لا تتكرر الأشياء ولا تشتري أنت شيئا لا يستفيدان منه، لماذا لا نجرب هذه التجربة بدلا من أن نهدي العروسين نصف طن من الشيكولاته وألف برواز لن يستخدماها أبدا، أما مانفريد زميلنا الآخر ففي عيد ميلاده دعانا وكتب في الدعوة «لا أريد هدايا شكرا لكم، تبرعوا بقيمة هديتي لأطفال الشوارع بجنوب إفريقيا ورقم حسابهم........» متي نطبق هذا من أجل أطفال بلا مأوي نراهم في شوارعنا ويسكنون تحت الكباري؟؟ زيارة في زيارتي لمدينة فيرنكرود إبركوتزن وقلعتها الجميلة لفت نظري أنهم كتبوا أن الملك فؤاد ملك مصر زارها وتجول في قلعتها التي تحتضنها الغابات والورود، كما دونوا أن الشاعر الألماني جوته زارها مرتين حتي يستمتع برؤية لوحة Branconi هذه المرأة المعلقة في القلعة. كم يحتفي الشعراء بالفن؟ كيف: كيف أدعوك إلهي/ وذنوبي لا تُعّدّ كيف لا أدعوك حاشا/أنت جودٌ لا يُعَدُ أنتَ يا مولاي ربٌّ/ وأنا ياربّ عبدُ. عنصريون؟ تبدو العقلية العربية في ظاهرها غير عنصرية لكن المدقق يري أن مجتمعات عربية تتغذي علي التعصب والتشدد والطبقية فيما بينها من جانب وفيما بينها والآخر من جانب آخر. وليس هذا بجديد معاصر طرأ علي الذهنية العربية، فانظر من حولك علي مستوي القرية أو المدينة أو مستوي الدولة ذاتها تجد أن الطبقية الاجتماعية أو الطبقية الاقتصادية أو الطبقية الجغرافية راسخة فأهل الحضر يرون أنهم أذكي من البدو والريف، ولعل ما يؤكد ذلك ما كتبه الأديب الراحل جمال الغيطاني في آخر مقال كتبه وكأنه لآخر وصاياه؛ وعنونه ب»عنصرية قاهرية» مخضرمون ننتمي نحن إلي جيل المخضرمين الذين عاشوا في العصرين، ولذا فالمتحولون يمثلون ظاهرة تحتاج إلي دراسة وتحليل، ومَن كان عبدا للنظام البائد صار مناضلا، ويتباهي بثوريته. هل ننشر كتاباته الماضية وأقواله في تمجيد النظام السابق؟ يبدو أنها ثورية الفلاش باك المتوهم!، إذا لم تستح فاصنع ما شئت. مختتم سيجيء زمانٌ ويقال: - «إن قصيدته قد جاءتْ ما اكتملتْ» -ذاك لأني حين ترجَّلْتْ أبصرتُ أمامي الموتْ ففتحتُ ذراعيَّ أعانقُه.. فارتدَّ سريعاً.. وخطوتْ حفرَ الموتُ الحفرةَ.. ... فكبوتْ!! قالت قالت أحبك وابتدا الأمرُ قلنا وداعاً، وانتهي الأمرُ هل قال هؤلاء ذلك؟ «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل» ابن رشد «أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ/ فاتّبعْهُ، فكلّ عقلٍ نبي» أبو العلاء المعري «مَن يمشي علي أطراف أصابعه لن يستطيع أن يقف» الحكيم لاوتسو. دعاء هَبْ لي من جودك ما يرقي لدعائك