حالة من الحزن والألم والوجيعة سادت محافظة الغربية وتحولت أرجائها إلى سرادق عزاء كبير، حزنا وألما على فقدان 9 من أبنائها ضمن ضحايا الطائرة المنكوبة. ◄أحمد العشري وزجته .. وأبناؤهم الثلاثة على متن هذه الطائرة، ووراء كل شاب من هؤلاء «الزهور» قصة تعكس، عناء شعب، وفجيعة وطن، لعل أبرز هذه القصص حكاية طبيب المحلة الدكتور "أحمد العشرى" وزوجته ابنة ال 27 عامَا. حيث كان الأمل يملأ عينهما، بعد ضيق وهم،عقب إصابة زوجته بمرض الورم الخبيث ،وذلك بعد وفاة والدها ولحقت به أمها، وقيل أن علاج الزوجة فى فرنسا، وهو ما اضطر زوجها إلى يبيع كل ما يملك فى سبيل نسمة أمل، ولعلهما يعودان فى فرحة لأبنائهما الثلاثة الصغار، طفلتين أكبرهمن 7 سنوات وولد، ظنا منهما أنها بداية سنوات الفرحة ولم يعرفان أنها نهاية بؤس الحياة وأن صعودهما الي الطائرة كان قدرهما المحسوم. يؤكد المهندس محمد الشناوى الصديق المقرب ل" العشرى" أنه ترك أطفاله الثلاثة مع والدته، وقضى مع زوجته شهرا فى العاصمة الفرنسية "باريس" لاستكمال العلاج، وفور صعوده الطائرة لم تصل عنه أية أخبار، موضحا أن والدته وأطفاله فى حالة حزن وتمزق بالقلب ودائمين السؤال عن أبويهما. ◄علاء محمد عبدالقادر تقى الدين .. طلب تغيير موعد رحلته فاختاره القدر وفي قرية "سبرباي" التابعة لمركز طنطا قطعنا مسافة طويلة، بدأت من حارة تلو أخرى حتى وصلنا إلى منزل "علاء محمد عبدالقادر تقى الدين" ابن ال 37 عامًا، والذي راح ضمن ضحايا الطائرة المفقودة، بعد أن ساقه القدر إلى تقديم موعد الرحلة للهفته واشتياقه لرؤية طفليه، لكن سبقه الموت وحطم القدر آمال أسرة بأكملها ، وأطاح بالإبن الوحيد لها بعد أن سبقه والده وشقيقه وكل أعمامه إلى المقابر. بدأت أحداث المشهد المؤلم بعد أن أعدت الأسرة مأدبة طعام، وزينت حوائط المنزل ببصمات الأطفال، استعدادا لاستقبال الضحية، ووقت ذلك نزلت جملة " اختفاء الطائرة القادمة من فرنسا" والتى رددها "التلفاز" كالصاعقة فى نفوسهم فحولت شدة الفرح إلى حزن شديد. كانت رحلة الشاب إلى فرنسا بدأت بعدما أغلقت أبواب العمل في وجهه، عقب حصوله علي دبلوم الصناعة ، واضطر للعمل نقاشا، ولم يجد بدا ولا مفرا من السفر إلى الخارج. يقول " ماهر عبدالقدوس" أحد أقارب الضحية إن علاء لديه طفلين أحدهما هشام 6 سنوات والأخر عمر 4 سنوات، وحصل على دبلوم صناعة وعندما لم يجد عمل، بدأت رحلته إلى فرنسا فى سن 21 عامًا وظل 9 سنوات في باريس، حتي تزوج واستقر في قريته، وكان عازمًا على عدم السفر مرة أخرى ليظل بجانب أمه المسنة وشقيقتيه بعد أن أصبح وحيدهم، عقب وفاة أخيه فى حادث سيارة نقل، وتلاه أبيه وكل أعمامه، فكون مبلغا من السفر بدأ به مشروعا، إلا أنه لم ينجح ففشلت مساعى الإستقرار فعاد إلى فرنسا مرة أخرة وكانت أخر رحلة له فى شهر اكتوبر الماضى وعاد على الطائرة ولم يرجع. ويضيف أن القدر لعب دوره، حيث أنه حجز رحلة العودة لمصر فى 27 مايو الجاري، ولشدة لهفته على طفليه واشتياقه إلى طفليه ووالدته، قرر تقديم موعد الرحلة على الطائرة المفقودة ولم يعد بعدها حيا أو ميتا. ويشير " عبدالقدوس" أنه أجرى اتصالاً بهم يؤكد على عودته في ذات الطائرة وأنه سيصل لهم فى تمام 6 صباحًا اليوم الذى اختفت فيه الطائرة، وفور معرفتهم بإختفاء الطائرة من " التلفاز"، على الفور توجه إلى المطار وأجرى اتصالا بزملائه تأكد أنه بالفعل على متنها مما أصابهم بحالة من الحسرة. ◄ ضحايا «ميت بدر حلاوة» الأربعة .. «حياة مأساوية» ضحايا قرية «ميت بدر حلاوة» - أو «ميت باريس» كما أطلق عليها فنان الكوميديا محمد هنيدي - ال4 التي كانت تشتهر في السابق بزراعة الموالح بالاضافة لصناعة الاخشاب.. حكايات يسردها أهالي الشهداء.. ففي منتصف الثمانينات سافر شباب هذه القرية بعد تجاوبهم مع سماسرة الهجرة الشرعية وغير الشرعية حيث اخذوا يتدفقون علي اوروبا وخاصة (فرنسا) بالطرق المشروعة وغير المشروعة – عن طريق البحر والجو – ليحققوا المكسب السريع لدرجة انه اصبح في باريس وحدها اكثر من 1000 شاب من هذه القرية ويقال ان هناك حي بأكمله في باريس يطلق عليه البعض "ميت بدر حلاوة" كما قام شباب القرية "المهاجرون" الي باريس ببناء منازل مجمعة لهم بقريتهم واطلقوا عليها "حي باريس" انتماء واعترافا بفضل باريس. حيث اتشح أهالي ميت بدر حلاوة بالسواد وخيم الحزن على وجوههم ، وامتنع معظمهم من الحديث معنا وأغلق أبوابه دوننا رغبة فى عدم استرسال الوجيعة مرة أخرى، لفقدان 4 من الضحايا هم "خالد الطنطاوي نملة 45 سنة متزوج من مصرية ولديه ولد وبنتين ، وخالد عبد الخالق علام 28 سنة- متزوج من فرنسية، وهيثم سمير مديح- 35 سنة- وطفلته 4 سنوات. القاسم المشترك بين الضحايا هو حب أهالى القرية الشديد لهم بسبب ما يقدموه من أعمال خيرية ومساعدة للفقراء والأيتام على مدار العام ، وكذلك صعوبة أحوالهم المعيشية ،ففى الوقت الذى يمتلك فيه أغلب المسافرين لأوروبا فلل وقصور فاخرة، كانت سببا فى إطلاق إسم باريس الصغرى على القرية ، لا تتمتع منازل الضحايا بأى علامات للثراء، فجميعها منازل ريفية بسيطة. وأمام منزل الضحية هيثم مديح، وقف شقيقه الأصغر، متجهما وغير قادر على الكلام ، والدموع تذرف من عينية، أما خالد علام ،45 سنة عندما قرر الهجرة من أجل لقمة العيش ليقضى أكثر من نصف عمره مغتربا وكان محبا للعمل الخيرى ومساهمته فى كفالة وإعالة الكثير من الفقراء. حياة مأساوية عاشها الضحية خالد طنطاوى نملة ، بسبب مرض والده، مما اضطره للسفر معه فى رحلة علاجية حتى توفى منذ سنتين ، وأخذ قرارا بعدها بعدم النزول لبلده ، والبحث عن لقمة عيش مثل أقرانه ، وعندما انتهى من تقنين أوضاعه – عمل اقامة - قرر العودة لزيارة إخوته لكن القدر لم يمهله لقائهم ، وحدثت كارثة سقوط الطائرة. وروى جيران "أمل زين الدين"، المقيمة بمساكن الجلاء بمدينة طنطا، والضحية التاسعة ضمن ضحايا الطائرة المحطمة، تفاصيل المشهد الأخير من حياتها قبل صعودها الطائرة ومصرعها. وأكد أحد جيرانها بمنطة مساكن الجلاء، أنها مقيمة بفرنسا هي وزوجها وأبنائها، وكانت قادمة لمصر لزيارة سريعة لخالتها، تستغرق عدة أيام، وبعد وصولها للمطار اكتشفت أنها تركت جواز السفر الخاص بها، وعزمت على العودة مرة أخرى، إلا أن ابنتها أحضرت لها " الجواز" مما جعلها أخر من صعد الطائرة بعد أن تأخرت نصف ساعة. وأضاف أنها قالت لإبنتها أثناء إستلام " الجواز" منها: " أنا خايفة وقلبى مقبوض " ورددت الشهادة " أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".