التغيرات المناخية هي التغيرات طويلة الأمد التي تحدث في حالة الطقس بالزيادة أو النقص لمعدلات الحرارة والرياح والأمطار في منطقة معينة لعقود أو آلاف السنين. هذه التغيرات إما أن تكون طبيعية ناتجة عن العمليات الحيوية أو التكتونية كالبراكين أو الإشعاعات الشمسية علي الأرض وقد تكون ناتجة عن أنشطة بشرية كتلك الظاهرة المعروفة باسم الاحتباس الحراري. ولقد عكف العلماء والباحثون علي دراسة تلك التغيرات المناخية عبر تسجيلاتها المختلفة للوقوف علي دوراتها الماضية من أجل إعداد النماذج المستقبلية مستخدمين العينات الاسطوانية للرواسب تحت أعماق البحار والمحيطات والقطاعات الجليدية. وبناء عليه فقد أضحت التغيرات المناخية إبان الزمن الجيولوجي الرابع حقيقة علمية راسخة تعاقبت فيها دورات انتشرت فيها الغطاءات الجليدية في العروض العليا وما خلفه الجليد من رواسب الركام الجليدية واللوس (الرواسب الهوائية في المناطق الجليدية) وما ارتبط بها من تغيرات بيئية في مناطق الهوامش الجليدية وكذلك الأمطار في نطاق العروض الوسطي وما ارتبط بها من تكوينات إرسابية وجيومورفولوجية وتغير مستوي سطح البحر وما يرتبط به من تغير في العلاقة بين الماء واليابس ونشأة بعض الظواهر الجيومورفولوجية الساحلية مثل الأرصفة البحرية أو علي جانبي الأنهار مثل المدرجات النهرية. إن التغيرات المناخية قبل نهاية العصر الجليدي الأخير منذ 18000 سنة قد أدت إلي تراكمات جليدية علي حساب انخفاض مستوي سطح البحر بنحو 13 مترا أو أكثر. مع بداية عصر الهولوسين الدافيء 10000 سنة تقريبا عادت المياه إلي البحار والمحيطات بعد ذوبان الجليد مما أدي إلي ارتفاع تدريجي في منسوب سطح البحر، قدر أمام السواحل في العروض العليا بحوالي 2.3 مم سنويا ترتفع إلي 3.5مم سنويا. وإذا كان التطور الصناعي خلال 150 عاما الأخيرة قد تطلب إحراق بلايين الأطنان من الوقود الاحفوري للحاجة إلي متطلبات التطوير مما أدي إلي ارتفاع في درجة حرارة الأرض بنحو 1.2 درجة فإن الجهود تبذل كي لا يتعدي هذا الارتفاع حدود 2 درجة مئوية كي نحد من أخطار ذوبان الغطاءات الجليدية والآثار المترتبة عليها من غرق للمناطق الساحلية. وإذا كانت معظم الدراسات قد اتفقت علي معدل سنوي لارتفاع مستوي سطح البحر خلال 100 سنة الماضية بنحو 1.8مم سنويا فإن النتيجة الطبيعية لارتفاع درجة الحرارة الناتج عن الأنشطة البشرية المختلفة والمتمثلة بزيادة انبعاث الغازات في الجو من عوادم السيارات والمصانع وحرق الغابات... إلخ قد قفز بهذا الرقم إلي 3.1مم سنويا. ولعل التدخل البشري هو الأخطر في نظري من التغيرات المناخية. إن عدم وجود استراتيجية تتبناها الدولة للتعامل مع المناطق الساحلية أو خريطة استثمارية للمواقع السياحية أو المشروعات الاقتصادية التي تستقبلها المناطق الساحلية كالموانيء والمطارات هو بالأمر الخطير. يحضرني هنا مطار بورسعيد الذي تغمر مياه البحر أجزاء منه في النوات والعواصف وتقوم الدولة بصيانة مستمرة لحماية الشاطيء المقابل للمطار بينما كان في الإمكان بناء هذه المطار في موقع آخر أكثر ملاءمة تنحصر فيه أثر الأمواج علي الأرض. وفي هذا الصدد أذكر الصناعات البترولية والبتروكيماوية التي انتشرت مصانعها في شريط ضيق من الرمال يفصل ما بين الساحل وبحيرة المنزلة استثمارات بالمليارات تتهددها العواصف البحرية كل عام بينما شيء من التخطيط كفيل بأن يجنبنا تلك المخاطر.. وإذا كانت لا تنقصنا الخبرات في مجال الدراسات الساحلية إلا أنه تنقصنا الإرادة التي تعوض كل نقص في الإمكانات تنقصنا استراتيجية تحديد الأولويات ودراسات الجدوي المستقبلية لحماية الاستثمارات ودعمها.. تنقصنا إتاحة المعلومات والبيانات فالمؤسسات ليست كيانات منعزلة وما تملكه من بيانات يجب أن تتاح للجميع بلا قيود علي البحث العلمي. ولا يخفي علي الباحثين في هذا المجال المهم كم الفساد الذي استشري في المؤسسات المنوط بها رصد المناطق الساحلية من تقديم استشارات لإقامة قري ومنتجعات تخالف الشروط البيئية بل والمتاجرة بما لديهم من بيانات وبيعها في الداخل والخارج.