شبح الجوع يهدد مصر.. أكبر مستورد للقمح في العالم.. إذا ما قرر موردو القمح الامتناع عن التوريد بسبب تكرار رفض مسئولي الحجر الزراعي لشحنات قمح قادمة من فرنسا وكندا لإصابتها بفطر «الأرجوت». أزمة كبيرة تلوح في الأفق وظهرت بوادرها بعد قرار وزير الزراعة د.عصام فايد، بنقل رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي من منصبه، وتعيين رئيس البحوث بمعهد بحوث أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية خلفا له، مما يعطي مؤشرات أولية بأن قرار مصر لم يكن صائبا..ولكن هذه الأخطاء تؤكد الحكمة الشهيرة: «من لا يملك قوته لا يملك حريته»، فتراب مصر يمكن أن يتحول إلى ذهب إذا نجحنا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجاتنا الزراعية وانطلقنا نحو التصدير. «الأرجوت» كلمة جديدة على الشعب المصري لم تكن معروفة من قبل.. فما هو تعريفه.. وما تأثيره على صحة الإنسان؟.. وأسئلة أخرى عديدة تدور في عقل كل مصري حول هذه القضية يجيب عنها أستاذ سلامة الغذاء بالمركز القومي للبحوث د.مجدي محب الدين محمد سعد. • في البداية.. نريد أن نعرف أولا ما هو فطر الأرجوت؟ النباتات بشكل عام تشبه الإنسان إلى حد كبير حيث تصاب بأمراض فيروسية وبكتيرية وفطرية وطفيلية، و«الأرجوت» على رأس الأمراض الفطرية التي تصيب القمح ويؤثر بشدة على رتب القمح التجارية ويحد من إمكانية تداوله عالميا. • وما هى الأمراض الأخرى التي تصيب نبات القمح؟ «الأصداء» من أهم الأمراض التي تقلل الرتب التجارية للقمح وهو مرض بكتيري. • ومتى يصاب محصول القمح بهذا الفطر؟ «الأرجوت» يمكن أن يتواجد في التربة ويكون أحد مكوناتها ويبدأ في غزو القمح في مرحلة تكوين السنابل ويكون المادة القلوية السامة التي تظهر باللون الأسود المائل إلى الاحمرار الأرجواني.. وبعد حصاد القمح يتم البدء في تسويقه في ما يعرف بمرحلة أنه نظيف تجاريا، ويتم تقسيمه إلى 5 رتب حسب الجودة. • ماذا تقصد كلمة نظيف تجاريا؟ هذه الكلمة تعني بالنسبة لفطر الأرجوت أنه لم يتجاوز الحد المسموح به عالميا وهو 0.05%.. بمعنى أن الكيلو جرام يحتوي على 50 مللي جرام من المادة الملوثة بما يساوي 1/20 من الجرام . • وما هو الخلاف القائم بين وزارة التموين والحجر الزراعي في ما يخص شحنات القمح؟ مسئولو التموين يرون أن المواصفات القياسية العالمية في ما يخص تداول القمح تنص على أن الحد المقبول للموافقة على تداول القمح هو 0.05%، بينما اشترط الحجر الزراعي أن تكون نسبة الأرجوت في القمح «صفر» استنادا على مواصفة قياسية كانت موجودة سنة 2001، وهذه المواصفات تحدث كل 5 سنوات من قبل لجنة سلامة الغذاء، وإن لم يكن هناك أي جديد في التشريعات يتم إقرارها مرة أخرى في ما يسمى ببرنامج تحديث المواصفات، والمواصفة المعمول بها حاليا هي مواصفة عام 2010، وهى التي تقول إن الحد المسموح به هو 0.05% وهنا لا يجوز العمل بالتشريع القديم في ظل تحديث المواصفات عالميا. • هل يعني ذلك أن موقف مصر غير قانوني؟ نعم هذا الموقف يضع مصر في موقف غير قانوني.. لأننا وقعنا على اتفاقية ما بعد الجات مع منظمة التجارة العالمية ومنها 16 اتفاقية ملزمة على رأسهم الTBD المعنية بوضع عوائق غير فنية، والSBS وهى حماية صحة الإنسان والحيوان، ثم حماية الملكية الفكرية وذلك لضمان تطابق المواصفات المصرية مع المواصفات العالمية، ومصر عملت خلال 10 سنوات لتحديث جميع المواصفات القياسية وأصبحت مصر مع جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية يعملون على مواصفات موحدة، وبناء على ذلك دخلت مصر في برنامج التناغم مع المواصفات الدولية منذ عام 2005 وتحديدا أمريكا والاتحاد الأوروبي، وهو ما استندت إليه فرنسا في النزاع مع مصر في قضية القمح، مطالبة بالرجوع إلى المواصفات الدولية والالتزام بها. • هل اشترطت مصر قبل التوريد أن تكون نسبة الأرجوت في القمح صفر؟ هنا تكمن أهم نقطة وهى.. هل طلبت مصر خلال التعاقد توريد القمح تبعا للمواصفات القياسية الدولية أم أنها طلب شحنة القمح بمواصفات خاصة؟.. لأنه إذا لم ينص العقد على هذه النقطة بوضوح فإن التوريد يكون وفقا للمواصفات المعمول بها دوليا، وهنا أطالب وزارة الزراعة بإعلان نتيجة تحليل عينات القمح في معاملها لمعرفة ما إذا كانت النسبة تجاوزت ال 0.05% وهنا يكون موقف مصر قانوني.. أم أن النسبة لم تتجاوز وهنا يشوب الموقف وجود تعنت في قبول الشحنة، مما يمثل مخالفة صريحة للقوانين الملزمة. • ما هو تأثير فطر «الأرجوت» على صحة الإنسان؟ تأثير الأرجوت لا يختلف عن تأثير أي فطر يزيد نشاطه على المادة الغذائية، حيث يكون بعضه ضارا بصحة الإنسان وبعضه مفيدا، فمثلا هناك فطريات أكثر شيوعا ومساسا بحياة الإنسان وهى «البنيسيلين» و«الفيوزاريم» و«الأرجوت» وغيرها من الفطريات، فإذا ما تم تنمية فطر «البنيسيلين» يؤخذ منه البنسيلين الذي يستخدم في العلاج ويدخل في صناعة الجبن «الريكفورد» التي تباع بأسعار مرتفعة، كما يدخل في كثير من الصناعات الغذائية، ويمكن أن يستخرج منه مادة «بنيسيلك أسيد» وهى مادة قد تكون ضارة بصحة الإنسان، إذا الفطر يمكن توظيفه، أما «الأرجوت» فهو ينتج مادتين في منتهى الأهمية وهما «الجوتامين والجوترامين» من القلويات التي تدخل في الصناعات الصيدلية التي تستعمل في المركبات النسائية الخاصة بالنزيف وفي مرحلة انقطاع الطمس، وفي حالة أكل هذه المادة بشكل غير مرشد أو بشكل لا يتناسب مع ما يسمى بتقدير المخاطر فقد تتسبب في الإصابة بأمراض عصبية وتشنجات بناء على عجز الجهاز العصبي عن السيطرة على أطراف الجسم ويرفض الطعام لفترة طويلة مما يؤدي إلى الوفاة. • ماذا تعني كلمة تقدير المخاطر؟ تقدير المخاطر هو المصطلح الذي يتم على أساسه تحديد النسبة الآمنة من المادة على صحة الإنسان.. وبناء عليه ما يزيد عنها يعتبر من المحاذير، وهنا يجب الإشارة إلى أن القمح من أرخص المصادر التي تمد الإنسان بالطاقة وبما أن الشعب المصري يعتمد بشكل كبير على الخبز كمصدر للطاقة.. فلو افترضنا أن الإنسان سيعتمد على الخبز المصنوع من القمح المحتوي على نسبة أكبر من ال 0.05% لتوفير كل احتياجاته من الطاقة دون أي مصدر آخر.. فإنه يجب أن يتناول سبعة أرغفة في اليوم لمدة 10 أشهر حتى يكون هناك احتمالات للإصابة بأي من الأمراض التي يسببها الأرجوت، وهذه الفرضية غير واقعية على الإطلاق لأن الإنسان من الصعب أن يعتمد على الخبز فقط كمصدر للطاقة، كما أن مخزون مصر من القمح لا يمكن أن يزيد عن 6 أشهر، يتم بعدها استيراد شحنات أخرى، وهذا يعني أن الخطر يكاد يكون منعدما. • إذا.. فما هو السبب في اتخاذ قرار رفض الشحنة من قبل الحجر الزراعي؟ في رأيي الشخصي أن مسئولي وزارة الزراعة أيديهم مرتعشة ويعملون تحت ضغط نفسي وشعبي كبير على خلفية الاتهامات القديمة والخاصة بالمبيدات المسرطنة والأقماح المسرطنة وغيرها من المخالفات التي يرى المجتمع المصري أنها وراء انتشار الفشل الكلوي والأورام وغيرها من الأمراض، فأصبحوا أسرى ومعقدين بسبب هذا الاتهامات، في حين أن الحل الآمن هو الالتزام بالمواصفات الدولية المبنية على أدلة علمية دامغة وليست افتراضات. • هل تضمن المواصفات القياسية الدولية عدم دخول أغذية مسرطنة لمصر؟ لا يوجد مصطلح علمي يسمى الأغذية المسرطنة.. ولكن ما يقال أن هذا الطعام يحتوي على مادة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وذلك يرجع إلى أن تكون السرطان في جسم الإنسان يحتاج إلى عملية تستغرق من 10 إلى 30 عاما، ووفقا للمواصفات القياسية الدولية فإن نفس شروط دخول الغذاء لمصر هى التي تطبقها أمريكا والاتحاد الأوروبي. • إذا كان نمو السرطان يحتاج من 10 إلى 30 سنة.. فلماذا نرى أطفالا في عمر الزهور يعانون من السرطان؟ هؤلاء الأطفال يكون لديهم خللا في الأداء الشفري حيث يرسل الجسم أوامر خاطئة تساعد على تكاثر أنواع معينة من الخلايا بشكل غير طبيعي فإذا كان هذا التكاثر في مكان واحد فهو ورم حميد، وإذا انتقل من مكان لأخر فهو ورم خبيث، أما الإنسان الذي كان أداءه طبيعيا ثم تغير فقد يكون متأثرا ببعض الملوثات البيئية ولكي تحدث يجب أن تتجاوز جميع الأجهزة الدفاعية لجسم الإنسان بدء من الجهاز الهضمي من الفم إلى المعدة التي تحتوي على أحماض تستطيع الفتك بمعظم الملوثات والقضاء عليها، ثم إلى تيار الدم وصولا إلى الخلية ثم نواة الخلية ووقها تبدأ في السيطرة على الDNA وإرباك جميع الإشارات والأوامر وبالتالي تكون النتيجة هي الزيادة العددية الخارجة عن السيطرة التي تكون الأورام. • ومتى يكون الخطر مباشرا من فطر الأرجوت؟ الجرعة المؤثرة والجرعة المميتة والجرعة نصف المميتة ولو اطلعنا على الجرعات المؤثرة سنجد أنها لابد أن تزيد عن 100 ضعف للمعدل الآمن المشار إليه، كما أن كل التأثيرات تستهدف الجهاز العصبي ولا تسبب نشاطا سرطانيا.