ما إن صدر القرار الجمهوري بزيادة الجمارك على بعض السلع، حتى امتلأت مراكز التسوق بالمواطنين الذي استبقوا تبعات القرار، بالتعجيل بقرار الشراء، خشية الارتفاعات المتوقعة في الأسعار. هذه المخاوف من الارتفاعات في الأسعار، شعر بها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فوجَّه أول أمس بالحيلولة دون استغلال قرارات زيادة الجمارك الأخيرة على بعض سلع الرفاهية والأجهزة الكمالية كسبب لزيادة الأسعار على المواطنين محدودي الدخل. ومع تأكيد الخبراء صعوبة عمليات المراقبة وضبط الأسعار في ظل نظام "السوق الحر"، إلا أنهم في الوقت ذاته، يؤكدون على أن الحل موجود ويكمن في الرجوع إلى نصيحة "أرخصوها بالاستغناء" التي أوصى بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وترجع المناسبة التي قيلت فيها نصيحة بن الخطاب إلى حدوث زيادات في أسعار اللحوم، واشتكى له الناس من ذلك، فقال مقولته المشهورة "أرخصوها أنتم بالاستغناء". واستخدمت هذه النصيحة، من قبل القائمون على حملة "بلاها لحمة" التي انطلقت في مصر قبل عده أشهر وأتت ثمارها في كثير من المحافظات، وهو ما دفع الخبراء إلى القول: " إذا كانت قد نجحت مع السلع الحيوية، فهي بلا شك ستكون أجدى وأنفع مع سلع الرفاهية والأجهزة الكمالية". النجاح مضمون عادل أبو العطا، أحد الذين شاركوا في حملة "بلا لحمة"، يوصي باستخدام لغة الأرقام لتوعية المواطنين بجشع التجار. وحمل أبو العطا جمعيات حماية المستهلك المسئولية عن ذلك، وقال: "على هذه الجمعيات مراقبة أسعار سلع الكماليات المتوقع ارتفاع أسعارها، لتوفير الأرقام الخاصة بأرباح التجار في السلعة، ومدى ملائمة هذه الأرقام للزيادة التي حدثت في الجمارك، ويساعد ذلك المستهلك على اتخاذ قرار المقاطعة". وأضاف: "كانت هذه اللغة فعالة في إقناع الجمهور بضرورة مقاطعة اللحوم، وأتت الحملة ثمارها في بعض المناطق، ونحتاج لاستخدام نفس الفكرة مع السلع الأخرى". ووفق الأرقام التي استخدمت في الحملة، فإن كيلو اللحم قايم (يعنى العجل وهو لا يزل حيا ) يباع الكيلو فيه ب 32 جنيه، يعنى عجل جاموس وزنه 500 كيلو يبغ ثمنه 16 ألف جنيه، وعندما يذبح عند الجزار يخرج منه 60 % لحم مشفي و40 % عفشه وعظم ودهن. ووفق أرقام الحملة، فإن ال 60 % من 500 كيلو تساوي 300 كيلو لحم مشفي، ويباع الكيلو ب 90 جنيه في القاهرة والمدن الكبيرة، يعنى 27 ألف جنيه، وبالتالي يكون مكسب الجزار في اللحمة فقط 11 ألف جنيه، غير ثمن الأشياء الأخرى " رأس - أرجل - كرشة - ممبار - فشة - جلد "، ما يعنى في النهاية أن يحقق الجزار مكسب 16 ألف جنيه في العجل". المنتج المصري لغة الأرقام أتت ثمارها في حملة "بلاها لحمة" لوجود بديل اللحوم الذي لجأ له الناس، ولكن الأجهزة الكمالية وسلع الرفاهية تحتاج إلى توفير البديل المصري، بحسب د.سلوى شكري رئيس جمعية مصر الجديدة لحماية المستهلك. وقالت د.سلوى:"المقاطعة حل فعال بلاشك، وسيؤتي ثماره، ولكن بدون توفير البديل لا يمكن أن يكون ناجحا". وخلصت رئيسة جمعية مصر الجديدة لحماية المستهلك من ذلك إلى دعوة جمعيات حماية المستهلك للعمل معا على رصد أي زيادة غير منطقية تحدث بالمنتجات المستوردة، وإعداد قائمة بالمنتجات المصرية التي يمكن أن تحل محلها. ولكن هذا الحل لتفعيل المقاطعة، قد يصطدم بقيام التجار برفع الأسعار أيضا على السلع المصرية، وهذه الإشكالية لن يتم حلها، في رأي د.سلوى، إلا بقانون يحدد " سقف الربح" لكل سلعة. مرصد الأسعار ويحتاج تعاون جمعيات حماية المستهلك في حملات مقاطعة السلع، الذي اقترحته د.سلوى، إلى تدخل جهاز حماية المستهلك، وفق ما ذهبت إليه د.سامية الجندي رئيس جمعية حماية المستهلك بالمعادي. وطالبت د.الجندي، بضرورة استعانة الجهاز بالمجتمع المدني في مراقبة الأسعار، عبر تأسيس "مرصد للأسعار" يتم تزويده بالمعلومات عن التجار المبالغين في الأسعار، لتوجيه حملات المقاطعة في الاتجاه الصحيح. وشاركت د.سامية الرأي السابق المخاوف من انتشار عدوى ارتفاع الأسعار لتشمل السلع المصرية أيضا، وقالت:" السوق الحرة لا تعني الجشع، ولابد من تشريع يحدد سقف الأسعار، ويعطي جهاز حماية المستهلك سلطة معاقبة التاجر الجشع".