لأن اليد الواحدة لا تصفق، فإن جماعة رأسمالية المحاسيب تمد يدها لجماعة أخري من «أولاد الحرامي»، وهي جماعة البيروقراطية الفاسدة، التي نشرت فيروس الفساد في بدن الدولة كلها بحكم نهائي بات، وبختم النسر، وباسم الشعب الذي تصدر به أحكام القضاء، أصبح المخلوع مبارك «حرامي برخصة رسمية»، وكذلك ولداه، في قضية سرقة أموال القصور الرئاسية، وعاد جمال وعلاء مبارك إلي سجن طرة، بعد تقليب دفاتر النائب العام، واكتشاف ثمانية شهور «بدل فاقد» من جملة الثلاث سنوات حبسا المقضي بها، مع تغريم الثلاثة مبلغ 147 مليون جنيه، ودون أن يعني ذلك نهاية القصة، فلايزال «أولاد الحرامي» بنسب المصلحة لا العائلة طلقاء من حولنا، يدمرون حياتنا بدواعي احتجاز المال والسلطة والإعلام. فبعد خمس سنوات علي ثورة 25 يناير، لاتزال السطوة المالية محجوزة لرأسمالية المحاسيب، التي تكونت وتضخمت سرطانيا في عهد المخلوع مبارك، وفي عشريته الأخيرة بالذات، وجرفت وشفطت غالب ثروة البلد إلي حلوقها وجيوبها وحساباتها البنكية، ودون إضافة إنتاجية تذكر، ولا قاعدة اجتماعية يعتد بها، فهم لا يوظفون سوي نسبة هامشية من القوي العاملة المصرية، وبشروط عمل وحشية بدائية بلا ضمانات، بينما يملكون وحدهم وهم مع امتداداتهم حوالي واحد بالمئة من المصريين نصف الثروة الوطنية بالتمام والكمال، وتحتهم علي سلم التوزيع المهلك للثروة، يملك 9% من السكان ربع الثروة، ولا يبقي للتسعين بالمئة من المصريين سوي فتات ربع الثروة الباقي، وهذه وصفة الجحيم الاجتماعي بعينه، فالغالبية العظمي غارقة في الفقر والبطالة والمرض والبؤس العام، ولا يمكن لنظام أن يستقر ذاتيا مع هذا التفاوت المريع، خاصة أن الثروات المتضخمة تكونت بغير مشروعية قانونية، وبلا مشروعية اجتماعية ولا مشروعية سياسية، فقد كان مبارك يحكم بنظام تزوير شامل للانتخابات العامة، وبمجالس تدليس وتلبيس، راكمت تشريعات الفساد والنهب العام، وحولت مصر إلي عزبة خاصة للعائلة، ولطائفة من الحواريين حولها، صاروا مليارديرات في غمضة عين، ويشكلون الآن قوة ضغط مبتزة لنظام الرئيس السيسي، والذي حاول مناشدتهم أخلاقيا، ودفعهم لتقديم بعض ما نهبوا إلي «صندوق تحيا مصر»، وتوقع أن يحصل الصندوق في أسابيع علي مئة مليار جنيه، لكنهم لم يدفعوا برغم تهديد لاحق للرئيس علي طريقة «هتدفعوا يعني هتدفعوا»، ولم يكتفوا بخذلان مناشدة الرئيس، بل كثفوا حرب الضغوط، ونجحوا في خفض الحد الأقصي للضرائب من 25% إلي 22%، وألغوا قرار الرئيس بفرض ضريبة اجتماعية مضافة لثلاث سنوات، كما أوقفوا الضريبة الرمزية علي أرباح البورصة، ويشنون الآن حرب حرق الجنيه وإشعال جنون الدولار، وتهريب المليارات للخارج، و»لي الذراع» لإلغاء قيود الجمارك الجديدة علي استيراد «السداح مداح»، ومفاقمة العجز في الميزان التجاري، وزيادة العجز المزمن في الموازنة العامة، وتركيع الدولة، ومهاجمة دور الجيش في إدارة المشروعات القومية الكبري، وإجبار المعنيين علي العودة إلي سياسة «خصخصة» و«مصمصة» الأصول والأراضي والشركات والبنوك العامة. ولأن اليد الواحدة لا تصفق، فإن جماعة رأسمالية المحاسيب تمد يدها لجماعة أخري من «أولاد الحرامي»، وهي جماعة البيروقراطية الفاسدة، التي نشرت فيروس الفساد في بدن الدولة كلها، وأجرت «خصخصة مجازية» للوظائف العامة، وحولت الوظائف إلي ماكينات بنوك، تدر علي أصحابها ما يوازي ثقلها من أوراق البنكنوت، وقد ازدهرت البيروقراطية الفاسدة في الإدارة والبرلمان والحزب أيام مبارك، وعاشت عصرها الذهبي، ولم تفقد سوي بعض الرءوس الطائرة في السنوات التالية للثورة، وعادت للانتعاش مع تزوير حقيقة 30 يونيو بنت ثورة 25 يناير، وتصويرها كانقلاب علي الثورة الأم، وكتوطئة لعودة مجد الفلول، واستئناف دورهم في امتصاص ثروة الشعب واغتصاب إرادته، وعلي نحو ما جري في انتخابات البرلمان الجديد، الذي قاطعته الأغلبية الواسعة من المصريين، ولم يشارك سوي «ميني شعب» انتخب «ميني برلمان»، وفي مزاد شراء محموم غير مسبوق لغالب المرشحين والمصوتين، وبقوانين «كدب مفعكش»، صاغها الصف الثاني والصف الثالث من ترزية المخلوع، وبإسهام ميداني بارز لتحالف رأسمالية المحاسيب مع البيروقراطية الفاسدة، وبتشابك مرئي لأموال «جماعة البيزنس» مع سيطرة جماعة الأمن القديمة ذاتها، وبهدف حصار السيسي ببرلمان مصنوع في غالبه علي عين «أولاد الحرامي». وتكتمل ثلاثية «أولاد الحرامي» بالسيطرة علي الإعلام الخاص، وعلي صحفه ومواقعه الإلكترونية وقنواته التليفزيونية الأعلي مشاهدة، فكل ملياردير صار يملك أحزابه وكتلته البرلمانية وإعلامه، ولا بأس من إضافة قنوات تليفزيونية جانبية لمقاولين من الباطن، بعضهم هارب من تنفيذ أحكام قضائية نهائية، وفي أجواء من تداخلات الأجهزة والثروة والإعلام، وبقاسم مشترك أعظم في الرسالة الإعلامية الملوثة، هو «تبييض» سمعة الحرامي المخلوع، وتبييض سمعة مئات المليارات المنهوبة، وشل نوايا اقتلاع الفساد من جذوره، وإعادة تدوير القمامة ذاتها، وشن حروب التشويه ضد ثورة الشعب المصري، وتصويرها كمؤامرة جرت علي حكم المخلوع، وتسليط «سكاسك» البذاءات الفاحشة علي كل قيمة وطنية وثورية، وبهدف إرهاب وترويع كل من ينتصر للثورة وقضيتها، وقد كان لافتا في الذكري الخامسة لثورة 25 يناير، أن الرئيس السيسي هو الوحيد في نظامه الذي تحدث باعتزاز وفخار عن ثورة الشعب المصري، وأن الجيش المصري وصف 25 يناير بأنها «ثورة الشعب التي حمتها قواته المسلحة»، وهي المعاني العكسية تماما لما يروجه «أولاد الحرامي» في إعلام رأسمالية المحاسيب وبيروقراطية الأجهزة الفاسدة. وقد لا يكفي حكم محكمة النقض بوصم مبارك وولديه باللصوصية، فالقضية ليست شخصية ولا عائلية ضيقة، القضية أوسع كثيرا من أولاد مبارك بنسب الدم، فلم تقم الثورة لمجرد إدانة مبارك وعائلته، بل قامت لتصفية نفوذ «أولاد الحرامي» بنسب السلطة والثروة والإعلام، قامت لتغيير النظام، وليس لمجرد خلع الرأس، وهو ما لم يحدث بعد، فلا نزال في أحوال الفوضي والتناقض و»اللانظام»، ولا يزال النظام القديم يسيطر علي مفاصل أساسية، ويضيع الأثر المعنوي لإنجاز الجيش والشهداء والرئيس السيسي.