بنسخة 2016، تستعيد مصر والصين تاريخ حافل بالإنجازات، تمتد جذوره لأكثر من 5 آلاف عام حافلة بالإنجازات والاختراعات، لحضارتين علمتا البشرية الكثير والكثير، فمن أهرامات الفراعنة إلى سور الصين العظيم، تقف عقارب الساعة محصورة بين توقيتي القاهرة وبكين لتضع حجر أساس علاقات مميزة برؤية الألفية الثانية لكنها تستعيد في الوقت نفسه حضارتين مهدتا للعالم طريقان من نور التمدن. الصينيون.. أمة الاختراعات لعل ما يذكره التاريخ كأقدم اختراعات الحضارة الصينية على وجه الأرض، كانت «البوصلة البحرية» والتي تعد أقدم عهدًا من البارود، ووفقًا للمؤرِّخين الصينيين فإن دوق جو قد اخترعها في عهد الإمبراطور تشنج وانج «1115-1078 ق. م» ليهتدي بها بعض السفراء الأجانب في عودتهم إلى بلادهم. وعلى مدونته «قصة الإسلام»، تحدث الدكتور راغب السرجاني، عن أن الصينيين أبهروا التاريخ البشري في مجال العلوم والصناعة والطب والفلك والمعمار؛ ففي مجال العلوم كتب الصينيون عن الخسوف وعن مجموعات من النجوم كما أوردوا ملاحظاتٍ على الضوء، وعلى المرايا بأنواعها: «المقعَّرة والمحدَّبة والمستوية، كما أدركوا النسبة الصحيحة في النحاس والقصدير». وفي عام 1100 ميلادية نشأت مصانع الحديد والصلب العملاقة والتي أنتجت حوالي 150 ألف طن من الحديد والصلب، وأنتج الصينيون عام 1078م من الصلب ما يعادل ما أنتجته إنجلترا في بداية الثورة الصناعية في القرن ال18، وكانت الدولة تكافئ المخترعين على اختراعاتهم. أبرز ما توصل إليه الصينيون صناعة «الطباعة واختراع الورق»، ففي عام 105 ميلادية صنع الصينيون الورق من قشر الشجر والقِنَّب والخرق، وقد كانوا قبله يكتبون على الخيزران والحرير. وحوت المتاحف وقتئذٍ مجموعاتٍ موحيةً من النقوش الفنية على البرونز وأحجار اليشب، ومن الصور الزيتية والمخطوطات؛ وأنشأت في البلاد دور الكتب التي بقي بعضها بعد أن زالت آثار الحروب، وكانت كلتا العاصمتين الشمالية والجنوبية من أهم مراكز العلم في آسيا. وكان اختراع الحبر أيضًا في بلاد الشرق، فإذا كان المصريون قد صنعوا الورق والحبر في أقدم العهود، ولكن الصين هي التي أخذت عنها أوروبا طريقة خلط الحبر بسناج المصابيح، كان «الحبر الهندي» صيني الأصل، وكذلك كان الحبر الأحمر المصنوع من كبريتور الزئبق شائع الاستعمال في الصين من أيام أسرة (هان)؛ فلمّا ظهر الحبر الأسود في القرن الرابع الميلادي أصبح استعمال الحبر الأحمر ميزة خاصة بالأباطرة. كما كان الصينيون أقدر على الاختراع منهم على الانتفاع بما يخترعون؛ فقد اخترعوا البارود في أيام أسرة (تانج)، ولكنهم قصروا استعماله وقتئِذٍ على الألعاب النارية، ولم يستخدموه في صنع القنابل اليدوية وفي الحروب إلا في عهد أسرة سونج (عام 1161 ميلادية). أمة الصين كانت من أوائل الأمم التي اتخذت الفحم وقودًا واستخرجوه من الأرض بكميات قليلة منذ عام 122 ق. م، وأنتجت الحضارة الصينية كذلك كتبًا من أرقى الكتب الدراسية في الزراعة، وفي تربية دود القز قبل ميلاد المسيح بقرنين كاملين، وأُلِّفت رسالاتٌ قيِّمة في علم تقويم البلدان. الطب في الصين كان خليطًا من الحكمة التجريبية والخرافات الشعبية، وكانت بدايته فيما قبل التاريخ المدوَّن، ونبغ فيه أطباء عظماء قبل عهد أبقراط بزمن طويل، وكانت الدولة من أيام أسرة (جو) تعقد امتحانًا سنويًّا للذين يريدون الاشتغال بالمهن الطبية، وتُحدَّد مرتبات الناجحين منهم في الامتحان حسب ما يظهرون من جدارة في الاختبارات، وقد أمر حاكمٌ صينيٌّ في القرن الرابع قبل الميلاد أن تُشرَّح جثثُ أربعين من المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام. وكتب (جانج جونج- تنج) في القرن الثاني عدَّة رسائل في التغذية والحِميَات (الريجيم) ظلت هي النصوص المعمول بها مدى ألف عام، وكتب (هوا- دو) في القرن الثالث كتابًا في الجراحة، وأشاع العمليات الجراحية باختراع نبيذٍ يخدِّر المريض تخديرًا تامًا. ومن إهمال المؤرِّخين أن ضاعت أوصاف هذا المخدِّر فيما بعد، ولم يُعرَف عنها شيء. ويظل سور الصين العظيم هو أحد أهم مواقع التراث العالمي واختير واحدا من عجائب الدنيا السبع في العالم، ويعتبر سور الصين العظيم مشروعا دفاعيا عسكريا قديما بارزا ونادرا في التاريخ المعماري البشري، ولم يظهر ذكاء أسلاف الصينيين فحسب، بل يجسد جهدا بذلوا فيه العرق والدماء. ويشتهر في العالم بتاريخه العريق وضخامة تحصيناته وعظمته وقوته، بدأ بناء سور الصين العظيم خلال عهد الربيع والخريف وعهد الممالك المتحاربة قبل أكثر من 2000 عام. الفرعونية.. أم الحضارات في منطقة البداري بصعيد مصر، قامت أول حضارة مصرية تقوم على الفلاحة والصيد وتربية الطيور والمواشي وصناعة الفخار والتعدين، وفي سنة 4 آلاف قبل الميلاد، ظهرت نظم الري وأصبحت مصر ممالك قبلية صغيرة، ثم وحد الملك مينا من الجنوب القطرين منذ 3200 سنة ق.م، ما جعل مصر بلدا آمنا وعاصمتها ممفيس وجعلها ركيزة وباكورة الحضارة الإنسانية بلا منازع. وعلى أرض مصر، ظهر اثنان من عجائب الدنيا السبع، وهما الأهرامات بالجيزة ومنارة الإسكندرية، وكانت نبتة أقدم موقع أثري بالنوبة، وفي مجال علوم الفلك نجح قدماء المصريين في إقامة أقدم مرصد في العالم وقبل عصر بناء الأهرامات منذ فترة زمنية حسب الشمس والنجوم حيث أقاموا الشواهد الحجرية ميجاليثات. تمكن المصريون القدماء أيضًا من معالجة نبات البردي ليصنعوا منه أطماره الرقيقة وكتبوا عليها تاريخهم وعلومهم وعاداتهم وتقاليده لتكون رسالة لأحفادهم وللعالم أجمع، فكانوا يكتبون عليها باللغة الهيروغليفية وهي كتابة تصويرية التي فيها الرمز يعبر عن صورة معروفة. وكانت أول محاولة لصنع تقويم عام 8000 ق.م عندما صنع الدوائر الحجرية في ركن بأقصى جنوب غربي مصر حاليا، إذ كانت تستخدم لمراقبة النجوم وحركاتها، وقسموا اليوم 24 ساعة (12 نهار و12 ليل)، والأسبوع 10 أيام والشهر 3 أسابيع أو 30 يومًا، والسنة 12 شهر. قدم المصريون نموذجًا رائعًا في الأعمال الإبداعية المبتكرة والمذهلة للعالم سواء في التحنيط (مادة) والموسيقى والنحت والأدب والرسم والعمارة والدراما، وبعد توحيدها أيام مينا أصبحت العقيدة الدينية لها سمات رسمية من التعددية قي الآلهة والإلهيات. ومثلما يحتفظ الصينيون بعمارة سور الصين العظيم، تظل الأهرامات تعبير مميز عن عظمة العمارة لدى قدماء المصريين، لكن نجاح الفراعنة لم يتوقف عند هذا الحد بل بنوا حوالي 100 هرم كملاذ وبيت راحة لحكامهم بعد الموت، أو بمعنى أوضح كان المصريون القدماء سادة فنون الأعمال الحجرية والمعدنية وصنع الزجاج العادي والملون. تم اكتشاف مومياوات عديدة محفوظة تم العثور عليها في كل أنحاء العالم بكل القارات حيث اتبع التحنيط بكل القارات، وكلمة مومياء أصلها الكلمة الفارسية، وتعني قطران البيوتيمين وهو وصف للأجسام السوداء لقدماء المصريين. والتحنيط قد يكون موجودا في كل قارة لكن الطريقة ترتبط بطريقة قدماء المصريين لهذا ينسب إليهم. وكانت أول دراسة للمومياوات كانت في القرن ال19 وليس المومياوات المصرية مجرد لفائف من قماش الكتان تلف بها الأجساد الميتة فقط، ولكنها طريقة لوجود بيوت دائمة للأرواح.