أيام قليلة وتلملم «2015» أوراقها لكنها لم ترحل قبل أن تسجل رقمًا مميزًا للمصريات، وتحديدًا فيما يتعلق ب«بيزنس الإنجاب»، إذ جاءت مصر في المركز الأول عالميًا في «الولادة القيصرية». خبراء صحة اعتبروا انتشار الولادة القيصرية يجتاح مصر بشكل «وبائي»، طبقًا لأخر الإحصائيات الدولية التي أكدت على زيادة نسبة القيصرية في «المحروسة» ل52% على مستوى العالم. أزمة الاستسهال من جانبه، قال سفير التنمية العربية الدكتور عمرو حسن مدرس واستشاري النساء والتوليد والعقم بجامعة القاهرة إن انتشار ظاهرة الولادة القيصرية في مصر أمرًا خطيرًا، مؤكدًا أن الأعوام الماضية شهدت زيادة كبيرة في أعداد الولادات القيصرية. ورصد مجموعة عوامل ساهمت في زيادة معدلات القيصرية، وعلى رأسها ما نطلق عليه «ثقافة الاستسهال»، فمعظم الأمهات تختار الأسهل، فتعتقد أن الولادة القيصرية أبسط وأسرع وبدون ألم من الولادة الطبيعية التي تستغرق العديد من الساعات والألم، كما هو مرسخ في أذهانهن «مثل فيلم الحفيد» الذي يبرز معاناة الأم خلال ولادتها. ورأى أن مثل هذه النماذج تؤدى إلى طلب بعض السيدات إجراء القيصرية تجنبًا لهذا المشهد، وكذلك اقتناع الأمهات والحموات بأن حقنة «الابيدورال» أو كما يسمونها ب«إبرة الظهر» والتي تؤخذ عند الولادة الطبيعية لعدم الشعور بآلام الطلق، تسبب الشلل وبالتالي ترفض الأمهات إعطائها لبناتهن لتخفيف ألم الولادة، وبالتالي تستسهل الحامل الولادة القيصرية. غياب الرجال وتحدث الدكتور عمرو حسن عن أن «أمهاتنا قديمًا كن يلدن عدة مرات دون شكوى أو اللجوء للقيصرية، كما يحدث الآن، وذلك بسبب الحركة الطبيعية اليومية للأم في أداء مهامها المنزلية، والتي بمثابة ممارسة الرياضة التي تعمل على تقوية عضلات الحوض والبطن مما يسهل عملية الولادة، بينما نحن الآن في عصر الريموت كنترول، الدليفري، الغسالة الأوتوماتيك وغسالة الأطباق». وذكر: «طبعًا عدم ممارسة الرياضة جعل الحامل في نهاية الشهر التاسع تشعر بآلام بالظهر الناتجة عن ضعف فقراته وبالتالي تستعجل الولادة القيصرية للتخلص من هذه الآلام». وأكد أن الخدمات الطبية لها دور في ذلك بسبب عدم توافر العديد من الجوانب الخاصة بالرعاية اللازمة أثناء الولادة الطبيعية في بعض المستشفيات، ما جعل العديد من أصحاب الطبقة الوسطى بالمجتمع لديهم الخوف والرهبة من الدخول في الولادة الطبيعية وطلب القيصرية مسبقا. ولفت إلى أن الرجل الشرقي لم يعتد على تقديم الدعم النفسي اللازم لزوجته، أثناء ساعات الولادة الطبيعية، وليس لديه طاقة احتمال الجلوس بجوار زوجته لمدة يوم أو أكثر مما يجعله يستسهل الولادة القيصرية. هجرة الطبيب بلغة الأرقام، فإن ثلث سيدات مصر لا يجرين الزيارات المفترض إجراؤها للطبيب خلال فترة الحمل، نتيجة للفقر أو صعوبة رعاية الأم في المستشفيات العامة أو وحدات الرعاية، ما يترتب عليه أن بعض الحالات تعاني من أمراض كتسمم الحمل، ما يستدعي الولادة القيصرية. وتابع سفير التنمية العربية: «الأجر بين الولادة القيصرية والطبيعية يكون محل إغراء لبعض الأطباء، وذلك بسبب عدم وجود رقابة على شروط إجراء العملية القيصرية ويقوم الطبيب بتحديد أجره بنفسه، فيجد نفسه أمام خيارين أحدهما أن يظل لمدة يوم بجانب الحامل مقابل مبلغ زهيد من المال، والآخر يكلفه نصف ساعة ويحصل على مبلغ مرتفع، وبالتالي يختار الأسهل له، وإذا كان الطبيب يعمل في مكان يحصل من خلاله على مرتب عادل لما لجأ إلى تلك الأمور». وتعتبر العمليات القيصرية ذات تكلفة مرتفعة على الدولة، خصوصًا في ظل وجود 2.5 ولادة سنويا، نصفهم عمليات قيصرية، ثلثيها تُجرى في القطاع الخاص وتدفعها الأسر من مالهم الخاص بما فيها الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، والتي قد لا يكون هناك داعٍ طبي لها من الأساس. تحذيرات بالجملة وللولادة القيصرية مشاكل عديدة، أهمها ألم ما بعد العملية، فمن المحتمل أن تعاني الأم من ألم في الجرح لفترة لا تقل عن أسبوع، ما يصعب على الأم إرضاع طفلها بصورة طبيعية وتتجه للحل البديل وهو اللبن الصناعي الذي يعتبر مكلف للأسرة والدولة، بخلاف ضعف مناعة الأطفال حديثي الولادة، وهذا يفسر أسباب انتشار أمراض الحساسية والتنفس عند الأطفال. كما أنه يوجد نحو 8% من النساء تصاب بالتهابات بعد الولادة القيصرية، وجميع العمليات الجراحية تتعرض لمخاطر الإصابة بجلطة دموية، ما يمكن أن يكون خطرًا بحسب الموضع الذي حدثت فيه الجلطة، وكذلك الالتصاقات، فالعملية القيصرية مثل أي عملية أخرى في البطن أو منطقة الحوض، بها خطر الإصابة بالتصاقات. وترتفع هذه النسبة إلى 83% بعد إجراء ثلاث عمليات قيصرية، يمكن أن تكون الالتصاقات مؤلمة لأنها تحد من حركة الأعضاء الداخلية، وفي بعض الأحيان يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في الخصوبة، لأنها تضغط على قناة فالوب أو تغلقها تمامًا. وأضاف أن الولادة القيصرية في المرة الأولى تزيد احتمال حدوثها في حالات الحمل اللاحقة، فضلًا عن اكتئاب ما بعد الولادة الذي يعتبر أكثر شيوعًا عند النساء اللاتي كانت ولادتهن قيصرية مقارنة بمن كانت ولادتهن طبيعية، إلاّ أنه بعد مرور شهرين تكون المعدلات هي نفسها تقريباً. وأوضح دكتور عمرو حسن أن الطفل قد يتعرض لمخاطر أكثر شيوعًا بسبب القيصرية، مثل مشاكل التنفس بعد الولادة ويعاني حوالي 35 من أصل 1000 طفل من مشاكل في التنفس بعد الولادة القيصرية، بينما تكون النسبة 5 من 1000 طفل بعد الولادة الطبيعية، وكذلك الإصابات أثناء العملية الجراحية، فحوالي 2% من الأطفال يتعرضون لجروح طفيفة أثناء الولادة القيصرية.