لم يكن «المسرح الداعشي» قادرًا على استكمال فصل واحد من فصوله الدموية على أرض سوريا والعراق دون مشاهد نسائية يظهر فيها «الجنس اللطيف» حاملا للسلاح ومنفذًا ل«شريعة» التنظيم الإرهابي. «2015» كان عامًا استثنائيًا بكل المقاييس في وصول «داعشيات» إلى أرض الشام لتلقي بهم أمواج البحر المتوسط على شواطئ «الإرهاب الداعشي»، لتأتي رياحهن بما لا تشتهي سفن السوريين،. ربما تكون «الموضة والتنزه واختيار شريك الحياة» محطات اهتمام قطارات الفتيات في العالم بأسره لكن مع الحاصلات على تأشيرات «داعش» شذوا عن تلك القاعدة ورأوا في حمل السلاح وتفجير القنابل أمر أجدر بالاهتمام. وما بين هذا وذاك، بدأت «بورصة» اهتمام الباحثين الدوليين بظاهرة انضمام الفتيات للتنظيمات الإرهابية ترتفع أسهمها ليطرحوا أسئلة ك«ما الذي يدفع فتاة جميلة في ربيعها إلى إرهاب الغير وحمل السلاح بل والتضحية بعمرها؟.. من المسئول عن إزهاق تلك الأرواح؟» عيون فرنسا «لا تعرف النوم» بعد أن ظلت فرنسا لسنوات طويلة «آمنة مطمئنة»، جاء العام 2015 تاركًا بصمات دماء، جعلته الأسوأ بالنسبة للفرنسيين منذ عقود وربما قرون، وما بين تفجيرات وحوادث إطلاق نار عشوائية فقدت فرنسا المئات من أبنائها ضحية للفهم المغلوط وعمليات «غسل المخ» التي تقوم بها الجماعات الجهادية لتجنيد الشباب المسلمين حول العالم. ونشرت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن الفتيات الفرنسيات اللاتي انضممن للتنظيمات الجهادية وشاركن في العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد خلال العام. هنا اعتبر «جيرالدين كاسو – الأستاذ بجامعة فريبورج بسويسرا والعاكف على دراسة أسباب انضمام النساء لتلك التنظيمات» أن العنصر النسائي أمر لا تستطيع التنظيمات الجهادية وعلى رأسها تنظيم داعش الاستغناء عنه. وقدر «جيرالدين» أعداد الفرنسيات المنضمات للتنظيم ب197 سيدة و83 قاصر، ويعد رقم القاصرات المنضمات للتنظيم الإرهابي أكبر من عدد القاصرين الذكور. وأرجع الأستاذ الجامعي زيادة أعداد الفتيات عن الفتيان إلى عدة عوامل اجتماعية استغلها التنظيم الإرهابي ب«براعة»، فالمرأة بالنسبة له ما هي إلا زوجة يضاجعها ووعاء يجلب له الأبناء، خلقت لخدمة زوجها والسهر على راحته فقط، ويلاحظ بالنظر إلى سير الفتيات الجهاديات إلى أنهن عانين من مشاكل اجتماعية مختلفة، فبعضهن فقدن الأب والبعض الآخر ولدن ليجدن الأب والأم منفصلين، مما حرمهن من حنان واحتواء الأب وهو الوتر الذي لعب عليه بعض أعضاء التنظيم في جذب الفتيات. كما أشار جيرالدين إلى أن الفتيات في مرحلة المراهقة تكون مشاعرهن مرهفة ولديهن قدرة على الانجذاب أسرع من الناضجات، فبكلمة حب واهتمام مبالغ وقعت العديد من الفتيات في براثن التنظيمات الإرهابية الداعشية التي تصور أعضائها وكأنهم رجال مثاليون متعلمون ومتدينون، فتذهب الفتيات إلى تلك التنظيمات التي أفقدتهم مستقبلهم وحياتهم فيما بعد، وجعلتهن أمام العالم مجرمات مضلات، فبعد الحياة الأوروبية المرفهة والحرية في العيش والملبس والمعتقد، أصبحن سجينات عبيدات، وإذا اعترضن يكون مصيرهن الموت. دولة التنظيم.. الحرية والراحة الأستاذ بجامعة فريبورج بسويسرا لفت إلى أن وعود الزواج والحب هي أحد الأسباب الرئيسية ولكن هناك سبب آخر يستغله الجهاديون فيضم الفتيات وهو تجنيد المنضمات له من أجل إقناع الأخريات عبر الانترنت إلى الانضمام، فعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي تنشر الفتيات صورهن وهن يرتدين النقاب ويحملن السلاح، كما ينشرن صور الطعام والأطباق والشوارع هناك ويصورن الحياة بأنها هادئة ومختلفة ولها مذاق خاص ونموذج يجب على من يعيشون في أوروبا أن يحتذوا به، كما يعرضن صورة سلبية للأوروبيين بأنهم في ضلال ومصيرهم الجحيم لا محالة، وأن المسلمين يتعرضون للاضطهاد وهو ما يدفع تلك التنظيمات للدفاع عن الإسلام وإقامة شرع الله. أستاذ الجامعة السويسرية شدد أيضًا على أن تنظيم داعش لا يسمح للمرأة مثله كمثل باقي التنظيمات المتشددة بأن تعمل وتتعلم وتمارس حقها في الحياة المستقلة السليمة، فالمرأة لديه لا تترك البيت إلا للضرورة القصوى أي أن «ربة المنزل» لديه هي الصفة الطبيعية للنساء، بينما في الغرب اعتادت النساء هناك على العمل والاستقلال بأنفسهن بل تعتبر المرأة «ربة المنزل» شخصية ضعيفة وغير مسئولة. هذا الأمر لعب عليه التنظيم الإرهابي فصور للفتيات حياتهن هناك بأنها ستكون مريحة دون أية أعباء فسيستطيعون الحصول على الحرية والراحة وعدم الالتزام بالأمور المادية. جميلات داعش الفرنسيتان «حياة بومدين وحسناء آية بولحسن» هما أشهر فتاتين انضمتا للتنظيم الإرهابي عام 2015، فالأولى كانت زوجة لأحد الإرهابيين الذي قام باحتجاز مجموعة من الأشخاص داخل متجر يهودي في العاصمة الفرنسية (باريس)، كما شارك في الهجوم على صحيفة شارلي إبدو يناير الماضي، وقد لقي زوجها مصرعه بعد تبادل لإطلاق النار مع القوات الفرنسية بينما لاذت هي بالفرار، وسط تعقب من القوات الأمنية وتحذيرات من كونها قد تكون مسلحة. أما الفتاة الثانية فهي قريبة للمشتبه به الرئيسي في هجمات باريس الأخيرة، كما قيل إنها أول فتاة تفجر نفسها على الأراضي الفرنسية أثناء مداهمة قوات الأمن للمنزل الذي كانت تختبئ فيه، إلا أنه تبين فيما بعد أنها لم تكن تحمل أية أحزمة ناسفة، لم تكن قرابتها للإرهابي هي سبب وضعها في قفص الاتهام بل كونها على صلة بالتنظيم الإرهابي. نموذجان لفتيات عاشتا في مجتمع أوروبي راق، لم تكن حياتهم تختلف عن حياة الأوربيات بل كانتا أكثر انفتاحا منهن، ف«حياة بومدين» كانت تعمل في أحد المتاجر تسهر تخرج، كما كانت لها صورا بلباس البحر، ولم تعرف طريق التشدد إلا أن تعرفت على زوجها، فتغيرت حياتها واختلف تفكيرها، وارتدت النقاب لتتغير حياتها رأسا على عقب. أما «حسناء» فهي الأخرى كانت تعيش حياة اللهو وشرب الخمر والمخدرات، لم تكن تعرف أي شيء عن الإسلام ولم تقرأ القرآن أبدا «حسب شهادة شقيقها»، غير أنها قبل موتها ببضعة شهور أصبحت تنتهج النهج التكفيري وانضمت للتنظيم الإرهابي لتنتهي حياتها بهذه الطريقة المأساوية.