عبقرية مصر ليست فقط كتابا عابرا للوطنية عند العبقرى الراحل جمال خمدان ولاهى حالة عاطفية فى أفكار المثقفين المصريين ولاهى نزوة إعجاب واندهاش عند المستشرقين الذين إحتاروا فى وصف مصر والشخصية المصرية ولا تعريفا بامتياز الجغرافيا المصرية فى قلب العالم وانفرادها بالربط بين قارتين والإطلال على بحرين ولا الإقامة على ناصية ثلاثة شوارع مؤدية إلى أفريقيا واسيا وأوروبا..ولا خصوصية العبقرية الفرعونية..وإنما هى عبقرية إلهية كونية وإلا لما ذكرها الله فى القران 5 مرات صراحة و20 مرة تلميحا .. وبسهولة ترى الرياضة المصرية مترجمة لهذه العبقرية بحضورها الخارجى المميز حتى لو لم تحقق نتائج..وحتى لو إستغربنا ألا يكون منها ولو حكم واحد فى تصفيات أفريقيا النهائية المؤهلة للأوليمبياد المقامة حاليا فى السنغال..من بين 10 حكام ساحة من 10 دول ..وتصورنا أنه تم إختيار الحكام من الدول التى لاتشارك فى الدورة لكن وجدنا القائمة تضم حكاما من السنغالوتونسوالجزائر المشاركة فى المنافسات..هذا يلفت الإنتباه إلى حالة التحكيم المصرى فى الدولة الرائدة التى علمت القارة السمراء كرة القدم وكل شئ تقريبا فى النشاط الإنسانى لكنه مع مظاهر اخرى سلبية لا يلغى عبقرية مصر فى طلتها على الشعوب بدليل أن السنغاليين مثلا إذا صادفتهم فى الشارع تعتقد انهم إلى جوارنا على الحدود ..يسألون عن محمد أبو تريكة وحسن شحاتة ويعبرون عن تعاطف تلقائي مع المنتخب المصرى مقارنة بالمنتخبات الأخرى التى تمر على عواطفهم مرور الكرام ..لكنهم فى نفس الوقت لاينتقصون من وطنيتهم ويقولون لك أحبك أه تنافسنى لا ..يريدون لمنتخبنا الفوز لكنهم لايقبلون ان يكون فوزه على فريقهم على اعتبار أنهم يتوقعون أن يلتقى الفريقان فى النهائى أو قبل النهائي .. زخم فى الشارع فقط: لكن من مفارقات الدورة وغرائبها أن نرى زخم الإهتمام فى الشارع ولا نراه فى المدرجات ..وقد إستغربنا أن يحض المباراة الأولى للسنغال مع جنوب أفريقيا عدد محدود لايتجاوز الألف أو الألفين فى العاصمة داكار ثم تلا ذلك مدرجات خالية وصامتة فى مباراة تونسوزامبيا ...ولايوجد تفسير حاضر فى الذهن لذلك إلا إذا كان تعبيرا عن الثقة الزائدة فى فريقهم والإكتفاء بالمشاهدة التليفزيونية المتاحة على القنوات المحلية رغم أن المباريات حصرية لقناة أجنبية وهى على مايبدو واحدة من الهدايا التى يتلقاها السنغاليون من الأخرين حيث لاحظنا بث مباريات الدورى الفرنسى مباشرة أيضا .ز ونعود إلى العبقرية المصرية التى قدمت المصريين للقارة الأفريقية فى كل مناحى الحياة وخصوصا ممثلى الأزهر الأكثر تأثيرا فى مجتمعاتها بنشاطهم الدعوى فى وسائل الاعلام وفى المؤتمرات ..وكان الشيخ عبد اللطيف حسن الذى خطب وصلى بالبعثة الجمعة نموذجا للطبيعة المصرية المتعايشة مع البيئات المتنوعة..فهو يظهر بالزى الأزهرى ليتكلم فى الدين ثم تراه فجأة بالبنطلون الجينز والكاب متجولا فى الشوارع يتفاعل مع الناس وكأنه منهم ..ويفاجئك بخطاب شديد الخصوصية فى الدين وبخطاب اخر شديد الخصوصية فى كرة القدم وكأنه مدرب ..وعندما إلتقى مثلا بأسامة عرابى المدرب العام لمنتخبنا تذكر معه مبارياته وكيف كان معجبا به ..وكيف أنه أهلاوى يحب الزمالك من أجل كرة قدم مصرية مزدهرة .. مواقف وطرائف: ومن الطرائف الافريقية العربية فى الدورة والفقرات المضحكة..هذا التوجس الزائد عن اللزوم والمواقف والأقوال المبالغ فيها ..فمثلا شاهدنا منتخب مالى يوقف مرانه ويضيع بعضا من وقته لأن لاعبى مصر كانوا يمرون بجواره قاصدين ملعب التدريب المجاور وخشى المدرب المالى أن تنكشف خططه فى التدريب باعتباره يقوم بعمل سرى للغاية ..وفى المؤتمر الصحفى لمدرب الجزائر فاجأ الجميع بقوله أنه يدخل مباراته مع المنتخب المصرى بلا أية ضغوط ..وهذا يخالف جملة وتفصيلا سلوكيات الإغلاق التى فرضتها البعثة الجزائرية على فريقها حتى أصبح فندقهم أشبه بالثكنة العسكرية ممنوع الإقتراب منها حتى من الجزائريين أنفسهم..فكيف إذن يتحدث المدرب عن عدم وجود ضغوط وكأنه قادم لتمثيل مشرف فى بطولة عالمية يكفيه فقط الظهور فيها واللعب للإستمتاع.. ..وعجايب : ومن العجائب والطرائف أن تقام مثل هذه الدورة المهمة جدا ولا يتوفر لها مركز صحفى ولا حتى مكتب يقدم اى نوع من التسهيلات ..وهى عجيبة تساوى عجيبة السجائر فى السنغال ..سعر العلبة الأجنبية يساوى 8 جنيهات بينما فى مصر ب 24 جنيه وفى كل دول العالم أغلى من ذلك..أو عجيبة كيلو البرتقال البلدى بسعر 16 جنيها ..ثم عليك أن تتوقف طويلا مع نفسك وانت تقارن بين ملاعب مصر الرائعة وملاعب السنغال المتواضعة رغم انتشار الساحات الشعبية ثم تأتى المقارنة العكسية بين حجم الإحتراف الخارجى فى البلدين الذى يعكس تفوقا سنغاليا ..وتساوى عجيبة أن يعرض عليك أحدهم جهاز موبايل ب200 دولار ثم يوافق على 20 دولارا فقط ..وتساوى عجيبة السحلية الشبيهة بالتمساح التى تمر بجوار موظف الفندق بغرفته فينظر لها وكأنها صديقته التى اعتاد على معاشرتها بينما تكاد أنت أن تقفز إلى السقف فزعا .. إمتزاج الثقة بالقلق: ومن معسكر منتخبنا ..ترضد بسهولة إمتزاج الثقة بالقلق ..وهو قلق ألا يكون للتفوق ترجمة فى الملعب ..قبل لقاء الجزائر بدت الوجوه تستقر على حالة واحدة هى الجدية والصرامة ..كل يعمل فى محيطه ..الصحفيون ينتظرون بطاقات الدخول فى اخر لحظة والزميل المذيع صلاح بدران النشيط جدا فى إطلاق الرسائل اليومية الأكثر إنشغالا لأنه سيعلق على المباراة ويسعى وراء كل التفاصيل ..والسفير المصرى مصطفى القونى يفضل المبيت فى المنتجع حتى يعايش البعثة ويشد من أزرها ورافقه محمد يوسف المدير الإدارى ..وجرى التنسيق مع باقى المسئولين فى السفارة بالعاصمة داكار لمواصلة حشد الجالية وترتيب نقلهم بالسيارات وتوزيع أعلام مصر عليهم ..وهم فى نهاية الأمر قرابة ال400 مصرى لكنه عدد لابأس به فى ظل الغياب الجماهيرى الذى سيزيد غيابا فى المدينة السياحية الصغيرة مادامت العاصمة نفسها لم تشهد حضورا جماهيريا كبيرا حتى مع منتخب البلد المستضيف .. وانخرط الجهاز الفنى فى المحاضرات الفنية وحرص حسام البدرى المدير الفنى على تناول كل التفاصيل فيما يخص فريقنا والفريق المنافس بعد أن أشرك اللاعبين فى مشاهدة مباراتين للمنتخب الجزائرى ..وكان سباق اللاعبين للمشاركة كبيرا وانتهى باعلان التشكيل واختيار 11 لاعبا يبدأون حسب رؤية الجهاز..ودارت العجلة فى الميدان وعرف كل فرد ماهو دوره فى الملعب وخارج الملعب ..وكما يقول المصريون "عملنا إللى علينا والباقى على الله " ..أو كما يقول الرياضيون لايبقى إلا إنتظار الجنرال توفيق ...التوفيق من الله.. صحيح القرعة قاسية : ومع ضؤبة البداية أول أمس ..صحيح كلامنا وانطباعنا ..المجموعة الأولى أظهرت تواضعا فى المستوى ..جاءت مباراتا السنغال مع جنوب افريقيا وتونس مع زامبيا باردتين ..حتى منتخب السنغال الذى يعبر عن كرة قدم متطورة لم يقدم ماكان منتظرا منه رغم فوزه 3-1 ولم يبرز فى صفوفه سوى الثلاثى الهجومى خاصة اسماعيل سار وابراهيمو كيتا ..ونجح المنتخب العربى التونسى فى الفوز 2-1 وأنجز خطوة كبيرة سوف تمنحه إطمئنانا فى المباراتين المتبقيتين بلا ضغوط كبيرة كان سيتعرض لها إذا خسر أو حتى تعادل ..ومن واقع مستوى فرق هذه المجموعة فإن منتخب مصر سيكون أكثر إرتياحا عندما يلعب فى الدور قبل النهائى عنه فى منافسات مجموعته ..بما يؤكد أن القرعة كانت قاسية علينا ..