6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    «الجبل الأصفر» على أعتاب العالمية |المحطة تستعد للقب الأكبر دوليا بطاقة 3.5 مليون متر يومياً    فقدت عائلتها وظلت تحت الأنقاض 48 ساعة.. قصة الطفلة الفلسطينية ريتاج التي أسرت قلوب المصريين    وزير الخارجية السوداني: الرئيس السيسي يقود المنطقة برؤية تعيد التوازن للقارة    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على إيجل نوار    محمد مصطفى يشارك في فعاليات الجمعية العمومية للاتحاد العالمي للتايكوندو    دوري أبطال أفريقيا.. يانج أفريكانز وبترو أتلتيكو إلى دور المجموعات    حبس تشكيل عصابي لقيامهم بأعمال حفر وتنقيب عن الآثار بالتبين    حبس المتهمين بالتعدي على مسن السويس بتهمة البلطجة    محمد سلام يتألق في احتفالية «مصر وطن» بحضور الرئيس السيسي    سوما تبدأ حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية بأغنية وطنية مؤثرة    تعليق غريب من أحمد الجنايني بعد زواجه من منة شلبي    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    جمارك السلوم تمنع تهريب نقد مصري وأدوية بشرية    إصابة طالبين إثر تصادم دراجة بخارية في قنا    الرئيس السيسي: "اللي حصل في شرم الشيخ ده فضل كبير من ربنا علينا"    حادث جماعي مروع يهز طريق القاهرة السويس    بمشاركة 150 متطوعًا.. تنظيف شاطئ «أبطال التحدي» في الإسكندرية (صور)    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    القانون يحظر إنشاء جسور بالبحيرات بدون تراخيص.. تفاصيل    مسئول بحزب الله: لن نسلم سلاحنا لأننا نعتبره قوةً للوطن وسيادةً للبنان    شخصية المطر    محافظ القاهرة: تخصيص شاشات عرض بالميادين لبث مواد ترويجية عن المتحف الكبير    طريقة تحضير الكوكيز في الميكروويف    غادة عبد الرحيم تُطلق أول حقيبة تدريبية عربية متكاملة للأمهات والمعلمين للتعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه    دعم وحماية لمن حولهم.. أبراج تجلب السعادة والدفء للآخرين (من هم؟)    جدول امتحانات شهر أكتوبر للصفين الأول والثاني الثانوي بالغربية    هل تصل قراءة الفاتحة إلى الميت؟.. عالم أزهري يجيب    كيف يتعلق قلب المسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟.. عالم أزهري يجيب    «تعليم الغربية» تعلن جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي.. والمعلق    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    لاعب بتروجت: أتمنى الانضمام للأهلي.. وفخور بتشبيهي ب علي معلول    محافظ البحيرة: قروض ميسرة للشباب تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 20 مليون جنيه    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    نائب رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق الخدمات الطبية اليوم    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    الخميس المقبل بدء تطبيق التوقيت الشتوى فى مصر.. الساعة هتتأخر 60 دقيقة    ريال مدريد ضد برشلونة.. البارسا يختبر كوندى فى مران اليوم    أغرب وأجرأ إطلالات النجوم بمهرجان الجونة السينمائى.. من الافتتاح للختام    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    صحة كفر الشيخ: انطلاق أول أيام القافلة الطبية المجانية بقرية المنشلين بقلين    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    وزيرة التضامن الاجتماعي تتابع أعمال الإدارة العامة للرعاية المؤسسية والأسرية    محافظ الفيوم يتابع استعدادات الأجهزة التنفيذية لانتخابات «النواب» 2025    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    ترامب: علاقاتي مع زعيم كوريا الشمالية جيدة وآمل لقاءه خلال جولتي الآسيوية    الاتحاد الأوروبى: ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية غير شرعى ولن نعترف بسيادتها عليها    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
في ذكري محمود السعدني

رفع »‬السعدني» يده وقال للرئيس »‬مبارك» إنني سعيد لأنك جعلت من الحزب الوطني الحاكم حزباً سرياً فقال له »‬مبارك» ومن قال إنه سري فرد عليه »‬السعدني» علي الفور قائلاً »‬لأنه لا وجود له»!
تمر هذه الأيام ذكري رحيل الكاتب المصري الكبير »‬محمود السعدني» الذي يتحدث عنه الجميع باعتباره كاتباً صحفياً ساخراً بينما هو قبل ذلك فيلسوف معاصر له منظور خاص لكل ما حوله من بشر وشجر وحجر وهو مِن أكثر مَن عرفت إحساساً بتأثير الزمن علي الناس وذلك موضوع يستهويني كثيراً فالإنسان موقف يرتبط بلحظة معينة ولكنه قابل للتغيير تماماً وفقاً لما جري وما يجري، وعندما تركت مؤسسة الرئاسة عام 1992 توافد الكثيرون علي منزلي للتعبير عن المواساة المعتادة لكل من يترك موقعاً مرموقاً وجاءني »‬محمود السعدني» ليقول (إنني أكثر الناس إدراكاً لهذه اللحظة فقد جري استبعادي من كثير من المناصب بل وانتقلت من قرب السلطة إلي قاع الزنزانة وأعرف ردود فعل الناس) وأضاف لي أن تليفونه الذي كان يدق كل خمس دقائق أصبح لا يدق إلا كل خمسة أيام، وصدقت نبوءة »‬السعدني» فقد شعرت أن بعض ضعاف النفوس قد تحولوا وأن منافقي الأمس وحملة المباخر حولي لعدة سنوات قد أختفوا وأن الباقي فقط هم أصحاب المبادئ وذوو الخلق ممن لا يتغيرون وفقاً للظروف والمصالح، لقد كان »‬محمود السعدني» خبيراً بالنفس البشرية سبر أغوارها وفهم أعماقها وقد قال لي ذات مرة إنه اكتشف أن الذي أمر باعتقاله كل مرة هو وزير الداخلية فقام بمصادقته فإذا به يحبس مرة جديدة هو »‬وشعراوي جمعة» وزير الداخلية ذاته!، ولازلت أتذكر أول لقاء لي معه ذات يوم عام 1974 وكان هو في »‬العاصمة البريطانية» مطارداً من »‬مصر» بعد خلافه مع الرئيس الراحل »‬أنور السادات» فيما سمي »‬بقضية مراكز القوي» والتي أمضي بسببها »‬السعدني» فترة في السجون المصرية استكمالاً لفترات سابقة في عهد الرئيس الراحل »‬جمال عبد الناصر» الذي آمن به »‬السعدني» وارتبط بثورته ارتباطاً لا أعرف له مثيلاً، وذات مساء في »‬لندن» سعيت لاستقبال الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ »‬أحمد بهاء الدين» ضمن سلسلة لقاءات منتظمة معه كلما هبط ذلك المفكر المصري بالعاصمة البريطانية وكنت أناقشه في أمور تتصل بأطروحتي للدكتوراه عن »‬الأقباط في السياسة المصرية» – مكرم عبيد نموذجاً - ولقد وجدت معه ضيفاً في ذلك المساء يجلس بجانبه ويمسك عصا مظلة المطر متكئاً عليها تحت ذقنه وينظر بازدراء لي وعرفت في الحال أنه الأستاذ »‬محمود السعدني» حيث بادره الأستاذ »‬بهاء الدين» قائلاً (هذا »‬مصطفي الفقي» سكرتير ثاني السفارة هنا وهو قريب مني منذ سنوات) فرد عليه »‬السعدني» (لابد أنه واحد من جواسيس »‬السادات» في السفارة ولا أريد أن أعرف أحداً) فقمت إلي »‬السعدني» وقبلت رأسه وقلت له سوف تكتشف أنني أقرب إليك مما تظن ومنذ تلك اللحظة زاملته سنوات »‬لندن» كاملة وتوثقت علاقتي به في »‬مصر» أكثر وأكثر فكنا نلتقي في نادي الصحفيين النهري بالجيزة حيث تكون هناك رموز دائمة الحضور من مريدي »‬السعدني» الذين يستمتعون بأعظم حكائي العصر، فالوزراء يجلسون أمامه في سعادة بالغة أذكر منهم »‬عمرو موسي» و»حسب الله الكفراوي» و»محمد عبد الحليم موسي» و»أسامة الباز» وأي محافظ للجيزة موجود في ذلك الوقت مع الوزير »‬علي والي» ورفيق عمره الحاج »‬إبراهيم نافع» بالإضافة إلي الفنان »‬عادل إمام» أحياناً والفنان »‬صلاح السعدني» غالباً وعدد آخر من رموز الأدب والفن والسياسة والكل مبهور »‬بمحمود السعدني» والترتيبات الرائعة للجلسة والموضوعات التي يتطرق إليها ذلك الفيلسوف الساخر الذي لا ينحني لأحد ولا يخضع إلا لإرادة وطنه ويجلس بيننا ابنه الوحيد الأستاذ »‬أكرم السعدني» الكاتب الصحفي حالياً، وذات مساء ذهبنا في صحبة »‬السعدني» إلي لقاء محدد مع كاتب نوبل الروائي »‬نجيب محفوظ» بمنزل الحاج »‬إبراهيم نافع» بالجيزة حيث حضر بصحبة رفيقيه »‬جمال الغيطاني» و»يوسف القعيد» وكان معنا يومها المستشار »‬عبد المجيد محمود» النائب العام الأسبق، ولازلت أتذكر ونحن في »‬لندن» أن طلب مني الأستاذ »‬أحمد بهاء الدين» تقديم »‬محمود السعدني» لزميل دراستي »‬أحمد خليفة السويدي» وزير خارجية »‬الإمارات» حينذاك بقصد إصدار جريدة عربية في »‬لندن» تكون صوتاً سياسياً ومنبراً ثقافياً للعرب والمصريين هناك وعندما أبلغت الأستاذ »‬السويدي» رحب باللقاء وطلب أن يحصل علي نسخة من كتاب »‬الولد الشقي» معنا عند زيارته، وجلسنا »‬أحمد السويدي» و»السعدني» وأنا وعندما طلب »‬السويدي» من »‬السعدني» اسم الصحيفة الجديدة رد عليه »‬السعدني» قائلا (سوف نسميها »‬القافلة») فقال له لم اخترت هذا الاسم؟ رد عليه بأنها سوف تصدر عدة أعداد ثم تغلقها السلطات فهي »‬قافلة» وضحكنا جميعا وقد كان! فلقد هاجم السعدني »‬شاه إيران» والرئيس »‬السادات» وكانت تلك محاذير بالنسبة لدولة »‬الإمارات» في ذلك الوقت، ومن نوادر الراحل العظيم »‬محمود السعدني» يوم أن التقاه الرئيس »‬السادات» في دولة »‬الكويت» لأول مرة بعد قطيعة استمرت أربع سنوات خصوصاً وأن علاقتهما كانت وثيقة لعدة عقود قبل ذلك وعملا معاً في مجال الصحافة والحياة العامة وكان »‬السعدني» و»زكريا الحجاوي» أثيران لدي قلب »‬السادات»، ولقد رتب الراحل »‬عثمان أحمد عثمان» الذي كان يحب »‬السعدني» كثيراً لقاء »‬الكويت» وعندما دخل »‬السعدني» بادر »‬السادات» قائلا (والله ما أنت قائم) ثم همس في أذنه ببضع كلمات ظل »‬السادات» يقهقه بعدها وذاب الجليد الذي صنعته ظروف 15 مايو 1971 وكان »‬السعدني» يتحدث إلي »‬السادات» وإلي كل الوزراء والمسئولين بنفس طريقة حديثه إلي بسطاء الناس والعمال والفلاحين وحين التقاه الرئيس الأسبق »‬مبارك» يوم الإفراج عنه من اعتقالات سبتمبر 1981 بادره »‬السعدني» قائلاً (إنك أول رئيس مصري يكون أصغر مني سنا فلقد كان »‬عبد الناصر» و»السادات» من مواليد 1918 وأنا من ومواليد 1927 أما أنت فمن مواليد 1928) فرد عليه الرئيس الأسبق »‬مبارك» ممازحاً في الحال قائلاً (إذاً فأنت أكبر مني في السن وبذلك وجدت سبباً احترمك به!) في مداعبة غير مألوفة من الرئيس الأسبق، وذات يوم ونحن في اجتماع عام بمؤسسة الرئاسة رفع »‬السعدني» يده وقال للرئيس »‬مبارك» إنني سعيد لأنك جعلت من الحزب الوطني الحاكم حزباً سرياً فقال له »‬مبارك» ومن قال إنه سري فرد عليه »‬السعدني» علي الفور قائلاً »‬لأنه لا وجود له»! وكما قلت من قبل فإن »‬السعدني» كان مفتوناً بأبطال كرة القدم وأقطاب تلاوة »‬القرآن الكريم».. لقد كان رجلاً رائعاً في عصر جميل لن يعود أبدا.
السودان بعد التقسيم
لدي غصة تاريخية من تقسيم »‬السودان» الذي جري منذ عدة سنوات وفي ظني أن إرادة السودانيين في مجملها لم تكن مع انفصال جنوبه عن شماله بل إنني التقيت الزعيم الجنوبي الراحل »‬جون جارانج» الذي كان وحدوياً ولا يمانع في استمرار »‬السودان» دولة مركزية يعيش فيها الشماليون والجنوبيون في ظل ديمقراطية حقيقية تعلي مبدأ المواطنة لأبناء ذلك البلد الشقيق العريق، ثم رحل »‬جارانج» في حادث طائرة غامض وبعدها مضت إجراءات تقسيم البلاد وفصل الجنوب عن الشمال بسرعة وسلاسة توحي بأن مقايضة قد حدثت ليغمض الغرب عينه عن خروقات سودانية من أجل قيام دولة جنوبية!، ولقد كان »‬السودان» أكبر دول »‬القارة الإفريقية» مساحة فضلاً عن الثروات الكامنة فيه وعن الشعب الطيب في الشمال والجنوب الذي يتميز بالسماحة وحب الغير، لذلك فإن عمود صديقي الدكتور »‬أسامة الغزالي حرب» حول »‬السودان» - رئاسة وحكومة وشعباً - قد مس مشاعري بشدة لأنني أظن أن التاريخ المشترك الطويل بين »‬مصر» و»السودان» يدفعنا إلي متابعة ما يدور في »‬جنوب الوادي»، ونحن لا ننسي عندما جري اغتيال »‬جوردون» الحاكم الانجليزي للسودان وكيف أبدي الزعيم السوداني »‬المهدي الكبير» أسفه لأنه كان يريد أن يقايض »‬بجوردون» أسيراً مصرياً منفياً وهو »‬أحمد عرابي» وهي روح »‬وادي النيل» المتجذرة لدي أشقاء الجنوب مهما ظهر علي السطح مما يوحي بغير ذلك، ونحن لا ننسي أن »‬عبد الناصر» لم يأتمن علي طلاب الكليات العسكرية المصرية في أعقاب نكسة 1967 إلا استضافة أشقائهم السودانيين لهم، ونتذكر أيضا أن شعب »‬السودان» هو الذي قهر النكسة معنوياً بخروج ملايين منه لتحية »‬جمال عبد الناصر» وشد أزره بعد النكسة وهي أيضاً »‬السودان» الدولة التي رفض رئيسها الراحل »‬جعفر نميري» قطع العلاقات الدبلوماسية مع »‬مصر» عند توقيع اتفاقية »‬السلام المصرية الإسرائيلية» وقال »‬نميري» وقتها بصوت »‬السودان» كله إن ما بيننا وبين »‬مصر» يختلف عن كل ما بينكم وبينها ونحن لا ننسي التاريخ ولا نعاند الجغرافيا، أيها الشعب الشقيق لقد تغيرت الدنيا وتبدلت الأحوال ولكنكم أنتم كما عاهدناكم دائماً شعب »‬الونسة» المتحدث الودود، شعب الشعراء والأدباء والمفكرين والساسة، وسوف تظل علاقة الشعبين »‬المصري» و»السوداني» في دولتي الشمال والجنوب كما هي دائماً لأنها معطاة تاريخية وصناعة جغرافية ورابطة إنسانية.
نحن والأحباش
تميزت العلاقات »‬المصرية» »‬الإثيوبية» بقدر من التحفظ عبر العقود الأخيرة بل واتصفت بشيء من الفتور أحياناً فضلاً عن عدم الفهم المتبادل والثقة المفقودة وظل موضوع »‬مياه النيل» هاجساً مشتركاً يعطل مسيرة الاقتراب المحتمل بين البلدين الشقيقين ولكن كما يقولون (فإن رب ضارة نافعة) وأنا أتصور أن موضوع »‬سد النهضة» قد فتح الباب علي مصراعيه للفهم المشترك واستعادة الثقة بين شعبين من أقدم شعوب الدنيا، »‬فالأمهرية» وارثة حكم »‬سليمان» و»داوود» ترتبط »‬بالكنانة» منذ فجر التاريخ بروابط العيش المشترك والتقارب الثقافي والديني فضلاً عن الشراكة بين دولة »‬منبع» ودولة »‬مصب» لنهر يربط الشعوب المطلة علي ضفتيه برباط لا ينفصم أبداً، ولقد سعي الرئيس المصري »‬عبد الفتاح السيسي» إلي تأسيس قاعدة متينة للعلاقات بين »‬القاهرة» و»أديس أبابا» تجاوز بها العقد التاريخية والعوامل الدخيلة علي العلاقات الطويلة بين البلدين وكانت مشاركة »‬مصر» في إطلاق سراح المواطنين الإثيوبيين المحتجزين في »‬ليبيا» بمثابة إشارة البدء لصفحة جديدة من العلاقات الشفافة والقوية بين الدولتين وإنهاء فصل كامل من التوتر الصامت والفتور المستمر، ولا شك أن اتفاق الطرفين »‬المصري» و»الإثيوبي» علي المشاركة في إجراءات ملء خزان المياه المحتجزة قبل »‬سد النهضة» بحيث لا يضار أحد الطرفين، إن مثل هذا الاتفاق سوف يكون حاسماً في تصفية الأجواء وتنقية المشاعر مما شابها أو طرأ عليها عبر السنين.
رفع »‬السعدني» يده وقال للرئيس »‬مبارك» إنني سعيد لأنك جعلت من الحزب الوطني الحاكم حزباً سرياً فقال له »‬مبارك» ومن قال إنه سري فرد عليه »‬السعدني» علي الفور قائلاً »‬لأنه لا وجود له»!
تمر هذه الأيام ذكري رحيل الكاتب المصري الكبير »‬محمود السعدني» الذي يتحدث عنه الجميع باعتباره كاتباً صحفياً ساخراً بينما هو قبل ذلك فيلسوف معاصر له منظور خاص لكل ما حوله من بشر وشجر وحجر وهو مِن أكثر مَن عرفت إحساساً بتأثير الزمن علي الناس وذلك موضوع يستهويني كثيراً فالإنسان موقف يرتبط بلحظة معينة ولكنه قابل للتغيير تماماً وفقاً لما جري وما يجري، وعندما تركت مؤسسة الرئاسة عام 1992 توافد الكثيرون علي منزلي للتعبير عن المواساة المعتادة لكل من يترك موقعاً مرموقاً وجاءني »‬محمود السعدني» ليقول (إنني أكثر الناس إدراكاً لهذه اللحظة فقد جري استبعادي من كثير من المناصب بل وانتقلت من قرب السلطة إلي قاع الزنزانة وأعرف ردود فعل الناس) وأضاف لي أن تليفونه الذي كان يدق كل خمس دقائق أصبح لا يدق إلا كل خمسة أيام، وصدقت نبوءة »‬السعدني» فقد شعرت أن بعض ضعاف النفوس قد تحولوا وأن منافقي الأمس وحملة المباخر حولي لعدة سنوات قد أختفوا وأن الباقي فقط هم أصحاب المبادئ وذوو الخلق ممن لا يتغيرون وفقاً للظروف والمصالح، لقد كان »‬محمود السعدني» خبيراً بالنفس البشرية سبر أغوارها وفهم أعماقها وقد قال لي ذات مرة إنه اكتشف أن الذي أمر باعتقاله كل مرة هو وزير الداخلية فقام بمصادقته فإذا به يحبس مرة جديدة هو »‬وشعراوي جمعة» وزير الداخلية ذاته!، ولازلت أتذكر أول لقاء لي معه ذات يوم عام 1974 وكان هو في »‬العاصمة البريطانية» مطارداً من »‬مصر» بعد خلافه مع الرئيس الراحل »‬أنور السادات» فيما سمي »‬بقضية مراكز القوي» والتي أمضي بسببها »‬السعدني» فترة في السجون المصرية استكمالاً لفترات سابقة في عهد الرئيس الراحل »‬جمال عبد الناصر» الذي آمن به »‬السعدني» وارتبط بثورته ارتباطاً لا أعرف له مثيلاً، وذات مساء في »‬لندن» سعيت لاستقبال الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ »‬أحمد بهاء الدين» ضمن سلسلة لقاءات منتظمة معه كلما هبط ذلك المفكر المصري بالعاصمة البريطانية وكنت أناقشه في أمور تتصل بأطروحتي للدكتوراه عن »‬الأقباط في السياسة المصرية» – مكرم عبيد نموذجاً - ولقد وجدت معه ضيفاً في ذلك المساء يجلس بجانبه ويمسك عصا مظلة المطر متكئاً عليها تحت ذقنه وينظر بازدراء لي وعرفت في الحال أنه الأستاذ »‬محمود السعدني» حيث بادره الأستاذ »‬بهاء الدين» قائلاً (هذا »‬مصطفي الفقي» سكرتير ثاني السفارة هنا وهو قريب مني منذ سنوات) فرد عليه »‬السعدني» (لابد أنه واحد من جواسيس »‬السادات» في السفارة ولا أريد أن أعرف أحداً) فقمت إلي »‬السعدني» وقبلت رأسه وقلت له سوف تكتشف أنني أقرب إليك مما تظن ومنذ تلك اللحظة زاملته سنوات »‬لندن» كاملة وتوثقت علاقتي به في »‬مصر» أكثر وأكثر فكنا نلتقي في نادي الصحفيين النهري بالجيزة حيث تكون هناك رموز دائمة الحضور من مريدي »‬السعدني» الذين يستمتعون بأعظم حكائي العصر، فالوزراء يجلسون أمامه في سعادة بالغة أذكر منهم »‬عمرو موسي» و»حسب الله الكفراوي» و»محمد عبد الحليم موسي» و»أسامة الباز» وأي محافظ للجيزة موجود في ذلك الوقت مع الوزير »‬علي والي» ورفيق عمره الحاج »‬إبراهيم نافع» بالإضافة إلي الفنان »‬عادل إمام» أحياناً والفنان »‬صلاح السعدني» غالباً وعدد آخر من رموز الأدب والفن والسياسة والكل مبهور »‬بمحمود السعدني» والترتيبات الرائعة للجلسة والموضوعات التي يتطرق إليها ذلك الفيلسوف الساخر الذي لا ينحني لأحد ولا يخضع إلا لإرادة وطنه ويجلس بيننا ابنه الوحيد الأستاذ »‬أكرم السعدني» الكاتب الصحفي حالياً، وذات مساء ذهبنا في صحبة »‬السعدني» إلي لقاء محدد مع كاتب نوبل الروائي »‬نجيب محفوظ» بمنزل الحاج »‬إبراهيم نافع» بالجيزة حيث حضر بصحبة رفيقيه »‬جمال الغيطاني» و»يوسف القعيد» وكان معنا يومها المستشار »‬عبد المجيد محمود» النائب العام الأسبق، ولازلت أتذكر ونحن في »‬لندن» أن طلب مني الأستاذ »‬أحمد بهاء الدين» تقديم »‬محمود السعدني» لزميل دراستي »‬أحمد خليفة السويدي» وزير خارجية »‬الإمارات» حينذاك بقصد إصدار جريدة عربية في »‬لندن» تكون صوتاً سياسياً ومنبراً ثقافياً للعرب والمصريين هناك وعندما أبلغت الأستاذ »‬السويدي» رحب باللقاء وطلب أن يحصل علي نسخة من كتاب »‬الولد الشقي» معنا عند زيارته، وجلسنا »‬أحمد السويدي» و»السعدني» وأنا وعندما طلب »‬السويدي» من »‬السعدني» اسم الصحيفة الجديدة رد عليه »‬السعدني» قائلا (سوف نسميها »‬القافلة») فقال له لم اخترت هذا الاسم؟ رد عليه بأنها سوف تصدر عدة أعداد ثم تغلقها السلطات فهي »‬قافلة» وضحكنا جميعا وقد كان! فلقد هاجم السعدني »‬شاه إيران» والرئيس »‬السادات» وكانت تلك محاذير بالنسبة لدولة »‬الإمارات» في ذلك الوقت، ومن نوادر الراحل العظيم »‬محمود السعدني» يوم أن التقاه الرئيس »‬السادات» في دولة »‬الكويت» لأول مرة بعد قطيعة استمرت أربع سنوات خصوصاً وأن علاقتهما كانت وثيقة لعدة عقود قبل ذلك وعملا معاً في مجال الصحافة والحياة العامة وكان »‬السعدني» و»زكريا الحجاوي» أثيران لدي قلب »‬السادات»، ولقد رتب الراحل »‬عثمان أحمد عثمان» الذي كان يحب »‬السعدني» كثيراً لقاء »‬الكويت» وعندما دخل »‬السعدني» بادر »‬السادات» قائلا (والله ما أنت قائم) ثم همس في أذنه ببضع كلمات ظل »‬السادات» يقهقه بعدها وذاب الجليد الذي صنعته ظروف 15 مايو 1971 وكان »‬السعدني» يتحدث إلي »‬السادات» وإلي كل الوزراء والمسئولين بنفس طريقة حديثه إلي بسطاء الناس والعمال والفلاحين وحين التقاه الرئيس الأسبق »‬مبارك» يوم الإفراج عنه من اعتقالات سبتمبر 1981 بادره »‬السعدني» قائلاً (إنك أول رئيس مصري يكون أصغر مني سنا فلقد كان »‬عبد الناصر» و»السادات» من مواليد 1918 وأنا من ومواليد 1927 أما أنت فمن مواليد 1928) فرد عليه الرئيس الأسبق »‬مبارك» ممازحاً في الحال قائلاً (إذاً فأنت أكبر مني في السن وبذلك وجدت سبباً احترمك به!) في مداعبة غير مألوفة من الرئيس الأسبق، وذات يوم ونحن في اجتماع عام بمؤسسة الرئاسة رفع »‬السعدني» يده وقال للرئيس »‬مبارك» إنني سعيد لأنك جعلت من الحزب الوطني الحاكم حزباً سرياً فقال له »‬مبارك» ومن قال إنه سري فرد عليه »‬السعدني» علي الفور قائلاً »‬لأنه لا وجود له»! وكما قلت من قبل فإن »‬السعدني» كان مفتوناً بأبطال كرة القدم وأقطاب تلاوة »‬القرآن الكريم».. لقد كان رجلاً رائعاً في عصر جميل لن يعود أبدا.
السودان بعد التقسيم
لدي غصة تاريخية من تقسيم »‬السودان» الذي جري منذ عدة سنوات وفي ظني أن إرادة السودانيين في مجملها لم تكن مع انفصال جنوبه عن شماله بل إنني التقيت الزعيم الجنوبي الراحل »‬جون جارانج» الذي كان وحدوياً ولا يمانع في استمرار »‬السودان» دولة مركزية يعيش فيها الشماليون والجنوبيون في ظل ديمقراطية حقيقية تعلي مبدأ المواطنة لأبناء ذلك البلد الشقيق العريق، ثم رحل »‬جارانج» في حادث طائرة غامض وبعدها مضت إجراءات تقسيم البلاد وفصل الجنوب عن الشمال بسرعة وسلاسة توحي بأن مقايضة قد حدثت ليغمض الغرب عينه عن خروقات سودانية من أجل قيام دولة جنوبية!، ولقد كان »‬السودان» أكبر دول »‬القارة الإفريقية» مساحة فضلاً عن الثروات الكامنة فيه وعن الشعب الطيب في الشمال والجنوب الذي يتميز بالسماحة وحب الغير، لذلك فإن عمود صديقي الدكتور »‬أسامة الغزالي حرب» حول »‬السودان» - رئاسة وحكومة وشعباً - قد مس مشاعري بشدة لأنني أظن أن التاريخ المشترك الطويل بين »‬مصر» و»السودان» يدفعنا إلي متابعة ما يدور في »‬جنوب الوادي»، ونحن لا ننسي عندما جري اغتيال »‬جوردون» الحاكم الانجليزي للسودان وكيف أبدي الزعيم السوداني »‬المهدي الكبير» أسفه لأنه كان يريد أن يقايض »‬بجوردون» أسيراً مصرياً منفياً وهو »‬أحمد عرابي» وهي روح »‬وادي النيل» المتجذرة لدي أشقاء الجنوب مهما ظهر علي السطح مما يوحي بغير ذلك، ونحن لا ننسي أن »‬عبد الناصر» لم يأتمن علي طلاب الكليات العسكرية المصرية في أعقاب نكسة 1967 إلا استضافة أشقائهم السودانيين لهم، ونتذكر أيضا أن شعب »‬السودان» هو الذي قهر النكسة معنوياً بخروج ملايين منه لتحية »‬جمال عبد الناصر» وشد أزره بعد النكسة وهي أيضاً »‬السودان» الدولة التي رفض رئيسها الراحل »‬جعفر نميري» قطع العلاقات الدبلوماسية مع »‬مصر» عند توقيع اتفاقية »‬السلام المصرية الإسرائيلية» وقال »‬نميري» وقتها بصوت »‬السودان» كله إن ما بيننا وبين »‬مصر» يختلف عن كل ما بينكم وبينها ونحن لا ننسي التاريخ ولا نعاند الجغرافيا، أيها الشعب الشقيق لقد تغيرت الدنيا وتبدلت الأحوال ولكنكم أنتم كما عاهدناكم دائماً شعب »‬الونسة» المتحدث الودود، شعب الشعراء والأدباء والمفكرين والساسة، وسوف تظل علاقة الشعبين »‬المصري» و»السوداني» في دولتي الشمال والجنوب كما هي دائماً لأنها معطاة تاريخية وصناعة جغرافية ورابطة إنسانية.
نحن والأحباش
تميزت العلاقات »‬المصرية» »‬الإثيوبية» بقدر من التحفظ عبر العقود الأخيرة بل واتصفت بشيء من الفتور أحياناً فضلاً عن عدم الفهم المتبادل والثقة المفقودة وظل موضوع »‬مياه النيل» هاجساً مشتركاً يعطل مسيرة الاقتراب المحتمل بين البلدين الشقيقين ولكن كما يقولون (فإن رب ضارة نافعة) وأنا أتصور أن موضوع »‬سد النهضة» قد فتح الباب علي مصراعيه للفهم المشترك واستعادة الثقة بين شعبين من أقدم شعوب الدنيا، »‬فالأمهرية» وارثة حكم »‬سليمان» و»داوود» ترتبط »‬بالكنانة» منذ فجر التاريخ بروابط العيش المشترك والتقارب الثقافي والديني فضلاً عن الشراكة بين دولة »‬منبع» ودولة »‬مصب» لنهر يربط الشعوب المطلة علي ضفتيه برباط لا ينفصم أبداً، ولقد سعي الرئيس المصري »‬عبد الفتاح السيسي» إلي تأسيس قاعدة متينة للعلاقات بين »‬القاهرة» و»أديس أبابا» تجاوز بها العقد التاريخية والعوامل الدخيلة علي العلاقات الطويلة بين البلدين وكانت مشاركة »‬مصر» في إطلاق سراح المواطنين الإثيوبيين المحتجزين في »‬ليبيا» بمثابة إشارة البدء لصفحة جديدة من العلاقات الشفافة والقوية بين الدولتين وإنهاء فصل كامل من التوتر الصامت والفتور المستمر، ولا شك أن اتفاق الطرفين »‬المصري» و»الإثيوبي» علي المشاركة في إجراءات ملء خزان المياه المحتجزة قبل »‬سد النهضة» بحيث لا يضار أحد الطرفين، إن مثل هذا الاتفاق سوف يكون حاسماً في تصفية الأجواء وتنقية المشاعر مما شابها أو طرأ عليها عبر السنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.