فتح فصل ثانوي مزدوج جديد لتخصص استخلاص وتصنيع الزيوت النباتية في مطروح    أسعار البنزين والسولار اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025    خالد الغندور: بيراميدز زعيم القارة الأفريقية بلا منازع واستعاد هيبة دوري الأبطال    بوني يقود إنتر لانتصار ثمين على روما في كلاسيكو الكالتشيو    ليلة من البهجة في الجونة.. نانسي عجرم تشعل الأجواء ويسرا وإلهام شاهين يتفاعلان وكيت بلانشيت تتوج بطلة للإنسانية    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    وفاة ضابط شرطة في حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية الصحراوي    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى النزهة    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    السيسي يوجه بزيادة حجم استثمارات «ميرسك» العالمية في السوق المصرية    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    ذات يوم مع زويل    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    «سيوافقان على الانضمام».. عمرو الحديدي يطالب الأهلي بالتعاقد مع ثنائي بيراميدز    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الانخفاض الكبير عالميًا    الخارجية الأميركية تزعم نية حماس شن هجوم واسع ضد مواطني غزة وتحذر من انتهاك وقف إطلاق النار    سيتغاضى عنها الشركاء الغربيون.. مراقبون: تمثيل كيان العدو بجثامين الأسرى والشهداء جريمة حرب    إصابة 10 أشخاص بينهم أطفال في هجوم كلب مسعور بقرية سيلا في الفيوم    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    استعدوا لأشد نوات الشتاء 2026.. الإسكندرية على موعد مع نوة الصليب (أبرز 10 معلومات)    المستشار الألماني: الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يسمح له بالتأثير على الشرق الأوسط حتى لو أراد ذلك    زحف أمريكي غاضب من نيويورك إلى سان فرانسيسكو ضد «استبداد ترامب»    ارتفاع يصل إلى 37 جنيهًا في الضاني والبتلو، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    انجذاب لشخص في محيط عملك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أكتوبر    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    الوطنية للانتخابات: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة الكثافات الانتخابية    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في التعليم: لاتضعوا العربة قبل الحصان
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 14 - 04 - 2015

التعليم والبحث العلمي هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها، ولابديل من محاولة جادة لتحقيق نقلة نوعية في مفاهيم وفلسفة التعليم وأهدافه التنموية وربطه باقتصاديات إنتاج وإدارة المعرفة واستراتيجياتها الحديثة.
إذا كان عصر الثورة الصناعية قد أوجد الثروة عبر استثمار الآلة عوضاً عن الإنسان، فإن الاقتصاديات الجديدة قد ردت الاعتبار لهذا الإنسان واعتمدت في تكوين الثروة علي معارفه وإبداعاته التي راكمها عبر تاريخ طويل من التجريب العلمي ونواتجه وتطبيقاته، ومنذ عقد التسعينيات في القرن العشرين ومع بزوغ ثورة الاتصالات والمعلوماتية اتجهت حركة العالم أكثر فأكثر نحو اقتصاد المعرفة، حيث تحول رأس المال الدافع للإنتاج في هذا الاقتصاد الجديد من عملة ونقود وتوريق ومستلزمات إنتاج إلي أفكار وإبداع واختراع وتكنولوجيات حديثة.
وبمعني آخر فقد كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الأساسية للإنتاج في الاقتصاد القديم ، ولقد أصبح العنصر المهم في الإقتصاد الجديد هو الفكر والمعرفة والتقنيات الحديثة والابتكار والذكاء ونظم المعلومات، هذا معناه أن المعرفة وبكافة صورها ومصادرها ومحتواها أصبحت هي المحرك الرئيس للنمو الإقتصادي، وليس هناك مصدر لتوليد المعرفة أكبر أو أهم من التعليم والبحث العلمي سواء في جوانبه الإنسانية من فلسفة وآداب وتاريخ وفنون وعمارة، أوعلومه الأساسية من رياضيات وفيزياء وكيمياء، والتجريبية من التكنولوجيات الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والبيولوجيا الجزيئية والنواتج والبرامج الرقمية، وبدءاً من فهم وتوظيف مكونات الخلية حتي صنع حواسيب عملاقة من أغشية بيولوجية ومواد نانومترية جديدة، وهنا تبدت الأرباح الفلكية، وسواء سميناها فائض قيمة العمل أو القيمة المضافة فهي تشير إلي قيمة المحتوي المعرفي عالي القيمة. كيف؟
للإجابة نضرب هذا المثال التقريبي، إذا كانت قيمة المتر المكعب من الرمل هي مائة جنيه فإذا وضعت في تصنيع الخرسانة المسلحة فإن قميتها ترتفع إلي ألفي جنيه. أما إذا استخدمت في صناعة الزجاج والأكواب وغيرها فتصل قيمتها إلي عشرة آلاف جنيه، بينما حال استخدام هذه الرمال في صناعة كروت الكمبيوتر بعد تحويلها إلي السيلكون النقي، فقد يصل ثمنها إلي مئات ملايين الجنيهات. هنا القيمة المضافة لم تصبح هامشاً بسيطاً مقابل التكلفة ولكنها صارت رقماً فلكياً تنتج عما أضيف إليها من معرفة هي قيمة علم وتكنولوجيا وابتكار. هذا هو اقتصاد المعرفة وفي تبسيط أرجو ألا يكون مخلاً. وبذلك تكون القيمة المضافة مؤشراً علمياً وليس إنتاجياً فقط يساهم في تطوير التصنيع والإنتاج والاستثمار وفي زيادة الدخل القومي العام ودفع عجلة التنمية المستدامة باستيعاب عمالة جديدة مؤهلة في خطوط إنتاج حديثة وصناعات نظيفة قادرة علي المنافسة في الداخل والخارج والمشاركة في اقتصاديات العالم المتقدم.
وبشكل أو بآخر فإن عولمة الاقتصاد قد وضعت كافة الدول سواء الصناعية الكبري أو النامية أمام خيارات صعبة، وكان أن استوعبت الدول أن البني والهياكل التقليدية للتعليم وبناء القدرات التكنولوجية مثل الجامعات ومراكز الأبحاث ليست وحدها قادرة علي هذا التحدي دون إستحداث بني مكملة وآليات قادرة علي الابتكار innovation واحتضان الأفكار ومواهب الإبداع، وكان أن استحدثت مؤسسات جديدة من المدن التكنولوجية ووديان العلوم والتكنولوجيا Science Parks ومراكز التميز العلمي والحاضنات التكنولوجية Incubators وتجمعات صناعة المعرفة وحاضنات ريادة الأعمال.
وللدخول إلي ذلك الفكر المتقدم للعمل في إطار علوم اقتصاد المعرفة، ومواكبة ذلك العالم المتجدد، يتحتم علينا إجراء عملية تحديث منهجية لمنظومة التعليم والبحث العلمي تنزع لتنمية القدرات النقدية والتحليلية بديلاً للحفظ والاجترار.ولابد من خطة مؤسسية تنمي مدارك الوعي وأسس التفكير ومنهجية التعلم، وتؤسس لبناء القدرات وتنمية المهارات وتخلق الوعي بمفاهيم الحداثة والمعاصرة وسرعة الإستجابة والمبادرة. لابد للنهضة من شروط واستحقاقات أولاها أن يتحول نظامنا التعليمي من تعليم ناقل ينزع للحفظ والتلقين إلي تعليم عاقل يستهدف تنمية المهارات والقدرة علي التفكير والتجريب وبناء المعارف والنمو الذهني وتحفيز المبادرات، تعليم ينحو بنا من ثقافة الإيداع إلي آفاق الإبداع والابتكار والاختراع، تعليم يرتبط بلغة العصر ومستحدثاتها وعوالمها وطرائقها ومقتضياتها، تعليم لاتقوم فلسفته علي الوفاء بحاجة سوق العمل، إذ هي فلسفة كارثية ورؤية ضيقة الأفق. إذ كيف نسلم بأن تكون متطلبات سوق العمل هي المحدد لشكل وطبيعة وفلسفة وأهداف ووظيفية التعليم؟.
سوق العمل مهما اتسعت آفاقها أو تشعبت دروبها، لا تزال محدودة في مجتمع نام ودولة من العالم الثالث، بينما ينبغي ربط السياسات التعليمية وظيفياً بخطط تنموية طموحة في إطار مشروع أكبر للنهضة يتحول معها التعليم والبحث العلمي إلي المحور الرئيس في علاقات الإنتاج، وتكون فيه السياسات التعليمية هي المتغير الأساس في معادلة التطوير والتحديث والتنمية، لا المتغير التابع لسوق العمل ومتطلباتها المحدودة والمتخلفة بطبيعتها وظروفها عن مثيلاتها في الدول الصناعية الكبري والمتقدمة.
إن التعليم والبحث العلمي هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها، ولابديل من محاولة جادة لتحقيق نقلة نوعية في مفاهيم وفلسفة التعليم وأهدافه التنموية وربطه باقتصاديات إنتاج وإدارة المعرفة واستراتيجياتها الحديثة.هكذا كتبت لك في هذا المكان أكثر من مرة، وهكذا يتضح لك مما سبق أن مشكلة التعليم والبحث العلمي أكبر من المجانية التي كلما تحدث خبير أومستشار ألقي عليها العبء وحملها كل تبعات تخلف نظامنا التعليمي، بينما حقيقة الأمر أن المسئول هو السياسات التعليمية ورؤاها القاصرة، فالتعليم في كل الدول المتقدمة تحول بذاته رافداً أساسياً من روافد اقتصاد المعرفة، ورافعة كبري للتنمية ومحوراً للتقدم، ولارهان لنا يمكن أن يصدق ويحقق أهدافه إلا التعليم والبحث العلمي، وهو وحده القادر علي إحداث نقلة اقتصادية كبري، وإدخالنا إلي عالم اقتصاد المعرفة التي تكون فيها عوائده أكبر آلاف المرات من تكاليفة، حيث فائض القيمة لمنتجاته مهول مقارنة بمدخلاته.
وهكذا ينبغي أن تنظُر »‬بفتح التاء وسكون النون» الدولة وتنظِّر »‬بضم التاء وفتح النون» لفلسفة جديدة للسياسات التعليمية، في رؤية قادرة علي المبادرة واجتراح مانتصوره حتي الآن مستحيلاً وعائقاً، بينما العالم يراه ضرورة ويمارسه واقعاً، وأقصد أن يمول التعليم مخططات التنمية ولايكون عبئاً عليها. هذا هو الطريق، وعداه محض مماحكات تفتقد العلم بقدرات التعليم وإمكاناته وبرامجه وسياساته التي جربها العالم المتقدم حولنا، ولانزال نحن نتكلم عن المجانية ونتمحك في دواعيها وتداعياتها.
إن أية نظرة للتعليم باعتباره مستهلكاً لإمكانات الدولة وعالة عليها، بدلاً من اعتباره مدخلاً واسعاً ومنتجاً للتنمية ومؤسساً لمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، فإنما هو وضع للعربة قبل الحصان، سوف يراكم ويضخم من مشكلة البطالة، ويحيلنا إلي مشكلات أكبر تمس عصب العدالة الاجتماعية وتعيد التأسيس للطبقية والتمييز، مما يمكن أن يهدد سلامنا الاجتماعي ويؤخر رهان التقدم والنهضة.
التعليم والبحث العلمي هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها، ولابديل من محاولة جادة لتحقيق نقلة نوعية في مفاهيم وفلسفة التعليم وأهدافه التنموية وربطه باقتصاديات إنتاج وإدارة المعرفة واستراتيجياتها الحديثة.
إذا كان عصر الثورة الصناعية قد أوجد الثروة عبر استثمار الآلة عوضاً عن الإنسان، فإن الاقتصاديات الجديدة قد ردت الاعتبار لهذا الإنسان واعتمدت في تكوين الثروة علي معارفه وإبداعاته التي راكمها عبر تاريخ طويل من التجريب العلمي ونواتجه وتطبيقاته، ومنذ عقد التسعينيات في القرن العشرين ومع بزوغ ثورة الاتصالات والمعلوماتية اتجهت حركة العالم أكثر فأكثر نحو اقتصاد المعرفة، حيث تحول رأس المال الدافع للإنتاج في هذا الاقتصاد الجديد من عملة ونقود وتوريق ومستلزمات إنتاج إلي أفكار وإبداع واختراع وتكنولوجيات حديثة.
وبمعني آخر فقد كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الأساسية للإنتاج في الاقتصاد القديم ، ولقد أصبح العنصر المهم في الإقتصاد الجديد هو الفكر والمعرفة والتقنيات الحديثة والابتكار والذكاء ونظم المعلومات، هذا معناه أن المعرفة وبكافة صورها ومصادرها ومحتواها أصبحت هي المحرك الرئيس للنمو الإقتصادي، وليس هناك مصدر لتوليد المعرفة أكبر أو أهم من التعليم والبحث العلمي سواء في جوانبه الإنسانية من فلسفة وآداب وتاريخ وفنون وعمارة، أوعلومه الأساسية من رياضيات وفيزياء وكيمياء، والتجريبية من التكنولوجيات الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والبيولوجيا الجزيئية والنواتج والبرامج الرقمية، وبدءاً من فهم وتوظيف مكونات الخلية حتي صنع حواسيب عملاقة من أغشية بيولوجية ومواد نانومترية جديدة، وهنا تبدت الأرباح الفلكية، وسواء سميناها فائض قيمة العمل أو القيمة المضافة فهي تشير إلي قيمة المحتوي المعرفي عالي القيمة. كيف؟
للإجابة نضرب هذا المثال التقريبي، إذا كانت قيمة المتر المكعب من الرمل هي مائة جنيه فإذا وضعت في تصنيع الخرسانة المسلحة فإن قميتها ترتفع إلي ألفي جنيه. أما إذا استخدمت في صناعة الزجاج والأكواب وغيرها فتصل قيمتها إلي عشرة آلاف جنيه، بينما حال استخدام هذه الرمال في صناعة كروت الكمبيوتر بعد تحويلها إلي السيلكون النقي، فقد يصل ثمنها إلي مئات ملايين الجنيهات. هنا القيمة المضافة لم تصبح هامشاً بسيطاً مقابل التكلفة ولكنها صارت رقماً فلكياً تنتج عما أضيف إليها من معرفة هي قيمة علم وتكنولوجيا وابتكار. هذا هو اقتصاد المعرفة وفي تبسيط أرجو ألا يكون مخلاً. وبذلك تكون القيمة المضافة مؤشراً علمياً وليس إنتاجياً فقط يساهم في تطوير التصنيع والإنتاج والاستثمار وفي زيادة الدخل القومي العام ودفع عجلة التنمية المستدامة باستيعاب عمالة جديدة مؤهلة في خطوط إنتاج حديثة وصناعات نظيفة قادرة علي المنافسة في الداخل والخارج والمشاركة في اقتصاديات العالم المتقدم.
وبشكل أو بآخر فإن عولمة الاقتصاد قد وضعت كافة الدول سواء الصناعية الكبري أو النامية أمام خيارات صعبة، وكان أن استوعبت الدول أن البني والهياكل التقليدية للتعليم وبناء القدرات التكنولوجية مثل الجامعات ومراكز الأبحاث ليست وحدها قادرة علي هذا التحدي دون إستحداث بني مكملة وآليات قادرة علي الابتكار innovation واحتضان الأفكار ومواهب الإبداع، وكان أن استحدثت مؤسسات جديدة من المدن التكنولوجية ووديان العلوم والتكنولوجيا Science Parks ومراكز التميز العلمي والحاضنات التكنولوجية Incubators وتجمعات صناعة المعرفة وحاضنات ريادة الأعمال.
وللدخول إلي ذلك الفكر المتقدم للعمل في إطار علوم اقتصاد المعرفة، ومواكبة ذلك العالم المتجدد، يتحتم علينا إجراء عملية تحديث منهجية لمنظومة التعليم والبحث العلمي تنزع لتنمية القدرات النقدية والتحليلية بديلاً للحفظ والاجترار.ولابد من خطة مؤسسية تنمي مدارك الوعي وأسس التفكير ومنهجية التعلم، وتؤسس لبناء القدرات وتنمية المهارات وتخلق الوعي بمفاهيم الحداثة والمعاصرة وسرعة الإستجابة والمبادرة. لابد للنهضة من شروط واستحقاقات أولاها أن يتحول نظامنا التعليمي من تعليم ناقل ينزع للحفظ والتلقين إلي تعليم عاقل يستهدف تنمية المهارات والقدرة علي التفكير والتجريب وبناء المعارف والنمو الذهني وتحفيز المبادرات، تعليم ينحو بنا من ثقافة الإيداع إلي آفاق الإبداع والابتكار والاختراع، تعليم يرتبط بلغة العصر ومستحدثاتها وعوالمها وطرائقها ومقتضياتها، تعليم لاتقوم فلسفته علي الوفاء بحاجة سوق العمل، إذ هي فلسفة كارثية ورؤية ضيقة الأفق. إذ كيف نسلم بأن تكون متطلبات سوق العمل هي المحدد لشكل وطبيعة وفلسفة وأهداف ووظيفية التعليم؟.
سوق العمل مهما اتسعت آفاقها أو تشعبت دروبها، لا تزال محدودة في مجتمع نام ودولة من العالم الثالث، بينما ينبغي ربط السياسات التعليمية وظيفياً بخطط تنموية طموحة في إطار مشروع أكبر للنهضة يتحول معها التعليم والبحث العلمي إلي المحور الرئيس في علاقات الإنتاج، وتكون فيه السياسات التعليمية هي المتغير الأساس في معادلة التطوير والتحديث والتنمية، لا المتغير التابع لسوق العمل ومتطلباتها المحدودة والمتخلفة بطبيعتها وظروفها عن مثيلاتها في الدول الصناعية الكبري والمتقدمة.
إن التعليم والبحث العلمي هما الشفرة التي صنعت بها الأمم نهضتها، ولابديل من محاولة جادة لتحقيق نقلة نوعية في مفاهيم وفلسفة التعليم وأهدافه التنموية وربطه باقتصاديات إنتاج وإدارة المعرفة واستراتيجياتها الحديثة.هكذا كتبت لك في هذا المكان أكثر من مرة، وهكذا يتضح لك مما سبق أن مشكلة التعليم والبحث العلمي أكبر من المجانية التي كلما تحدث خبير أومستشار ألقي عليها العبء وحملها كل تبعات تخلف نظامنا التعليمي، بينما حقيقة الأمر أن المسئول هو السياسات التعليمية ورؤاها القاصرة، فالتعليم في كل الدول المتقدمة تحول بذاته رافداً أساسياً من روافد اقتصاد المعرفة، ورافعة كبري للتنمية ومحوراً للتقدم، ولارهان لنا يمكن أن يصدق ويحقق أهدافه إلا التعليم والبحث العلمي، وهو وحده القادر علي إحداث نقلة اقتصادية كبري، وإدخالنا إلي عالم اقتصاد المعرفة التي تكون فيها عوائده أكبر آلاف المرات من تكاليفة، حيث فائض القيمة لمنتجاته مهول مقارنة بمدخلاته.
وهكذا ينبغي أن تنظُر »‬بفتح التاء وسكون النون» الدولة وتنظِّر »‬بضم التاء وفتح النون» لفلسفة جديدة للسياسات التعليمية، في رؤية قادرة علي المبادرة واجتراح مانتصوره حتي الآن مستحيلاً وعائقاً، بينما العالم يراه ضرورة ويمارسه واقعاً، وأقصد أن يمول التعليم مخططات التنمية ولايكون عبئاً عليها. هذا هو الطريق، وعداه محض مماحكات تفتقد العلم بقدرات التعليم وإمكاناته وبرامجه وسياساته التي جربها العالم المتقدم حولنا، ولانزال نحن نتكلم عن المجانية ونتمحك في دواعيها وتداعياتها.
إن أية نظرة للتعليم باعتباره مستهلكاً لإمكانات الدولة وعالة عليها، بدلاً من اعتباره مدخلاً واسعاً ومنتجاً للتنمية ومؤسساً لمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، فإنما هو وضع للعربة قبل الحصان، سوف يراكم ويضخم من مشكلة البطالة، ويحيلنا إلي مشكلات أكبر تمس عصب العدالة الاجتماعية وتعيد التأسيس للطبقية والتمييز، مما يمكن أن يهدد سلامنا الاجتماعي ويؤخر رهان التقدم والنهضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.