سفارة قطر بالقاهرة تعرب عن بالغ حزنها لوفاة ثلاثة من منتسبي الديوان الأميري في حادث    عملية انتقامية وانتهت، طالبان تعلن توقف الاشتباكات المسلحة مع باكستان    واشنطن تهدد بوقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع لندن بسبب قضية تجسس صينية    كادت أن تتحول لكارثة، حادث مرعب لطائرة منتخب نيجيريا في الهواء قبل مواجهة بنين (صور)    السرعة الزائدة واختلال عجلة القيادة وراء حادث الوفد القطري قرب شرم الشيخ    مصادر ل "فيتو": ضحايا قطر في شرم الشيخ من العاملين بالسفارة وحراس أمن ومسئولي بروتوكولات    جميعهم من أسرة واحدة، مصرع 6 أشخاص وإصابة آخر في تصادم مروع بطريق "قفط – القصير"    رشوان توفيق يرد على شائعات وفاته: حزين جدا وقالوا قبل كدا على حسن حسني ومات    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    صعود جماعي في قطاعات البورصة المصرية يقوده المقاولات والبنوك خلال أسبوع التداول المنتهي    إيطاليا تتفوق على إستونيا بثلاثية في تصفيات كأس العالم    طقس معتدل نهارًا ومائل للبرودة ليلًا.. الأرصاد تحذر من شبورة مائية وأمطار خفيفة اليوم الأحد    "الزمالك بيموت".. حسام المندوه يكشف آخر تطورات سحب ارض النادي في 6 أكتوبر    كبير خدم الأميرة ديانا يكشف سرا جديدا عن قصر باكنغهام    حقوق عين شمس تُكرم رئيس هيئة قضايا الدولة بمناسبة اليوبيل الماسي    مصرع 37 شخصًا في فيضانات وانهيارات أرضية بالمكسيك    عاجل- «لا تفاصيل حول الجثامين».. حماس ترد على مصير جثتي يحيى السنوار وأخيه وملف الأسرى بين الأمل والتعنت    نتيجة اختلال عجلة القيادة.. حادث مؤسف لوفد دبلوماسي قطري قبل شرم الشيخ ووفاة 3 وإصابة 3    نهاية عصابة «مخدرات الوراق».. المشدد 6 سنوات لأربعة عاطلين    المؤبد لأب ونجليه.. قتلوا جارهم وروعوا المواطنين بالخصوص    أحمد حسن: أبو ريدة طالبنا بالتتويج بكأس العرب بسبب العائد المادي    حقيقة رعب مذيعة الجزيرة من فأر أثناء البث المباشر.. والقناة تكشف تفاصيل الفيديو المتداول    زوج إيناس الدغيدي: «إسمي أحمد سوكارنو وعندي 3 أبناء»    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    «مخيتريان»: «مورينيو» وصفني بالحقير.. و«إنزاجي» منحني ثقة مفرطة    العراق يحسمها في الوقت القاتل أمام إندونيسيا ويواصل مسيرته بثبات    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    إيطاليا تواصل صحوتها بثلاثية أمام إستونيا    «الكهرباء»: الهيئات النووية المصرية تمتلك كفاءات متراكمة نعمل على دعمها    وزير الأوقاف فى الندوة التثقيفية بالإسماعيلية: الوعى أساس بناء الوطن    مفاجأة.. مستقبل وطن يتراجع عن الدفع بمالك النساجون الشرقيون في بلبيس (خاص)    بأكثر من 9 تريليونات جنيه.. دفاتر الإقراض البنكي تكشف خريطة مصر 2026    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 (آخر تحديث)    «القومي للبحوث»: مصر بعيدة عن الأحزمة الزلزالية    كوبا تنفي المشاركة بأفراد عسكريين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا    ضبط منافذ بيع الحيوانات.. قرارات عاجلة من النيابة بشأن تمساح حدائق الأهرام    أسعار الليمون والطماطم والخضار بالأسواق اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    محافظ كفر الشيخ: تنفيذ 6 قرارات إزالة على أراضى أملاك الدولة والأراضى الزراعية    أسعار السيارات الجديدة في مصر    هناك ما يثير قلقك لكن لا تنجر وراءه.. حظ برج القوس اليوم 12 أكتوبر    خالد عجاج ينهار باكيًا على الهواء أثناء غناء «الست دي أمي» (فيديو)    رونالدينيو ومحمد رمضان ومنعم السليماني يجتمعون في كليب عالمي    البرومو الثاني ل«إن غاب القط».. آسر ياسين وأسماء جلال يختبران أقصى درجات التشويق    مسلسل لينك الحلقة الأولى.. عائلة ودفء وعلاقات إنسانية ونهاية مثيرة    مصادر: قائمة «المستقبل» تكتسح انتخابات التجديد النصفي ل«الأطباء»    4 خطوات ل تخزين الأنسولين بأمان بعد أزمة والدة مصطفى كامل: الصلاحية تختلف من منتج لآخر وتخلص منه حال ظهور «عكارة»    لو خلصت تشطيب.. خطوات تنظيف السيراميك من الأسمنت دون إتلافه    أمر محوري.. أهم المشروبات لدعم صحة الكبد وتنظيفه من السموم    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    محافظ المنيا: رعاية النشء والشباب أولوية لبناء المستقبل وخلق بيئة محفزة للإبداع    مستشفى "أبشواي المركزي" يجري 10 عمليات ليزر شرجي بنجاح    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    قبل انطلاق أسبوع القاهرة للمياه.. "سويلم" يلتقي نائب وزير الموارد المائية الصينية    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاتحول سعوديا ولاقلق مصريا
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 10 - 03 - 2015

يكفينا في هذه المرحلة الدعم السياسي واللوجستي من السعودية والخليج، ولانحرجهم بالإنضمام للقوة العربية المشتركة، لما نتفهمه من ترتيب الأولويات الجيواستراتيجية والضغوط الدولية
للوهلة الأولي قد يحيلك عنوان المقال إلي ماكتبه د. خالد الدخيلفي »‬الحياة» الأحد 1 مارس الجاري »‬ التحول السعودي والقلق المصري» فتحسبني أكتب رداً عليه، لكن واقع الأمر أني أتجاوز ماكتبه إلي ماهو أهم وأبقي، وإن كان بعضاً مما انتهي إليه مقاله يصلح مدخلاً لما ننتوي عرضه، لا لأهميته ولكن لما أشيع عن قربه من دوائر صنع القرار بالمملكة، ولكونه أستاذاً مساعداً للاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود، وأستاذ زائر في مؤسسة كارنيجي للسلام بواشنطن، إذ اعتبر أن علاقات السعودية بمصر ليست »‬شيكا علي بياض أو منحة ملكية لاترد» كما يراها البعض في مصر، وأن تورط بعض وسائل الإعلام المصري »‬في الإساءة النابية لقطر وفي الضرب تحت الحزام بطريقة واضحة في النظام السعودي نفسه»، بما يعكس »‬أن بعض الإعلام المصري علي الأقل لا يزال رهينة خطاب خمسينات القرن الماضي وستيناته، آنذاك كانت اللغة النابية، والتهديد المبطن، والضرب تحت الحزام وسيلة يقصد بها الضغط والابتزاز،
ويستبطن شعوراً عميقاً بأن الخيار الذي اتخذته الدولة المصرية بعد انقلاب 30 يونيو ربما هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه». ثم هو يري »‬أن جماعة الإخوان تحولت في مصر إلي نوع من العقدة الفكرية والسياسية، وأن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من الإخوان، ولا للموقف من تركيا التي تتعاطف مع الإخوان. فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية،فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية الإخوان كمسألة محلية مصرية في الأساس»،وهو يري أيضاً »‬أن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، فتركيا هي إحدي أهم الدول الكبيرة في المنطقة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها السياسي، إلي جانب كونها عضواً في الناتو وفي مجموعة العشرين الدولية».
وعلي مافي هذا الكلام من خروج علي مقتضي اللياقة بالتطاول والسب، وتجاوز الأكاديمية بعدم الموضوعية في الحكم والتحليل، والإدعاء بالقول وسوء التأويل،فهو لم يأت بجديد،وهي أفكارسبق أن كتبها قبله جمال خاشقجي في مقاله »‬ لكل زمان دولة ورجال وسياسة خارجية»في نفس الجريدة31 يناير الماضي، وهو نفسه رأي »‬كارنيجي» والمنتسبين لها وللإدارة الأمريكية، لكن الملفت هذه المرة هو محاولة الإيحاء في المقال، بأنه يقدم رؤية الإدارة السعودية الجديدة مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو بذلك يحمل المملكة مالم يتضح من مواقفها التي لاتزال داعمة لمصر باعتبارات الأمن القومي العربي، وباعتبارات الرؤية الجيواستراتيجية الناضجة للإدارة المصرية التي تري أمن الخليج جزءاً من أمنها القومي، والتي تأتي مقولة السيسي »‬مسافة السكة» في إطارها، ولم يسبق للسيسي أو لغيره من المصريين أن أنكر علي السعودية حقها في إدارة ملفاتها السياسية، وتعاملها في الإقليم وفق مصالحها الاستراتيجية التي يمكن أن تري فيها أهمية للتعاون مع تركيا درءاً أو تحجيماً للحضور الإيراني الذي يمتد نفوذه إلي الخليج في العراق واليمن وربما أيضاً سوريا ولبنان، وإن كنا نفضل أن يتم تجسير الفجوات السياسية مع إيران، ولعل مصر أقدر علي القيام بهذا الدور. وفي تقديري أن الرئيس المصري الذي زار السعودية في وجود أردوغان يعرف هذا جيداً ولاينكره علي المملكة وإلا لما قام بالزيارة في نفس التوقيت الذي كان فيه الرئيس التركي حاضراً. ولعل في هذا التزامن إشارة سعودية لاتغفلها الرؤية المصرية ولا مخططي سياساتها وواضعي استراتيجياتها أوأجهزة معلوماتها، بل كان اللواء خالد فوزي وزير المخابرات المصرية حاضراً ضمن الوفد المرافق للرئيس في زيارته للمملكة.
ولعل تصريحات السيسي بعد الزيارة ركزت علي أمن البحر الأحمر وباب المندب واليمن وسوريا أكثر مما ركزت علي أولويات مصر في سيناء وليبيا والقوة العربية المشتركة لمحاربة الإرهاب، التي نعرف أن الخليج ليس متحمساً لها بالقدر الكافي لإعتبارات جيواستراتيجية وربما أيضاً لضغوط أمريكية. ولعلنا نتفهم الأولويات الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً، وحاجتها لتأمين حدودها مع اليمن في عسير ونجران من أية أخطار محتملة، فصاعدة علي الحدود تتفاعل فيها الأطماع الإيرانية في المنطقة بوكلائهم الحوثيون الذين هم التهديد الأول للجغرافيا السعودية بحراً وأرضاً ومعهم في نفس السلة الملغومة تنظيمات القاعدة والإخوان وأنصار الله، ومن الناحية الأخري في العراق وسوريا خطر »‬داعش» و»النصرة» و»أنصار الشريعة» المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها و»الناتو» الذي تركيا عضو فيه ومعبر الإرهابيين من أوروبا وآسيا إلي حيث تمركزهم في الأراضي السورية. نتفهم هذا، ونفهم أيضاً دور الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو في دعم الفوضي والإرهاب علي حدودنا الغربية مع ليبيا، وكيف أجهضوا ومعهم دول عربية شقيقة قراراً لمجلس الأمن بوقف منع تسليح الجيش الليبي، وكيف عملوا علي أن تظل الأوضاع الأمنية الليبية في سيولة تسمح لداعش بالتمركز في درنة والإنطلاق منها حيث حلفائهم من الإخوان وفجر ليبيا في طرابلس وبنغازي وبقية الأراضي الليبية تتنازعها حكومتان وبرلمانان وفصائل مسلحة، ليمتد خطرها إلي شمال إفريقيا، حيث مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا، وحيث بوكو حرام والمحاكم الشرعية وبقية الكيانات الإرهابية المزروعة عمداً والمدعومة سلاحاً وتمويلاً من قطر وتركيا والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين هم أقرب من السعودية ودول الخليج إلي تهديدات داعش المتطلعة لعبور المتوسط إلي روما، لزرع الإرهاب الذي يقوض الأمن الإقليمي ويغذي أزمة مهاجرين متزايدة إلي شمال المتوسط الأوروبي.
وعلي ذكر أوروبا، فقد تزامن أن طالعت يوم الأحد ايضا تصريحات »‬فولفجانج شيوبله» وزير مالية ألمانيا، الدائن الرئيسي لليونان التي يتجاوز دعم الإتحاد الأوروبي لها 320 مليار يورو، وصدق البوندستاج »‬البرلمان الألماني» علي منحها 21 مليار يورو في 2015. اليونان التي انتخبت علي غير توجهات أوروبا وألمانيا، حكومة يسارية برئاسة »‬ أليكسيس تسيبراس» زعيم إئتلاف اليسار المتطرف »‬سيريزا»، تدعمها ألمانيا حتي لاينفرط عقد الإتحاد الأوروبي، وحتي لاتسقط إحدي دوله في دوائر الفشل، أو تسبب خطراً ديموجرافيا وسياسياً لأوروبا بالهجرة واللاجئين، هكذا هي المسئولية التضامنية بين الأمم، التي لايعاير فيها أحد بأنه يريد دعماً أو شيكاً علي بياض.
من هنا نري أن تركز مصر في محاربة الإرهاب في سيناء، وأن تستمر بالتنسيق الفعال مع الحكومة الليبية ومؤسساتها لضرب مراكز الإرهاب علي حدودنا الغربية، ويكفينا في هذه المرحلة الدعم السياسي واللوجستي من السعودية والخليج، ولانحرجهم بالإنضمام للقوة العربية المشتركة، لما نتفهمه من ترتيب الأولويات الجيواستراتيجية والضغوط الدولية، ولما نراه من عدم توسيع العمليات في المرحلة الحالية، التي ينبغي أن نمهد فيها جسوراً لتوازنات القوي الإقليمية، ولا يتصور أحد أن التقارب السعودي التركي يمكن أن يزعجنا، وحتي لايدعي أحد بالتحول السعودي ولا القلق المصري.
يكفينا في هذه المرحلة الدعم السياسي واللوجستي من السعودية والخليج، ولانحرجهم بالإنضمام للقوة العربية المشتركة، لما نتفهمه من ترتيب الأولويات الجيواستراتيجية والضغوط الدولية
للوهلة الأولي قد يحيلك عنوان المقال إلي ماكتبه د. خالد الدخيلفي »‬الحياة» الأحد 1 مارس الجاري »‬ التحول السعودي والقلق المصري» فتحسبني أكتب رداً عليه، لكن واقع الأمر أني أتجاوز ماكتبه إلي ماهو أهم وأبقي، وإن كان بعضاً مما انتهي إليه مقاله يصلح مدخلاً لما ننتوي عرضه، لا لأهميته ولكن لما أشيع عن قربه من دوائر صنع القرار بالمملكة، ولكونه أستاذاً مساعداً للاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود، وأستاذ زائر في مؤسسة كارنيجي للسلام بواشنطن، إذ اعتبر أن علاقات السعودية بمصر ليست »‬شيكا علي بياض أو منحة ملكية لاترد» كما يراها البعض في مصر، وأن تورط بعض وسائل الإعلام المصري »‬في الإساءة النابية لقطر وفي الضرب تحت الحزام بطريقة واضحة في النظام السعودي نفسه»، بما يعكس »‬أن بعض الإعلام المصري علي الأقل لا يزال رهينة خطاب خمسينات القرن الماضي وستيناته، آنذاك كانت اللغة النابية، والتهديد المبطن، والضرب تحت الحزام وسيلة يقصد بها الضغط والابتزاز،
ويستبطن شعوراً عميقاً بأن الخيار الذي اتخذته الدولة المصرية بعد انقلاب 30 يونيو ربما هو أكثر هشاشة مما يبدو عليه». ثم هو يري »‬أن جماعة الإخوان تحولت في مصر إلي نوع من العقدة الفكرية والسياسية، وأن علاقات السعودية ومصر لا يجب أن تكون مرتهنة لا للموقف من الإخوان، ولا للموقف من تركيا التي تتعاطف مع الإخوان. فإذا كان استقرار مصر هو مصلحة استراتيجية سعودية،فإن واجب السعودية أن تتعامل مع قضية الإخوان كمسألة محلية مصرية في الأساس»،وهو يري أيضاً »‬أن استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة، فتركيا هي إحدي أهم الدول الكبيرة في المنطقة بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، ودورها السياسي، إلي جانب كونها عضواً في الناتو وفي مجموعة العشرين الدولية».
وعلي مافي هذا الكلام من خروج علي مقتضي اللياقة بالتطاول والسب، وتجاوز الأكاديمية بعدم الموضوعية في الحكم والتحليل، والإدعاء بالقول وسوء التأويل،فهو لم يأت بجديد،وهي أفكارسبق أن كتبها قبله جمال خاشقجي في مقاله »‬ لكل زمان دولة ورجال وسياسة خارجية»في نفس الجريدة31 يناير الماضي، وهو نفسه رأي »‬كارنيجي» والمنتسبين لها وللإدارة الأمريكية، لكن الملفت هذه المرة هو محاولة الإيحاء في المقال، بأنه يقدم رؤية الإدارة السعودية الجديدة مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو بذلك يحمل المملكة مالم يتضح من مواقفها التي لاتزال داعمة لمصر باعتبارات الأمن القومي العربي، وباعتبارات الرؤية الجيواستراتيجية الناضجة للإدارة المصرية التي تري أمن الخليج جزءاً من أمنها القومي، والتي تأتي مقولة السيسي »‬مسافة السكة» في إطارها، ولم يسبق للسيسي أو لغيره من المصريين أن أنكر علي السعودية حقها في إدارة ملفاتها السياسية، وتعاملها في الإقليم وفق مصالحها الاستراتيجية التي يمكن أن تري فيها أهمية للتعاون مع تركيا درءاً أو تحجيماً للحضور الإيراني الذي يمتد نفوذه إلي الخليج في العراق واليمن وربما أيضاً سوريا ولبنان، وإن كنا نفضل أن يتم تجسير الفجوات السياسية مع إيران، ولعل مصر أقدر علي القيام بهذا الدور. وفي تقديري أن الرئيس المصري الذي زار السعودية في وجود أردوغان يعرف هذا جيداً ولاينكره علي المملكة وإلا لما قام بالزيارة في نفس التوقيت الذي كان فيه الرئيس التركي حاضراً. ولعل في هذا التزامن إشارة سعودية لاتغفلها الرؤية المصرية ولا مخططي سياساتها وواضعي استراتيجياتها أوأجهزة معلوماتها، بل كان اللواء خالد فوزي وزير المخابرات المصرية حاضراً ضمن الوفد المرافق للرئيس في زيارته للمملكة.
ولعل تصريحات السيسي بعد الزيارة ركزت علي أمن البحر الأحمر وباب المندب واليمن وسوريا أكثر مما ركزت علي أولويات مصر في سيناء وليبيا والقوة العربية المشتركة لمحاربة الإرهاب، التي نعرف أن الخليج ليس متحمساً لها بالقدر الكافي لإعتبارات جيواستراتيجية وربما أيضاً لضغوط أمريكية. ولعلنا نتفهم الأولويات الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً، وحاجتها لتأمين حدودها مع اليمن في عسير ونجران من أية أخطار محتملة، فصاعدة علي الحدود تتفاعل فيها الأطماع الإيرانية في المنطقة بوكلائهم الحوثيون الذين هم التهديد الأول للجغرافيا السعودية بحراً وأرضاً ومعهم في نفس السلة الملغومة تنظيمات القاعدة والإخوان وأنصار الله، ومن الناحية الأخري في العراق وسوريا خطر »‬داعش» و»النصرة» و»أنصار الشريعة» المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها و»الناتو» الذي تركيا عضو فيه ومعبر الإرهابيين من أوروبا وآسيا إلي حيث تمركزهم في الأراضي السورية. نتفهم هذا، ونفهم أيضاً دور الولايات المتحدة وبريطانيا والناتو في دعم الفوضي والإرهاب علي حدودنا الغربية مع ليبيا، وكيف أجهضوا ومعهم دول عربية شقيقة قراراً لمجلس الأمن بوقف منع تسليح الجيش الليبي، وكيف عملوا علي أن تظل الأوضاع الأمنية الليبية في سيولة تسمح لداعش بالتمركز في درنة والإنطلاق منها حيث حلفائهم من الإخوان وفجر ليبيا في طرابلس وبنغازي وبقية الأراضي الليبية تتنازعها حكومتان وبرلمانان وفصائل مسلحة، ليمتد خطرها إلي شمال إفريقيا، حيث مالي والنيجر والجزائر وموريتانيا، وحيث بوكو حرام والمحاكم الشرعية وبقية الكيانات الإرهابية المزروعة عمداً والمدعومة سلاحاً وتمويلاً من قطر وتركيا والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين هم أقرب من السعودية ودول الخليج إلي تهديدات داعش المتطلعة لعبور المتوسط إلي روما، لزرع الإرهاب الذي يقوض الأمن الإقليمي ويغذي أزمة مهاجرين متزايدة إلي شمال المتوسط الأوروبي.
وعلي ذكر أوروبا، فقد تزامن أن طالعت يوم الأحد ايضا تصريحات »‬فولفجانج شيوبله» وزير مالية ألمانيا، الدائن الرئيسي لليونان التي يتجاوز دعم الإتحاد الأوروبي لها 320 مليار يورو، وصدق البوندستاج »‬البرلمان الألماني» علي منحها 21 مليار يورو في 2015. اليونان التي انتخبت علي غير توجهات أوروبا وألمانيا، حكومة يسارية برئاسة »‬ أليكسيس تسيبراس» زعيم إئتلاف اليسار المتطرف »‬سيريزا»، تدعمها ألمانيا حتي لاينفرط عقد الإتحاد الأوروبي، وحتي لاتسقط إحدي دوله في دوائر الفشل، أو تسبب خطراً ديموجرافيا وسياسياً لأوروبا بالهجرة واللاجئين، هكذا هي المسئولية التضامنية بين الأمم، التي لايعاير فيها أحد بأنه يريد دعماً أو شيكاً علي بياض.
من هنا نري أن تركز مصر في محاربة الإرهاب في سيناء، وأن تستمر بالتنسيق الفعال مع الحكومة الليبية ومؤسساتها لضرب مراكز الإرهاب علي حدودنا الغربية، ويكفينا في هذه المرحلة الدعم السياسي واللوجستي من السعودية والخليج، ولانحرجهم بالإنضمام للقوة العربية المشتركة، لما نتفهمه من ترتيب الأولويات الجيواستراتيجية والضغوط الدولية، ولما نراه من عدم توسيع العمليات في المرحلة الحالية، التي ينبغي أن نمهد فيها جسوراً لتوازنات القوي الإقليمية، ولا يتصور أحد أن التقارب السعودي التركي يمكن أن يزعجنا، وحتي لايدعي أحد بالتحول السعودي ولا القلق المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.