"بوكو حرام" في محافظة الفيوم، كان العنوان الذي تصدر الصفحات الأولى للصحف الأسبوع الماضي، المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام أعطت انطباعاً بأن أفكار جماعة نيجيرية متطرفة قد تسللت إلى القرية النائية، وجعلت عدداً من الأفراد المتشددين يقاطعون مؤسسات الدولة ويمتنعون عن الصلاة بالمساجد ويحرمون أكل اللحم. المعلومات الخطيرة دفعتنا للقيام بمغامرة لاستكشاف القرية »الملغومة«، لكن الاهالي اكدوا ان الامور بعيدة تماما عما ذكره الاعلام، حتي ان خطيب القرية وصف هذه المعلومات بالكذب في خطبة الجمعة، قابلنا عددا من اعضاء الجماعة فأكدوا انهم كانوا ينتمون بالفعل قبل سنوات لجماعة تكفيرية لكنهم تصالحوا مع الدولة وفجروا مفاجأة عندما أعلنوا ان سبب الشائعات الاخيرة هو النزاع على قطعة أرض بور. لم يتملكنا الخوف عند انطلاقنا من القاهرة إلي قرية الجواهرجي، ففضولنا كان اقوي من اي مشاعر أخري، انطلقنا بالسيارة من أمام مبني "أخباراليوم" لرصد ما يحدث داخل القرية أثناء الصلاة قبل وصولنا القرية بحوالي عشرة كيلو مترات، صادفنا شخصا بسيطا مرتديا جلباباً سألناه عن مكان القرية، ففاجأنا بانه منها وانه كان متوجها لمنزله، استقل معنا السيارة واقتادنا اليها، ليستقبلنا في منزله المتواضع البسيط المكون من طابق واحد، لا يختلف كثيرا عن حال القرية وبيوتها المتواضعة واهلها البسطاء، ينطق حالها بأنها قرية منسية كغيرها من آلاف القري والنجوع في باقي الجمهورية، حيث لاحظنا الاطفال والفتيات والنساء يتجمعون حول «حنفية مياه» موصولة بماسورة ضخمة، وماهي الا لحظات حتي دخل علينا ابن عمه شعيب كُريم عبد الرحمن في العقد الخامس من العمر يعتبر شعيب هو الشخص الوحيد في قرية الجواهرجي المتعلم من ابناء جيله ،و قبل اي حديث بادرنا شعيب بسؤاله: «حضراتكم جايين علشان الموضوع اللي اتنشر في الجرايد الاسبوع إلي فات ؟» أكد كلامه فقال لنا ان عدد هؤلاء الاشخاص لا يتعدي عشرة فقط، فكل شخص له الحق في فكره ومعتقداته مادام لا يضر بذلك أحداً. أضاف، أن هؤلاء الاشخاص ليس لهم اي نشاط عدائي، ويعيشون بيننا منذ سنوات عديدة ولم نر منهم اي شئ يغضبنا، فجميع اهالي البلدة اما اقرباء او بينهم «نسب» ومشكلتهم الوحيدة هي انهم لا يصلون في مسجد القرية وهذا يرجع لهم فكل شخص حر في تصرفه، ترك شعيب امر هذه الجماعة وانتهز الفرصة للحديث عن مشكلات اهالي القرية ومنها مشكلة المياه رغم وجود مرافق لها في القرية الا انها لا تأتي الا علي فترات بعيدة وتنقطع بالايام، وايضا مشكلة التعليم لعدم توافر مدارس بمراحلها التعليمية المختلفة سوي مدرسة ابتدائية واحدة تم انشاؤها في عام 2002 تقريبا بعد سعيه ومطالبة المسئولين بالدولة بضرورة انشاء مدرسة في قريتهم، وما يحتاجونه الآن قيام وزارة التربية والتعليم بانشاء ولو فصل واحد للمرحلة الاعدادية وآخر للمرحلة الثانوية، حيث ان اقرب مدرسة اعدادية لقريتهم تبعد ما لا يقل عن 20 كيلو مترا، وان اغلب اهالي القرية الذين يبلغ عددهم حوالي 3 آلاف نسمة فقراء ويعملون باليومية في مجال الزراعة، فقد يعملون يوميا ويتوقفون عدة ايام لعدم وجود عمل. كما طالب شعيب، وعدد من أهالي البلدة بقيام الدولة بتقنين الاراضي الزراعية التي يزرعونها ،فهي اراض مملوكة للدولة وحصلوا عليها عن طريق وضع اليد في فترة الثمانينيات وقد اقر القانون بحقهم في امتلاكها، مشيرا انهم علي استعداد لتقنين اوضاعهم مع الدولة وسداد قيمة هذه الاراضي علي الرغم انهم يدفعون قيمة الايجار السنوي لادارة الري التابعين لها وتتعدي ألف جنيه لكل فدان، ولكن المشكلة تكمن في البيروقراطية، حيث انهم يوافقون علي سداد قيمة هذه الاراضي للحصول علي مقررات ري لها بشكل رسمي، واكد ان الدولة اذا قامت بذلك فسوف يعود عليها بمليارات الجنيهات وهذا في صالحها خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعانيها. كان اَذان الظهر قد حان، توقفنا عن الحديث للاستعداد لأداء صلاة الجمعة في مسجد الجواهرجي غرب الوحيد، بعد ان طلبنا منه ان يتوسط لنا في لقاء الاشخاص الذين اطلق عليهم «جماعة بوكو حرام» علي اعتبار انهم جيران وعلي علاقة طيبة بهم كما اوضح لنا في بداية حديثه. خطبة الجمعة عقب دخولنا المسجد الذي كان ممتلئا عن اخره، كان الخطيب قد بدأ في القاء الخطبة. الخطيب في العقد السابع من العمر، يلقي الخطبة من خلال كتاب وتحدث فيها عن عدم معصية الله مستشهدا بآيات من القرآن الكريم واحاديث نبوية ، كما اشار الي الفتنة التي لعن الله من يوقظها - في اشارة إلي ما نشر في الصحف ووسائل الاعلام عن قريتهم الاسبوع الماضي واتهام بعض اهلها باعتناق الفكر المتشدد والمتطرف والعيش في عزلة عن العالم-، واصفا ذلك بالكذب والافتراء،وعقب انتهاء صلاة الجمعة التقينا بخطيب المسجد الشيخ ابراهيم علي عبد الله، واوضح انه فوجئ بخبر منشور عن قريته بالصفحة الاولي في صحيفتين من الصحف الخاصة عن وجود عصابة «بوكو حرام» وهو الامر الذي قابله بالضحك لان هذا الامر ليس له اساس من الصحة، وعلق: «كان علي من نشر هذه الاخبار عن قريتنا، ان يأتي اولا إلي القرية ويقابل اهلها ليتأكد من صحة ما نشره ،ويظهر المشكلات التي يعاني منها اهلها من عدم وجود مستشفي او حتي مركز صحي يخدم القرية والقري المجاورة، ويضيف ان اقرب وحدة صحية قريبة للاهالي تبعد 15 كيلو مترا ليس هذا فحسب فالمشكلة ايضا تكمن في عدم وجود طبيب بهذه الوحدة منذ اكثر من 7 اشهر، بالاضافة إلي مشكلة المياه والتعليم، وربنا يقدم ما فيه صالح الناس». عقب الانتهاء من حديث خطيب المسجد، طلبنا من شيخ البلد الحاج عبد السلام صديق عطية ان يستأذن جماعة «بوكوحرام» لنتحدث معهم لنكشف حقيقة الامر، ورأيهم فيما نسب اليهم بانهم يكفرون كل من لا يؤمن بافكارهم ،ولا يلحقون ابناءهم بالمدراس ولا يؤدون الصلاة في المسجد وتحريمهم لاكل اللحوم ،وايضا التعرف علي علاقتهم بجماعة «الشوقيين» التي انبثقت من الجماعات الجهادية في فترة التسعينيات وكان يتزعمها شوقي الشيخ ودخلت في كفاح مسلح واهالي قرية كحك بحري المجاورة لهم مع اجهزة الامن قبل تصفيته والقبض علي العشرات منهم. «الأخبار» مع «بوكو حرام»! اقتادنا شيخ البلد إلي منزل احد هؤلاء الاشخاص الذي رحب كثيرا بنا، في البداية عبر لنا الشيخ اسماعيل ابراهيم حامد عن حزنه واسفه مما نشر عنهم واتهامهم بهذه الاتهامات القاسية التي سببت لهم اضرارا نفسية كبيرة بل شملت ايضا اهل القرية كلها، وردا عما نشر عنهم قال: «لن ارد علي هذه الاتهامات بل سأترك اهل قريتي وجيراني يردون نيابة عني وعن غيري، واستطرد قائلا: « بالنسبة لنا لا يتجاوز عددنا في القرية خمسة اشخاص فقط، ونعيش حياة طبيعية مثل اهالي قريتنا وكما يعيشها مجتمعنا المصري ، فكل منا يعيش حياته منفردا راعيا مصلحته ولا توجد بيننا وبين الحاكم – يقصد مؤسسات الدولة – اي مشكلات، فجميع اولادنا واحفادنا ملتحقون بالمدراس الحكومية وضرب امثلة بأبنائه الذين يدرسون بالمدارس والكليات واضاف: الاجهزة الامنية تعلم عنا كل شئ وتعلم خط سيرنا وسلوك كل فرد منا، فليس هناك ما يقلقنا او يقلق الاجهزة الامنية او مجتمعنا المصري ، كذلك نتعامل مع الحكومة في كل كبيرة وصغيرة ، فنحن نستفيد من الحصص التموينية الشهرية التي تقررها الدولة للمواطنين ونقوم بصرفها شهريا عن طريق بطاقات التموين، كما نتعامل مع الجمعية الزراعية فيما يخص صرف الاسمدة، وندد اسماعيل بما نشر عنهم وتمثيلهم باشخاص يرتدون الاقنعة السوادء ويحملون السلاح وتعجب قائلا: «اذا كنا بالفعل كذلك ، فهل كان اهالي القرية او الاجهزة الامنية ستتركنا ؟». وفيما يتعلق بتحريم اكل اللحوم والالبان اكد انهم يأكلون كل شئ كباقي البشر، اما فيما يخص عدم صلاتهم في مسجد القرية، فقد اعترف اسماعيل ابراهيم بهذا الامر قائلا: «نحن بالفعل لا نصلي الفروض او صلاة الجمعة في مسجد القرية ، ونصلي في منازلنا وبالنسبة لصلاة الجمعة ايضا في بعض الاوقات قد نصليها في منازلنا ايضا او في مسجد آخر بقرية اخري بعيدا عن اهل القرية ،لكن هذا التصرف له اسبابه منها مثلا ان السنوات الاخيرة وقعت مشكلات واحتكاكات كثيرة بيننا وبين عدد من اهالي القرية، فكان الشباب مثلا يقصدون اطلاق ابشع السباب والشتائم وهي ليست موجهة لاحد وانما كانوا يطلقونها عن قصد لنسمعها عندما يشاهدوننا ندخل المسجد بهدف اثارتنا حيث انهم يعرفون اننا لا نطيق ان نسمع مثل هذه الالفاظ خاصة الالفاظ التي تمس الدين، وحتي لا تسوء علاقتنا مع اهالي القرية ولتدوم علي المحبة بيننا، قررنا عدم الصلاة في المسجد، خاصة ان هذا المسجد هو المسجد الوحيد في القرية ولا يوجد هناك مسجد آخر ولو كان موجودا لصلينا به، وان كان الامر الان اختلف كثيرا وفي احيان كثيرة نصلي في مسجد القرية ، واكد اسماعيل انهم يعيشون الان وسط اهالي القرية كعائلة واحدة قائمة علي المحبة والرضا ولا توجد اية مشكلات مع اي فرد سواء كبير او صغير في القرية. فكر جهادي واعترف الشيخ إسماعيل انهم كانوا من ضمن الجماعات الجهادية وذلك في فترة التسعينيات، موضحا انه لا علاقة لهم بجماعة الشوقيين ومعقلهم قرية كحك بحري – وهي الجماعة التي كانت تكفر الحاكم وتنتمي إلي تيار ذي فكر جهادي متطرف ومتشدد – ولكنهم الان يعيشون حياة طبيعية كباقي المواطنين بعد ان عقدوا هدنة طويلة المدي مع الاجهزة الامنية بألا يمارسوا اي نشاط ديني كما كانوا يفعلون ذلك من قبل، بما في ذلك السياسة خاصة الفترة الاخيرة والتي اعقبت ثورتي 25 يناير و30 يونيو ، مشيرا الي انهم كباقي الاغلبية من المصريين يرحبون بمن هو صالح لتولي قيادة الدولة ليرعاها ويخاف علي اهلها ويسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية ويرعي الفقراء والبسطاء من ابناء الشعب المصري. والتقينا بأحد الاشخاص الخمسة الاخرين ويدعي الشيخ فرحات حامد السيد في العقد السادس من العمر، وقد نفي ما نشر عنهم جملة وتفصيلا، وقال: «احنا حتي وكل القرية مفيش فيها حد يعرف او سمع عن جماعة بوكوحرام – وهي الجماعة التي وصفتهم بها بعض الصحف الخاصة- او حتي نعرف مكانها»، واضاف ان الدليل علي كذب هذه الادعاءات هو اننا نعلم ابناءنا فلدي 8 ابناء، 6 منهم الان في مراحل تعليمية مختلفة، بينما لم يتمكن من تعليم ولديه الكبيرين حيث كانا يساعدانه في العمل لكي يستطيعا الانفاق علي اشقائهما ،كما أنهما وقت ان كانا اطفالا لم تكن توجد مدرسة في القرية او في القري المجاورة لنا، كما انه لم تكن هناك مدرسة بالقرية عند بلوغهما سن الدراسة إلا علي مسافة 20 كيلو مترا علي الاقل ولم تكن هناك اي وسيلة نقل متاحة، وحتي الان مازالت القرية تعاني من عدم وجود اية خدمات او مرافق»، واوضح: « احنا صحيح مش بنعرف نقرأ ونكتب، بس عارفين قيمة التعليم والثقافة، فهو يرفع بيوتا لا عماد لها»، ولكن المشكلة- والحديث علي لسانه- تكمن في عدم وجود خدمات او مدارس تعليمية في هذه القرية، ففي مطلع الالفية الجديدة كانت نسبة التعليم في القرية لا تتجاوز 3% لكنها الان اصبحت تبلغ 95%،. الصلاة في المسجد والتقينا أيضاً، مع الشيخ علي مفتاح السيد (55 سنة ) ضرير البصر ،حيث قال: « لا نريد سوي ان نعبد الله عز وجل ولا نشرك به احدا، ونحن نصلي في اي مسجد ، ولكن المشكلة اننا لا نصلي في مسجد قريتنا فقط لان اهالي القرية هم اقاربنا، وكنا نخاف ان يطلبوا منا القاء خطبة الجمعة او ان يؤم احدنا الصلاة بهم او نحدثهم في الدين، ولم نكن نرغب في ذلك لاننا تصالحنا مع اجهزة الامن.. وفيما يخص عدم زواجهم من خارج عائلاتهم، قال علي مفتاح ان لديه 3 زوجات منهن زوجتان ليستا من اقاربه وكانتا تعيشان في قرية اخري ولم يكن هناك اي صلة معرفة او قرابة بينه وبينهما قبل الزواج، كما انه يتعامل مع الحكومة ويتقاضي معاشا شهريا من الضمان الاجتماعي،وعن عدم اكلهم اللحوم قال ساخرا: «من منكم لدية مائدة رحمن فليدعوني اليها؟.. فاللحمة حرام علشان مفيش فلوس فقط ليس الا». سبب الشائعة وعن سبب ما نشر عنهم واتهامهم بالفكر الجهادي خاصة في هذا الوقت، قال علي مفتاح ان المشكلة تكمن في وجود خلافات بين 3 من ابناء عمومتهم يعيشون في القرية وآخرين من قرية اخري علي قطعة ارض بور متاخمة لقرية الجواهرجي ، حيث ان هذه الارض مملوكة للدولة وكان ابناء عمومتهم يضعون ايديهم عليها منذ اكثر من 10 سنوات ولكن لم يتمكنوا من زراعتها بسبب عدم توافر مياه، لكن ابناء القرية الاخري وضعوا ايديهم علي جزء منها استطاعوا توفير مياه لها عن طريق مواسير واثار ذلك غضب ابناء عمومتهم وقاموا باتلاف تلك المواسير ،فحرر الاخرون عدة بلاغات ضدهم ولم يكتفوا بذلك بل قرروا الانتقام من ابناء عمومتهم عن طريقهم – يقصد الاشخاص الخمسة ذوي الفكر الجهادي سابقا والذي هو واحد منهم - بان اعادوا نشر ماضيهم القديم وزعموا لعدد من الصحف وجود اشخاص يعتنقون فكرا جهاديا، علي الرغم من اننا ليس لنا علاقة من قريب او بعيد بمشكلة ابناء عمومتهم. "بوكو حرام" في محافظة الفيوم، كان العنوان الذي تصدر الصفحات الأولى للصحف الأسبوع الماضي، المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام أعطت انطباعاً بأن أفكار جماعة نيجيرية متطرفة قد تسللت إلى القرية النائية، وجعلت عدداً من الأفراد المتشددين يقاطعون مؤسسات الدولة ويمتنعون عن الصلاة بالمساجد ويحرمون أكل اللحم. المعلومات الخطيرة دفعتنا للقيام بمغامرة لاستكشاف القرية »الملغومة«، لكن الاهالي اكدوا ان الامور بعيدة تماما عما ذكره الاعلام، حتي ان خطيب القرية وصف هذه المعلومات بالكذب في خطبة الجمعة، قابلنا عددا من اعضاء الجماعة فأكدوا انهم كانوا ينتمون بالفعل قبل سنوات لجماعة تكفيرية لكنهم تصالحوا مع الدولة وفجروا مفاجأة عندما أعلنوا ان سبب الشائعات الاخيرة هو النزاع على قطعة أرض بور. لم يتملكنا الخوف عند انطلاقنا من القاهرة إلي قرية الجواهرجي، ففضولنا كان اقوي من اي مشاعر أخري، انطلقنا بالسيارة من أمام مبني "أخباراليوم" لرصد ما يحدث داخل القرية أثناء الصلاة قبل وصولنا القرية بحوالي عشرة كيلو مترات، صادفنا شخصا بسيطا مرتديا جلباباً سألناه عن مكان القرية، ففاجأنا بانه منها وانه كان متوجها لمنزله، استقل معنا السيارة واقتادنا اليها، ليستقبلنا في منزله المتواضع البسيط المكون من طابق واحد، لا يختلف كثيرا عن حال القرية وبيوتها المتواضعة واهلها البسطاء، ينطق حالها بأنها قرية منسية كغيرها من آلاف القري والنجوع في باقي الجمهورية، حيث لاحظنا الاطفال والفتيات والنساء يتجمعون حول «حنفية مياه» موصولة بماسورة ضخمة، وماهي الا لحظات حتي دخل علينا ابن عمه شعيب كُريم عبد الرحمن في العقد الخامس من العمر يعتبر شعيب هو الشخص الوحيد في قرية الجواهرجي المتعلم من ابناء جيله ،و قبل اي حديث بادرنا شعيب بسؤاله: «حضراتكم جايين علشان الموضوع اللي اتنشر في الجرايد الاسبوع إلي فات ؟» أكد كلامه فقال لنا ان عدد هؤلاء الاشخاص لا يتعدي عشرة فقط، فكل شخص له الحق في فكره ومعتقداته مادام لا يضر بذلك أحداً. أضاف، أن هؤلاء الاشخاص ليس لهم اي نشاط عدائي، ويعيشون بيننا منذ سنوات عديدة ولم نر منهم اي شئ يغضبنا، فجميع اهالي البلدة اما اقرباء او بينهم «نسب» ومشكلتهم الوحيدة هي انهم لا يصلون في مسجد القرية وهذا يرجع لهم فكل شخص حر في تصرفه، ترك شعيب امر هذه الجماعة وانتهز الفرصة للحديث عن مشكلات اهالي القرية ومنها مشكلة المياه رغم وجود مرافق لها في القرية الا انها لا تأتي الا علي فترات بعيدة وتنقطع بالايام، وايضا مشكلة التعليم لعدم توافر مدارس بمراحلها التعليمية المختلفة سوي مدرسة ابتدائية واحدة تم انشاؤها في عام 2002 تقريبا بعد سعيه ومطالبة المسئولين بالدولة بضرورة انشاء مدرسة في قريتهم، وما يحتاجونه الآن قيام وزارة التربية والتعليم بانشاء ولو فصل واحد للمرحلة الاعدادية وآخر للمرحلة الثانوية، حيث ان اقرب مدرسة اعدادية لقريتهم تبعد ما لا يقل عن 20 كيلو مترا، وان اغلب اهالي القرية الذين يبلغ عددهم حوالي 3 آلاف نسمة فقراء ويعملون باليومية في مجال الزراعة، فقد يعملون يوميا ويتوقفون عدة ايام لعدم وجود عمل. كما طالب شعيب، وعدد من أهالي البلدة بقيام الدولة بتقنين الاراضي الزراعية التي يزرعونها ،فهي اراض مملوكة للدولة وحصلوا عليها عن طريق وضع اليد في فترة الثمانينيات وقد اقر القانون بحقهم في امتلاكها، مشيرا انهم علي استعداد لتقنين اوضاعهم مع الدولة وسداد قيمة هذه الاراضي علي الرغم انهم يدفعون قيمة الايجار السنوي لادارة الري التابعين لها وتتعدي ألف جنيه لكل فدان، ولكن المشكلة تكمن في البيروقراطية، حيث انهم يوافقون علي سداد قيمة هذه الاراضي للحصول علي مقررات ري لها بشكل رسمي، واكد ان الدولة اذا قامت بذلك فسوف يعود عليها بمليارات الجنيهات وهذا في صالحها خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعانيها. كان اَذان الظهر قد حان، توقفنا عن الحديث للاستعداد لأداء صلاة الجمعة في مسجد الجواهرجي غرب الوحيد، بعد ان طلبنا منه ان يتوسط لنا في لقاء الاشخاص الذين اطلق عليهم «جماعة بوكو حرام» علي اعتبار انهم جيران وعلي علاقة طيبة بهم كما اوضح لنا في بداية حديثه. خطبة الجمعة عقب دخولنا المسجد الذي كان ممتلئا عن اخره، كان الخطيب قد بدأ في القاء الخطبة. الخطيب في العقد السابع من العمر، يلقي الخطبة من خلال كتاب وتحدث فيها عن عدم معصية الله مستشهدا بآيات من القرآن الكريم واحاديث نبوية ، كما اشار الي الفتنة التي لعن الله من يوقظها - في اشارة إلي ما نشر في الصحف ووسائل الاعلام عن قريتهم الاسبوع الماضي واتهام بعض اهلها باعتناق الفكر المتشدد والمتطرف والعيش في عزلة عن العالم-، واصفا ذلك بالكذب والافتراء،وعقب انتهاء صلاة الجمعة التقينا بخطيب المسجد الشيخ ابراهيم علي عبد الله، واوضح انه فوجئ بخبر منشور عن قريته بالصفحة الاولي في صحيفتين من الصحف الخاصة عن وجود عصابة «بوكو حرام» وهو الامر الذي قابله بالضحك لان هذا الامر ليس له اساس من الصحة، وعلق: «كان علي من نشر هذه الاخبار عن قريتنا، ان يأتي اولا إلي القرية ويقابل اهلها ليتأكد من صحة ما نشره ،ويظهر المشكلات التي يعاني منها اهلها من عدم وجود مستشفي او حتي مركز صحي يخدم القرية والقري المجاورة، ويضيف ان اقرب وحدة صحية قريبة للاهالي تبعد 15 كيلو مترا ليس هذا فحسب فالمشكلة ايضا تكمن في عدم وجود طبيب بهذه الوحدة منذ اكثر من 7 اشهر، بالاضافة إلي مشكلة المياه والتعليم، وربنا يقدم ما فيه صالح الناس». عقب الانتهاء من حديث خطيب المسجد، طلبنا من شيخ البلد الحاج عبد السلام صديق عطية ان يستأذن جماعة «بوكوحرام» لنتحدث معهم لنكشف حقيقة الامر، ورأيهم فيما نسب اليهم بانهم يكفرون كل من لا يؤمن بافكارهم ،ولا يلحقون ابناءهم بالمدراس ولا يؤدون الصلاة في المسجد وتحريمهم لاكل اللحوم ،وايضا التعرف علي علاقتهم بجماعة «الشوقيين» التي انبثقت من الجماعات الجهادية في فترة التسعينيات وكان يتزعمها شوقي الشيخ ودخلت في كفاح مسلح واهالي قرية كحك بحري المجاورة لهم مع اجهزة الامن قبل تصفيته والقبض علي العشرات منهم. «الأخبار» مع «بوكو حرام»! اقتادنا شيخ البلد إلي منزل احد هؤلاء الاشخاص الذي رحب كثيرا بنا، في البداية عبر لنا الشيخ اسماعيل ابراهيم حامد عن حزنه واسفه مما نشر عنهم واتهامهم بهذه الاتهامات القاسية التي سببت لهم اضرارا نفسية كبيرة بل شملت ايضا اهل القرية كلها، وردا عما نشر عنهم قال: «لن ارد علي هذه الاتهامات بل سأترك اهل قريتي وجيراني يردون نيابة عني وعن غيري، واستطرد قائلا: « بالنسبة لنا لا يتجاوز عددنا في القرية خمسة اشخاص فقط، ونعيش حياة طبيعية مثل اهالي قريتنا وكما يعيشها مجتمعنا المصري ، فكل منا يعيش حياته منفردا راعيا مصلحته ولا توجد بيننا وبين الحاكم – يقصد مؤسسات الدولة – اي مشكلات، فجميع اولادنا واحفادنا ملتحقون بالمدراس الحكومية وضرب امثلة بأبنائه الذين يدرسون بالمدارس والكليات واضاف: الاجهزة الامنية تعلم عنا كل شئ وتعلم خط سيرنا وسلوك كل فرد منا، فليس هناك ما يقلقنا او يقلق الاجهزة الامنية او مجتمعنا المصري ، كذلك نتعامل مع الحكومة في كل كبيرة وصغيرة ، فنحن نستفيد من الحصص التموينية الشهرية التي تقررها الدولة للمواطنين ونقوم بصرفها شهريا عن طريق بطاقات التموين، كما نتعامل مع الجمعية الزراعية فيما يخص صرف الاسمدة، وندد اسماعيل بما نشر عنهم وتمثيلهم باشخاص يرتدون الاقنعة السوادء ويحملون السلاح وتعجب قائلا: «اذا كنا بالفعل كذلك ، فهل كان اهالي القرية او الاجهزة الامنية ستتركنا ؟». وفيما يتعلق بتحريم اكل اللحوم والالبان اكد انهم يأكلون كل شئ كباقي البشر، اما فيما يخص عدم صلاتهم في مسجد القرية، فقد اعترف اسماعيل ابراهيم بهذا الامر قائلا: «نحن بالفعل لا نصلي الفروض او صلاة الجمعة في مسجد القرية ، ونصلي في منازلنا وبالنسبة لصلاة الجمعة ايضا في بعض الاوقات قد نصليها في منازلنا ايضا او في مسجد آخر بقرية اخري بعيدا عن اهل القرية ،لكن هذا التصرف له اسبابه منها مثلا ان السنوات الاخيرة وقعت مشكلات واحتكاكات كثيرة بيننا وبين عدد من اهالي القرية، فكان الشباب مثلا يقصدون اطلاق ابشع السباب والشتائم وهي ليست موجهة لاحد وانما كانوا يطلقونها عن قصد لنسمعها عندما يشاهدوننا ندخل المسجد بهدف اثارتنا حيث انهم يعرفون اننا لا نطيق ان نسمع مثل هذه الالفاظ خاصة الالفاظ التي تمس الدين، وحتي لا تسوء علاقتنا مع اهالي القرية ولتدوم علي المحبة بيننا، قررنا عدم الصلاة في المسجد، خاصة ان هذا المسجد هو المسجد الوحيد في القرية ولا يوجد هناك مسجد آخر ولو كان موجودا لصلينا به، وان كان الامر الان اختلف كثيرا وفي احيان كثيرة نصلي في مسجد القرية ، واكد اسماعيل انهم يعيشون الان وسط اهالي القرية كعائلة واحدة قائمة علي المحبة والرضا ولا توجد اية مشكلات مع اي فرد سواء كبير او صغير في القرية. فكر جهادي واعترف الشيخ إسماعيل انهم كانوا من ضمن الجماعات الجهادية وذلك في فترة التسعينيات، موضحا انه لا علاقة لهم بجماعة الشوقيين ومعقلهم قرية كحك بحري – وهي الجماعة التي كانت تكفر الحاكم وتنتمي إلي تيار ذي فكر جهادي متطرف ومتشدد – ولكنهم الان يعيشون حياة طبيعية كباقي المواطنين بعد ان عقدوا هدنة طويلة المدي مع الاجهزة الامنية بألا يمارسوا اي نشاط ديني كما كانوا يفعلون ذلك من قبل، بما في ذلك السياسة خاصة الفترة الاخيرة والتي اعقبت ثورتي 25 يناير و30 يونيو ، مشيرا الي انهم كباقي الاغلبية من المصريين يرحبون بمن هو صالح لتولي قيادة الدولة ليرعاها ويخاف علي اهلها ويسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية ويرعي الفقراء والبسطاء من ابناء الشعب المصري. والتقينا بأحد الاشخاص الخمسة الاخرين ويدعي الشيخ فرحات حامد السيد في العقد السادس من العمر، وقد نفي ما نشر عنهم جملة وتفصيلا، وقال: «احنا حتي وكل القرية مفيش فيها حد يعرف او سمع عن جماعة بوكوحرام – وهي الجماعة التي وصفتهم بها بعض الصحف الخاصة- او حتي نعرف مكانها»، واضاف ان الدليل علي كذب هذه الادعاءات هو اننا نعلم ابناءنا فلدي 8 ابناء، 6 منهم الان في مراحل تعليمية مختلفة، بينما لم يتمكن من تعليم ولديه الكبيرين حيث كانا يساعدانه في العمل لكي يستطيعا الانفاق علي اشقائهما ،كما أنهما وقت ان كانا اطفالا لم تكن توجد مدرسة في القرية او في القري المجاورة لنا، كما انه لم تكن هناك مدرسة بالقرية عند بلوغهما سن الدراسة إلا علي مسافة 20 كيلو مترا علي الاقل ولم تكن هناك اي وسيلة نقل متاحة، وحتي الان مازالت القرية تعاني من عدم وجود اية خدمات او مرافق»، واوضح: « احنا صحيح مش بنعرف نقرأ ونكتب، بس عارفين قيمة التعليم والثقافة، فهو يرفع بيوتا لا عماد لها»، ولكن المشكلة- والحديث علي لسانه- تكمن في عدم وجود خدمات او مدارس تعليمية في هذه القرية، ففي مطلع الالفية الجديدة كانت نسبة التعليم في القرية لا تتجاوز 3% لكنها الان اصبحت تبلغ 95%،. الصلاة في المسجد والتقينا أيضاً، مع الشيخ علي مفتاح السيد (55 سنة ) ضرير البصر ،حيث قال: « لا نريد سوي ان نعبد الله عز وجل ولا نشرك به احدا، ونحن نصلي في اي مسجد ، ولكن المشكلة اننا لا نصلي في مسجد قريتنا فقط لان اهالي القرية هم اقاربنا، وكنا نخاف ان يطلبوا منا القاء خطبة الجمعة او ان يؤم احدنا الصلاة بهم او نحدثهم في الدين، ولم نكن نرغب في ذلك لاننا تصالحنا مع اجهزة الامن.. وفيما يخص عدم زواجهم من خارج عائلاتهم، قال علي مفتاح ان لديه 3 زوجات منهن زوجتان ليستا من اقاربه وكانتا تعيشان في قرية اخري ولم يكن هناك اي صلة معرفة او قرابة بينه وبينهما قبل الزواج، كما انه يتعامل مع الحكومة ويتقاضي معاشا شهريا من الضمان الاجتماعي،وعن عدم اكلهم اللحوم قال ساخرا: «من منكم لدية مائدة رحمن فليدعوني اليها؟.. فاللحمة حرام علشان مفيش فلوس فقط ليس الا». سبب الشائعة وعن سبب ما نشر عنهم واتهامهم بالفكر الجهادي خاصة في هذا الوقت، قال علي مفتاح ان المشكلة تكمن في وجود خلافات بين 3 من ابناء عمومتهم يعيشون في القرية وآخرين من قرية اخري علي قطعة ارض بور متاخمة لقرية الجواهرجي ، حيث ان هذه الارض مملوكة للدولة وكان ابناء عمومتهم يضعون ايديهم عليها منذ اكثر من 10 سنوات ولكن لم يتمكنوا من زراعتها بسبب عدم توافر مياه، لكن ابناء القرية الاخري وضعوا ايديهم علي جزء منها استطاعوا توفير مياه لها عن طريق مواسير واثار ذلك غضب ابناء عمومتهم وقاموا باتلاف تلك المواسير ،فحرر الاخرون عدة بلاغات ضدهم ولم يكتفوا بذلك بل قرروا الانتقام من ابناء عمومتهم عن طريقهم – يقصد الاشخاص الخمسة ذوي الفكر الجهادي سابقا والذي هو واحد منهم - بان اعادوا نشر ماضيهم القديم وزعموا لعدد من الصحف وجود اشخاص يعتنقون فكرا جهاديا، علي الرغم من اننا ليس لنا علاقة من قريب او بعيد بمشكلة ابناء عمومتهم.