منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سمير رضوان يكتب :
التحول الكبير ليس حلما!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 07 - 08 - 2014

وجاءت ردود الفعل في شبه اجماع علي انني وكالعادة مغرق في التفاؤل ولقد جاء الرد بأسرع مما نتصور، شهدت مصر حدثا هاما وهو تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس
كانت الدعوة في مقال سابق »الأخبار الجمعة 1 اغسطس 2014»‬، إلي أن الانتفاضة السياسية في 30 يونيو وما بعدها من اقرار الدستور، وانجاز الاستحقاق الثاني بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم الاستعداد لاستكمال خارطة المستقبل بانتخابات مجلس النواب، قد مهد الطريق للتركيز علي الانطلاق الاقتصادي، وأن هذاالانطلاق لابد أن يمثل نقلة نوعية تتجاوز السياسات والمؤسسات التقليدية التي أنتجت النمط السائد من الأداء الاقتصادي بمشاكله المزمنة من تباطؤ معدلات النمو وتفاقم البطالة، الاختلالات الهيكلية وخاصة عجز الموازنة، اختلال ميزان العدالة الاجتماعية بما يصاحبه من تزايد الا مساواة وارتفاع معدل الفقر والحرمان. وقد خلصنا إلي ضرورة صياغة رؤية مستقبلية طموحة تستهدف تغيير وجه مصر بشكل جذري. مما يتطلب تحديدا دقيقا لما اسميناه »‬التحول الكبير»، علي غرار ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وفي دول »‬النمور الآسيوية»، منذ ثمانينيات القرن الماضي. وما يحدث حاليا في دول مجموعة البريكس brics التي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا.
وجاءت ردود الفعل في شبه اجماع علي انني وكالعادة مغرق في التفاؤل، وهل مثل هذا التحول الذي تتحدث عنه يمكن في ظروفنا الراهنة؟ ولقد جاء الرد بأسرع مما نتصور، ففي يوم الثلاثاء الماضي »‬أي بعد ثلاثة أيام فقط من نشر المقال»، شهدت مصر حدثا هاما وهو تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس، وهو أحد المشروعات العملاقة التي وعد بها الرئيس السيسي في خطابه في 23 يوليو قائلا: »‬لنتحرك بقوة ونخرج من دائرة الفقر التي نقبع فيها والتي سنخرج منها بالعمل والمثابرة والجهد والكفاح لتحقيق هذا الحلم الذي نحلمه لبلادنا وشعبنا وشبابنا»، وكم كان المشهد رائعا حينما عرض الفيلم التسجيلي صورة جمال عبدالناصر وهو يعلن تأميم شركة قناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية ودوت القاعة بالتصفيق، ولمحت الكاميرا هذا الوميض علي وجه السيسي الذي لا تغيب دلالته علي أبناء جيلي الذي عاصر الحروب الثلاث حول هذه البقعة الغالية، وكأنه يقول لعبدالناصر »‬أنت حررت القناة، وأنا مع الشعب والجيش سوف نجعلها محور التنمية في مصر». إن البدء في تحقيق ما أسماه رئيس هيئة قناة السويس »‬الحلم المصري الكبير» هو دليل علي أن التحول الكبير ليس حلما ولكنه في متناول الواقع.
والآن نعود إلي استكمال ملامح الرؤية المستقبلية التي بدأناها في المقال السابق.
إن نقطة البداية في تحقيق التحول الكبير هي تحديد الهدف من هذا التحول بدقة وإتقان.. وتشير التجارب الدولية إلي أن الهدف الاسمي للتحول هو تحقيق الرفاه الاجتماعي للمواطنين، وان هذا لا يتأتي إلا عن طريق تحقيق التشغيل الكامل لقوة العمل في أعمال منتجة وتحقق دخلاً لائقا يضمن الكرامة الانسانية، ومن هنا فإن النمو في حد ذاته هو شرط ضروري.. ولكن ليس كافيا .. لتحقيق هذه الغاية، بل لابد أن يكون النمو كثيف التشغيل أي في قطاعات وأنشطة مولدة للعمالة المنتجة.. ما معني هذا الكلام في الواقع المصري؟
اذا ما أخذنا الخمس سنوات القادمة كاطار معقول للتخطيط علي المدي المتوسط، فإن عدد السكان في مصر سوف يصل إلي 100 مليوناً بحلول عام 2020، وتبلغ قوة العمل حوالي 33 مليون، ومع ارتفاع معدل زيادة قوة العمل سنويا 4٪، ليصبح من الضروري رفع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي من 2٪ حاليا إلي 7.3٪ سنويا اذا ما أردنا استيعاب ما يقرب من مليون شاب وشابة من الداخلين الجدد في سوق العمل. ويتطلب الوصول إلي معدل النمو هذا ارتفاع معدل الاستثمار من مستواه الحالي 14.2٪ من الناتج المحلي إلي 25٪، ونظرا لانخفاض معدل الادخار إلي مستويات غير مسبوقة 7.6٪ من الناتج في عام 2013 فإن ذلك يفسر الفجوة التمويلية التي اتسعت مؤخرا وتم سدها جزئيا من مساعدات الأشقاء العرب في السعودية والامارات والكويت، والتي قاربت علي 20 مليار دولار في العام الماضي وفقا لتصريحات وزير المالية.
ومع الاعتذار عن الاغراق في الارقام التي هي هواية الاقتصاديين، فإن هدف استعادة النمو السريع هذا اذا ما ترجمناه إلي لغة في متناول المواطن البسيط - سوف يحقق زيادة في الدخل القومي بحوالي 50٪ في الخمس سنوات القادمة، وهو ما ينبغي ان ينعكس علي مستوي معيشته. هدف النمو إذا ليس ترفا وانما ينبغي أن يكون الهدف القومي المعلن والذي يقتنع المواطن بأن هذا هو الطريق الوحيد »‬للخروج من دائرة الفقر التي نقبع فيها».
هل هدف النمو السريع ممكن؟ بالتأكيد ولكن بشرط اولها الوقوف علي أسباب العطب الذي اصاب الآلة الاقتصادية، فلكي تصبح السيارة جاهزة للبدء في رحلة الخمس سنوات القادمة، لابد من الكشف الفني عليها واصلاح ما قد اصابها من أعطال. لقد اتفقنا علي أن هناك شرطا ضرورياً لانطلاق السيارة وهو تحقيق الأمن والاستقرار علي طول الطريق الذي سوف سلكه لحمايتها من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق، وهذا ما تقوم به قوات الجيش والشرطة ومعهم المواطنون »‬ربما لأول مرة». وإلي جانب ذلك فإن الكشف الفني علي السيارة، والذي أسميناه »‬تقرير حالة» يشير إلي مجموعة من الإصلاحات الواجب الاسراع في القيام بها. وتشير المؤشرات الدولية الي مجموعة من التحديات من أهمها: تراجع ترتيب مصر في إدارة الاقتصاد الكلي إلي المرتبة 140 من 148 دولة, عدم وضوح سياسة الإنفاق الحكومي حيث تحتل مصر المرتبة 135 من 148 دولة, تدني كفاءة المؤسسات الحكومية، وتأتي مصر في المرتبة 117 من 148 دولة, مؤشر كفاءة سوق العمل يشير إلي ان مصر تأتي في المرتبة 146 من 148 دولة, وأخيرا جاء ترتيب مصر في الدولة 130 وفقا لمؤشر سعادة المواطنين.
ولقد تضافرت هذه العوامل في تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ووفقا للتقرير الدولي للتنافسية الذي يصدر سنويا من المنتدي الاقتصادي العالمي »‬دافوس» فإن ترتيب مصر الذي كان في المرتبة 81 في عام 2010 - 2011، أخذ في التراجع منذ ثورة يناير حتي وصل إلي المرتبة 118 من 148 دولة في عام 2013 - 2014. ويشير التقرير الي ان اهم اسباب هذا التراجع هي: تدهور البنية الاساسية، مستوي التعليم الاساسي، تدني مستوي التعليم العالي والتدريب وعدم كفاءة سياسات سوق العمل.
ان الهدف من سرد هذه المؤشرات ليس بالطبع اشاعة جو من الاحباط، وانما لكي نضع ايدينا علي نقاط الضعف التي يجب ان نتعامل معها حتي يتمكن الاقتصاد المصري من الانطلاق، والملاحظة المهمة هنا هي ان معظم المؤشرات المتراجعة تتعلق بنوعية القوي البشرية المصرية وخاصة الاستثمار في البشر أي في التعليم والتدريب، وهذا ما يقودنا إلي ضرورة إعطاء الأولوية الأولي لتنمية القوي البشرية، إذ لا يمكن تحقيق التحول الكبير مع وجود قوة العمل بمواصفاتها الحالية، فقوة العمل المصرية يتم تشغيلها في قطاعات منخفضة الانتاجية وفي مقدمتها الحكومة 28٪، القطاع الهامشي وغير المنتظم 35٪، الزراعة 27٪ ولا يمثل القطاع الحديث سوي 10٪ فقط، وهذا لا يقارن بدول »‬النمور الآسيوية» حيث يمثل الاقتصاد الحديث من 30 إلي 40٪ من قوة العمل الي جانب ذلك فإن المستوي التعليمي لقوة العمل المصرية لا يؤهلها للتعامل مع اساليب الانتاج والتكولوجيا الحديثة، ويكفي أن نذكر ان 41٪ من العاملين المصريين إما أميون أو في عداد الأميين!
وتفرض هذه الحقائق ان يكون البند الاول في أجندة العمل الوطنية هو الارتقاء بقوة العمل المصرية، وهذا ليس من المستحيل، ولكنه يتطلب استرايجية وطنية للتشغيل يكون التعليم والتدريب هم ركائزها، ولكن هذا يتطلب استفاضة اخري حول مكونات التحول الكبير.
وجاءت ردود الفعل في شبه اجماع علي انني وكالعادة مغرق في التفاؤل ولقد جاء الرد بأسرع مما نتصور، شهدت مصر حدثا هاما وهو تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس
كانت الدعوة في مقال سابق »الأخبار الجمعة 1 اغسطس 2014»‬، إلي أن الانتفاضة السياسية في 30 يونيو وما بعدها من اقرار الدستور، وانجاز الاستحقاق الثاني بانتخاب رئيس الجمهورية، ثم الاستعداد لاستكمال خارطة المستقبل بانتخابات مجلس النواب، قد مهد الطريق للتركيز علي الانطلاق الاقتصادي، وأن هذاالانطلاق لابد أن يمثل نقلة نوعية تتجاوز السياسات والمؤسسات التقليدية التي أنتجت النمط السائد من الأداء الاقتصادي بمشاكله المزمنة من تباطؤ معدلات النمو وتفاقم البطالة، الاختلالات الهيكلية وخاصة عجز الموازنة، اختلال ميزان العدالة الاجتماعية بما يصاحبه من تزايد الا مساواة وارتفاع معدل الفقر والحرمان. وقد خلصنا إلي ضرورة صياغة رؤية مستقبلية طموحة تستهدف تغيير وجه مصر بشكل جذري. مما يتطلب تحديدا دقيقا لما اسميناه »‬التحول الكبير»، علي غرار ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وفي دول »‬النمور الآسيوية»، منذ ثمانينيات القرن الماضي. وما يحدث حاليا في دول مجموعة البريكس brics التي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا.
وجاءت ردود الفعل في شبه اجماع علي انني وكالعادة مغرق في التفاؤل، وهل مثل هذا التحول الذي تتحدث عنه يمكن في ظروفنا الراهنة؟ ولقد جاء الرد بأسرع مما نتصور، ففي يوم الثلاثاء الماضي »‬أي بعد ثلاثة أيام فقط من نشر المقال»، شهدت مصر حدثا هاما وهو تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس، وهو أحد المشروعات العملاقة التي وعد بها الرئيس السيسي في خطابه في 23 يوليو قائلا: »‬لنتحرك بقوة ونخرج من دائرة الفقر التي نقبع فيها والتي سنخرج منها بالعمل والمثابرة والجهد والكفاح لتحقيق هذا الحلم الذي نحلمه لبلادنا وشعبنا وشبابنا»، وكم كان المشهد رائعا حينما عرض الفيلم التسجيلي صورة جمال عبدالناصر وهو يعلن تأميم شركة قناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية ودوت القاعة بالتصفيق، ولمحت الكاميرا هذا الوميض علي وجه السيسي الذي لا تغيب دلالته علي أبناء جيلي الذي عاصر الحروب الثلاث حول هذه البقعة الغالية، وكأنه يقول لعبدالناصر »‬أنت حررت القناة، وأنا مع الشعب والجيش سوف نجعلها محور التنمية في مصر». إن البدء في تحقيق ما أسماه رئيس هيئة قناة السويس »‬الحلم المصري الكبير» هو دليل علي أن التحول الكبير ليس حلما ولكنه في متناول الواقع.
والآن نعود إلي استكمال ملامح الرؤية المستقبلية التي بدأناها في المقال السابق.
إن نقطة البداية في تحقيق التحول الكبير هي تحديد الهدف من هذا التحول بدقة وإتقان.. وتشير التجارب الدولية إلي أن الهدف الاسمي للتحول هو تحقيق الرفاه الاجتماعي للمواطنين، وان هذا لا يتأتي إلا عن طريق تحقيق التشغيل الكامل لقوة العمل في أعمال منتجة وتحقق دخلاً لائقا يضمن الكرامة الانسانية، ومن هنا فإن النمو في حد ذاته هو شرط ضروري.. ولكن ليس كافيا .. لتحقيق هذه الغاية، بل لابد أن يكون النمو كثيف التشغيل أي في قطاعات وأنشطة مولدة للعمالة المنتجة.. ما معني هذا الكلام في الواقع المصري؟
اذا ما أخذنا الخمس سنوات القادمة كاطار معقول للتخطيط علي المدي المتوسط، فإن عدد السكان في مصر سوف يصل إلي 100 مليوناً بحلول عام 2020، وتبلغ قوة العمل حوالي 33 مليون، ومع ارتفاع معدل زيادة قوة العمل سنويا 4٪، ليصبح من الضروري رفع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي من 2٪ حاليا إلي 7.3٪ سنويا اذا ما أردنا استيعاب ما يقرب من مليون شاب وشابة من الداخلين الجدد في سوق العمل. ويتطلب الوصول إلي معدل النمو هذا ارتفاع معدل الاستثمار من مستواه الحالي 14.2٪ من الناتج المحلي إلي 25٪، ونظرا لانخفاض معدل الادخار إلي مستويات غير مسبوقة 7.6٪ من الناتج في عام 2013 فإن ذلك يفسر الفجوة التمويلية التي اتسعت مؤخرا وتم سدها جزئيا من مساعدات الأشقاء العرب في السعودية والامارات والكويت، والتي قاربت علي 20 مليار دولار في العام الماضي وفقا لتصريحات وزير المالية.
ومع الاعتذار عن الاغراق في الارقام التي هي هواية الاقتصاديين، فإن هدف استعادة النمو السريع هذا اذا ما ترجمناه إلي لغة في متناول المواطن البسيط - سوف يحقق زيادة في الدخل القومي بحوالي 50٪ في الخمس سنوات القادمة، وهو ما ينبغي ان ينعكس علي مستوي معيشته. هدف النمو إذا ليس ترفا وانما ينبغي أن يكون الهدف القومي المعلن والذي يقتنع المواطن بأن هذا هو الطريق الوحيد »‬للخروج من دائرة الفقر التي نقبع فيها».
هل هدف النمو السريع ممكن؟ بالتأكيد ولكن بشرط اولها الوقوف علي أسباب العطب الذي اصاب الآلة الاقتصادية، فلكي تصبح السيارة جاهزة للبدء في رحلة الخمس سنوات القادمة، لابد من الكشف الفني عليها واصلاح ما قد اصابها من أعطال. لقد اتفقنا علي أن هناك شرطا ضرورياً لانطلاق السيارة وهو تحقيق الأمن والاستقرار علي طول الطريق الذي سوف سلكه لحمايتها من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق، وهذا ما تقوم به قوات الجيش والشرطة ومعهم المواطنون »‬ربما لأول مرة». وإلي جانب ذلك فإن الكشف الفني علي السيارة، والذي أسميناه »‬تقرير حالة» يشير إلي مجموعة من الإصلاحات الواجب الاسراع في القيام بها. وتشير المؤشرات الدولية الي مجموعة من التحديات من أهمها: تراجع ترتيب مصر في إدارة الاقتصاد الكلي إلي المرتبة 140 من 148 دولة, عدم وضوح سياسة الإنفاق الحكومي حيث تحتل مصر المرتبة 135 من 148 دولة, تدني كفاءة المؤسسات الحكومية، وتأتي مصر في المرتبة 117 من 148 دولة, مؤشر كفاءة سوق العمل يشير إلي ان مصر تأتي في المرتبة 146 من 148 دولة, وأخيرا جاء ترتيب مصر في الدولة 130 وفقا لمؤشر سعادة المواطنين.
ولقد تضافرت هذه العوامل في تراجع القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، ووفقا للتقرير الدولي للتنافسية الذي يصدر سنويا من المنتدي الاقتصادي العالمي »‬دافوس» فإن ترتيب مصر الذي كان في المرتبة 81 في عام 2010 - 2011، أخذ في التراجع منذ ثورة يناير حتي وصل إلي المرتبة 118 من 148 دولة في عام 2013 - 2014. ويشير التقرير الي ان اهم اسباب هذا التراجع هي: تدهور البنية الاساسية، مستوي التعليم الاساسي، تدني مستوي التعليم العالي والتدريب وعدم كفاءة سياسات سوق العمل.
ان الهدف من سرد هذه المؤشرات ليس بالطبع اشاعة جو من الاحباط، وانما لكي نضع ايدينا علي نقاط الضعف التي يجب ان نتعامل معها حتي يتمكن الاقتصاد المصري من الانطلاق، والملاحظة المهمة هنا هي ان معظم المؤشرات المتراجعة تتعلق بنوعية القوي البشرية المصرية وخاصة الاستثمار في البشر أي في التعليم والتدريب، وهذا ما يقودنا إلي ضرورة إعطاء الأولوية الأولي لتنمية القوي البشرية، إذ لا يمكن تحقيق التحول الكبير مع وجود قوة العمل بمواصفاتها الحالية، فقوة العمل المصرية يتم تشغيلها في قطاعات منخفضة الانتاجية وفي مقدمتها الحكومة 28٪، القطاع الهامشي وغير المنتظم 35٪، الزراعة 27٪ ولا يمثل القطاع الحديث سوي 10٪ فقط، وهذا لا يقارن بدول »‬النمور الآسيوية» حيث يمثل الاقتصاد الحديث من 30 إلي 40٪ من قوة العمل الي جانب ذلك فإن المستوي التعليمي لقوة العمل المصرية لا يؤهلها للتعامل مع اساليب الانتاج والتكولوجيا الحديثة، ويكفي أن نذكر ان 41٪ من العاملين المصريين إما أميون أو في عداد الأميين!
وتفرض هذه الحقائق ان يكون البند الاول في أجندة العمل الوطنية هو الارتقاء بقوة العمل المصرية، وهذا ليس من المستحيل، ولكنه يتطلب استرايجية وطنية للتشغيل يكون التعليم والتدريب هم ركائزها، ولكن هذا يتطلب استفاضة اخري حول مكونات التحول الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.