يضع زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي صورة بالأبيض والأسود يظهر فيها وهو شابا لحظة إعلان ميلاد الحركة الإسلامية التونسية التي فازت بعد ثلاثة عقود بأول انتخابات بعد الربيع العربي. لكن حزب حركة النهضة الإسلامي المعتدل الذي كان مصدر إلهام للإسلاميين في أنحاء الشرق الأوسط بصعوده للسلطة في أعقاب الثورة الشعبية التونسية، يجد نفسه الآن علي مشارف تنح طوعي عن السلطة في غضون أسابيع. ووافق حزب حركة النهضة في الأسبوع الماضي علي استقالة حكومته الائتلافية، لكن بعد مفاوضات مع أحزاب المعارضة العلمانية لتشكيل حكومة مؤقتة غير حزبية تدير البلاد حتي إجراء انتخابات جديدة. وقال الغنوشي زعيم الحزب في مقابلة، إن الانتخابات قد تجري أوائل العام القادم وإن الحزب لم يفقد بالضرورة فرصة قيادة البلاد. وأضاف الغنوشي ، إن الحزب يريد إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن لكن الواقع يشير إلي الربيع القادم. وأكد، أن الشعب التونسي سيقرر في الانتخابات ما إذا كانت هذه الحكومة نجحت أم فشلت. وجاء الاتفاق علي تنحي الحكومة بعد اغتيال زعيم معارض علي أيدي مسلحين يشتبه أنهم إسلاميون متشددون في يوليو الماضي، وهو ما فجر احتجاجات وعطل العمل في مجلس مكلف بوضع دستور جديد وهدد مسارا يعد واحدا من أكثر مسارات التحول الديمقراطي الواعدة في المنطقة. وتريد حركة النهضة في المقابل أن يعود خصومها السياسيون للمشاركة في وضع مسودة الدستور وتشكيل هيئة للإشراف علي الانتخابات وتحديد موعد التصويت في إطار اتفاق علي استقالة الحكومة. وتكافح تونس منذ الانتفاضة التي أطاحت بزين العابدين بن علي في عام 2011 ، من أجل التوصل إلي توافق حول الدور الذي يجب أن يلعبه الإسلام السياسي في المجتمع. وكانت حركة النهضة التي يتزعمها الغنوشي واحدة من الأحزاب الإسلامية التي تصدرت المشهد بعد انتفاضات "الربيع العربي" ، التي أطاحت كذلك بزعماء ليبيا ومصر واليمن. لكن التأييد لحركة النهضة تراجع بعد هذا في تونس وعزل الجيش المصري الرئيس الإسلامي محمد مرسي، وتتعرض جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها لحملة صارمة وسقطت في ليبيا مناطق كثيرة تحت سيطرة ميليشيات منافسة للإسلاميين. حتي في المغرب يشهد الحزب الإسلامي المشارك في الائتلاف الحاكم تضاؤلا في قوته السياسية. لكن الغنوشي يرفض فكرة أن الانتكاسات التي منيت بها الحركات الإسلامية في مصر وفي بلدان أخري رجوع عن المكاسب التي حققها الإسلام السياسي في الآونة الأخيرة. وقال إن الإسلاميين، ربما واجهوا عثرات في الطريق لكن الاتجاه في صعود. وأضاف أن الفكرة الوحيدة المطروحة في عالم الأفكار بالعالم العربي هي الفكرة الإسلامية وفكرة أن الإسلام والحداثة يسيران معا وأن الإسلام والديمقراطية يسيران معا. وأثار صعود حزب حركة النهضة، نقاشا محتدما حول دور الدين في السياسة في بلد يخشي كثيرون أن يؤثر تزايد نفوذ الإسلاميين فيه علي التعليم الليبرالي وحقوق المرأة. ويروج الغنوشي الذي فر من قمع بن علي إلي لندن في عام 1989 لسياسات إسلامية معتدلة. لكن الإسلاميين المحافظين طالبوا في بداية النقاش حول الدستور الجديد بتضمين عناصر من الشريعة مما زاد من مخاوف الليبراليين. وأمام احتجاجات بالشوارع، قاومت حركة النهضة محاولات المعارضة للضغط علي الحكومة كي تستقيل ووصفت في مرحلة ما المظاهرات بأنها ثورة مضادة ودفعت بأنصارها إلي مظاهرات مضادة. لكن حركة النهضة قبلت في وقت لاحق، فكرة التنحي لإفساح الطريق لتشكيل حكومة مؤقتة ربما خوفا من أن تلقي مصير الإخوان المسلمين في مصر. ووقعت حركة النهضة وأحزاب المعارضة اتفاقاً رسمياً على إجراء محادثات، لكن من المرجح ألا تبدأ المفاوضات إلا بعد عطلة عيد الأضحى. ورغم أن معارضي حركة النهضة يتهمونها بسوء إدارة الاقتصاد والتهاون مع ممارسات الاسلاميين المتشددين، فإنها تظل الجماعة السياسية الأكثر تنظيما في تونس مما يجعلها قوة يحسب حسابها في الانتخابات. وتضغط المعارضة التي يقودها حزب نداء تونس، وتضم أعضاء سابقين من نظام بن علي وتحالف أحزاب أصغر من أجل إجراء انتخابات في موعد لاحق. ويرجح مع حرص حركة النهضة على إجراء الانتخابات بسرعة أن يكون الاتفاق على مواعيد التصويت من النقاط الشائكة في المحادثات. وقال الغنوشي إن حزبه مستعد للتنحي لأنه يريد الانتخابات وإن هذا هو المبرر الوحيد لاستقالة الحكومة.