من المشاهد التي لا يمكن ان انساها، رؤيتي الفلاحين المصريين الذين لم يهاجروا وبقوا مقيمين في القطاع الريفي بالإسماعيلية والسويس وعلي امتداد القناة. وفي حدود ما أعلم لا يوجد إلا جهد واحد سجل جوهر حيواتهم اليومية في ظل الخطر القائم كل لحظة، وهو الديوان الرائع «وجوه علي الشط» للخال الأبنودي. أعرف بعض الشخصيات بالاسم. في قري الشط بالجبهة عشت معهم. كان الواقع يفوق أي حديث عن طبيعة المصريين والتحامهم بجيشهم ونضالهم معا. يوم الأحد صباحا تم نصب آخر معبر ثقيل علي القناة في قطاع الفرقة 91 التي كان يقودها اللواء يوسف عفيفي -عميد وقتئذ- كنت في الشمال، إذ اخترت التواجد في قطاع الفرقة الثانية لصلات قوية تربطني بالعميد حسن أبوسعدة، ولان الفرقة في مواقع حساسة قد تشهد احداثا كبري، قررت الأحد في الشمال والاثنين في الجنوب ثم أتبع الأحداث. حدثني اللواء عبدالمنعم واصل. وكان قائدا مصريا عظيما للجيش الثالث، عاش الاعداد للعبور والمعارك الكبري لحرب أكتوبر، كان قائدا فريدا، جريئا، ومن أهم الكتب التي صدرت عن الحرب مذكراته التي صدرت عن دار الشروق الدولية ولم تطبع مرة أخري، ويبدو ان خلافا نشب بين اللواء واصل والرئيس السادات أدي إلي تنحيته وتعيين الفريق أحمد بدوي.. عميد وقت الحرب. وهو محارب عظيم. غير ان اللواء عبدالمنعم واصل الذي أعد الجيش الثالث للعبور وحصنه ضد الحصار، وشارك في معركة السويس الفاصلة يوم الرابع والعشرين من أكتوبر احيط بظلال كثيفة ولم يكرم في مجلس الشعب. لم يحظ بأي تكريم. هذا ما لحق اللواء عبدالمنعم خليل أحد أعظم قادة الجيش والذي أنصفه القائد العام عبدالفتاح السيسي بعد نصف قرن تقريبا ومنحه رتبة الفريق، لابد ان يضمن الدستور حماية القادة الكبار من المزاج الشخصي للرؤساء. اخبرني اللواء عبدالمنعم واصل وهو محارب صلب. انه التقي علي معبر الفرقة التاسعة عشرة بفلاحين مصريين. كان يعرفهم بالاسم. يحملون صواني فوقها اطباق إفطار، بيض مقلي، فول مدمس، شاي بلبن، أرغفة بيتي، كانوا متجهين إلي عمق سيناء، وعندما سأل أحدهم، قال إنها الصباحية، صباحية الجيش لأول ليلة يقضيها في سيناء، ست سنوات وهم يأكلون مع الجيش ومن طعامه، اليوم عبر الجيش، وهذه لقمة علي ما قسم. قال لي اللواء عبدالمنعم واصل انه لم يتأثر رغم كثرة ما رأي وعاشه كما حدث في هذه اللحظة حتي ان عينيه ترغرغتا بدموع التأثر.