كانت صادمة ..اتذكر جيدا علامات المفاجئة تعلو وجوه اغلب من حولى.... الفريق اول عبد الفتاح السيسى دعا عدد كبير من نجوم السياسة والفن والإعلام والرياضة ورؤساء تحرير صحف خاصة وقنوات فضائية ..المناسبة .. حضور تدريب وتفتيش حرب الفرقة التاسعة مدرعة بالمنطقة المركزية..الوقت هو منتصف شهر مايو الماضى ..اغلب الحاضرون يمكن تصنيفهم على انهم خصوم الاخوان ومعارضيهم ..كنت متواجدا بصفتى محرر "الاخبار" العسكرى لتغطية الحدث .. لم نشهد هذا الحجم من الحضور الكبير والمتنوع للشخصيات السياسية والفنية والفكرية ..الفنان حسين فهمى قال لى :اخر مرة حضرت مناسبة عسكرية مثل هذه كانت وقت حرب اكتوبر!....الملاحظة الاهم فى هذا الحفل كان هو اختفاء اى وجه اخوانى او تابع للرئيس مرسى والذى كان فى احدى رحلاته الكثيرة الى الخارج ..اعتقد وليس كل اعتقاد خاطئ انه كان مقصودا ان يتم اختيار هذا التوقيت لاقامة هذه المناسبة فى غياب مرسى وانصاره لتوجيه رسالة غير مباشرة الى المعارضة .... ساعة او اقل مرت حتى ظهر الفريق اول السيسى...وبدا جولته التفقدية لضباط وجنود الفرقة التاسعة.. صعد على متن احدى الدبابات الحديثة ..تحدث الى قائدها وتاكد انه يستوعب قيادة هذه التكنولوجيا الحديثة .. بعد ان خرج من جوفها استدار ليجد خلفه كاميرا ت تلفزيونية ويحيط به الاعلاميين من كل صوب لامكان لقدم ..وبدا السيسى امام كل هذه الحشود المعارضة تصريحاته الصادمة " لو نزلت القوات المسلحة مجددا إلى الشارع، فلن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة مقبلة. عليكم –يقصد قوى المعارضة - أن تقفوا 10 أو 15 ساعة أمام صناديق الانتخابات أفضل من تدمير البلد واؤكد لكم ان الجيش سيتولى تأمين الانتخابات، ونحن النهاية فى خندق واحد مع الشعب." على جميع القوى فى البلاد إيجاد صيغة للتفاهم فيما بينها .. االجيش نار لا تلعبوا به ولا تلعبوا معه.. لكنه ليس نارا على أهله." ثم اكد قائلا الجيش لن ينقلب على الحكم ولو فعل ستعود مصر 40 عاماً إلى الوراء.!! ... الرسالة اصبحت واضحة لمن انتقاهم الفريق السيسى ليقول لهم هذا الكلام فى غياب مرسى اغلبهم حضر وهو يعتقد ان السيسى سيعطى لهم خطة الانقلاب او يمنحهم اشارة المباركة للاستمرار بالمعارضة والاعتماد على الجيش ..قطع عليهم الطريق وطالبهم بضرورة الجلوس للتفاوض مع الرئس ..كانت تلك بحق من اكبر الفرص التى منحها السيسى للرئيس مرسى وحزبه الحاكم للبدء فى مصالحة سياسية حقيقية ..كثيرون من وجوه المعارضة عقدو العزم على ان الجيش هو مخلصهم فى تلك المعركة السياسية وجاء السيسى فى تلك المناسبة ليقطع حبل امالهم حتى لايكون امام طرفى الحكم والمعارضة اى حلول سوى الجلوس على طاولة المفاوضات ..وهلل الاخوان بتصريحات السيسى واعتبروها وطنية كبيرة وتصرف حكيم ... وتمادى بعضهم وفسرها بانها مؤشر بان الجيش وقادته سيقفون معهم ضد معارضيهم. فى ذلك اليوم .خرج معظم الحاضرين من احتفال الفرقة التاسعة يهمس بعضهم لبعض من احباطه "الجيش باعنا للاخوان " لم تتوقف الفرص التى منحها القوات المسلحة والفريق السيسى الى الرئيس مرسى وجماعة الاخوان عند هذا الحد بل كان قبلها فرص اخرى بدات منذ نوفمبر 2012عام عندما خرجت دعوة من القوات المسلحة تطلب من القوى المعارضة العمل على مصالحة حقيقية مع النظام احاكم وبضمان القوات المسلحة الا ان العرض قوبل بالرفض القاطع من الرئيس مرسى وطالب بسحب الدعوة ..والاكثر من ذلك هو احراج الجيش وتحولت الدعوة التى ذهبنا اليها الى مجرد حفل عشاء وهناك فرص اخرى كثيرة لم يستغلها الاخوان تجلت فى النصائح التى كان يوجهها السيسى الى الرئيس مرسى وعدم رضاء الجيش عن مواقف كثيرة تحدث فى داخل الوطن وقال السيسى فى مناسبات عديدة" قدمت النصيحة الى الرئيس بما يرضى الله طوال عام كامل "..اعتقد انه لو استغل مرسى هذه الفرص واستمعت جماعته لتلك النصائح المخلصة لكان الوضع مختلفا الان وفى خطابه الاخير اشار السيسى الى الفرص الضائعة من النظام السابق واتباعه خلال العام الماضى لتعديل المسار السياسى وإيجاد مساحة من التفاهم بين النظام والقوى السياسية والرأى العام وتحدث عن المقترحات التى ضاعت أمام التعنت والصلف وعدم الإستجابة لأى نصح حقيقى يخرج البلاد من دائرة الأزمات ، والإعتقاد بتآمر الجميع وأنهم على الحق المبين والباقى على الضلال .مؤكدا على دور الجيش ومحاولاته لإنهاء الازمة بشكل سلمى الذى يتحدث اليوم عن خيانة السيسى وقيادات الجيش لمرسى وانقلابه عليه مخطئ.. ببساطة لان الجيش تعمد وبالدلائل طوال العام الماضى الوقوف على الحياد والانشغال بتطوير ادواته القتالية ولم يلتفت لمن يدفعه دفعا للدخول فى مواجهة مباشرة مع النظام بل قطع الطريق على المعارضين واعلن وقوفه على الحياد ..ومنح الكثير من الفرص للرئيس المعزول ..الا ان مرسى واعوانه ترجموا تلك الفرص والمواقف بشكل خاطئ .. وراهنو بكل مالديهم على تحييد دور الجيش فى الصراع السياسي الدائر ..وتوهمو انه سيجلس متفرجا ..وطمئنهم ان قادته يعلنون كل يوم ان عصر الانقلابات العسكرية قد انتهى ...والمرشد مطمئن لان الجيش منشغل بحماية حدود البلاد ..لكن الجيش لم ينقلب بل انحاز لانقلاب الشعب فى ثورة تصحيح جديدة ..وخسر مرسى وجماعته رهاناتهم جميعا ...خسروا الكرسى وخسروا الشرعية وتحطمت احلام عشرات الاالاف من انصار هذا التيار .. ومازالت رهاناتهم الخاسرة مستمرة والمقامرة الن اصبحت على انشقاق الجيش ودخول الشعب فى اقتتال سياسي يريدونه دينى ..اما رهان اغلبية الشعب فكان على وطنيية هذا الجيش الذى اثبتت السنون والايام انه جيش شعب وليس جيش نظام او رئيس .