تستحوذ "أزمة الدراما المصرية" على مساحة كبيرة من اهتمام النقاد والمفكرين لما تمثله من أهمية. وتزداد المشكلة تعقيدا مع الغزو التركي للدراما واحتلاله مكانة كبيرة على الشاشات العربية ، لذلك نظم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال44 ندوة بعنوان "الدراما التاريخية والثورة" بمخيم الفنون. شارك فيها الناقد الأدبي د.مدحت الجيار ود. خلف عبد العظيم الميري وأدارها محيى عبد الحي. أوضح محيى عبد الحي أن قضية الدراما التاريخية والثورة أمر غاية في الحيوية ولم يتعرض له الكثيرين. وأشار خلف إلى أن الدراما المصرية جزء من مصر ومصر كلها في أزمة والقوة الحقيقية الباقية لمصر الآن هى رصيدها الثقافي، مضيفاً أن الدراما تمثل أحد ما يميز مصر ثقافيا. وعبر عن قلقه بشأن زحف الدراما غير المصرية إلى شاشتنا التليفزيونية وهى ما تسمى بالقوى الناعمة ، كما تطرق حديثه عن الدراما قائلاً إنها تسلسل العمل الفني الذي لدية القدرة على نقل ما يحدث في دائرة الإبداع إلى المشاهد أي صياغة عملا إبداعيا مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا. وعلى مستوى الأعمال التاريخية قال: كنا نمتلك الدراما الملحمية المعبرة عن التاريخ المصري القريب والبعيد وإن كانت قليلة العدد منها ليالي الحلمية، ورأفت الهجان ومن الأفلام فيلم المومياء الذى رصد وبعمق مسألة التاريخ القديم وفى التاريخ الإسلامي لدينا فيلمي الناصر صلاح الدين والشيماء مدللا على ذلك التقصير بحرب أكتوبر المجيدة التي لم نجد لها أعمالا ملحمية راقية على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة، مضيفا بأنه في عصر عبد الناصر كانت مصر مالكة للقوى الناعمة التي اخترقت كل الأرجاء العربية وأصبح لها دورا هاما في العالم الثالث. وضرب د. خلف مثالا آخر على ذكر عبد الناصر وأضاف: لقد عجزت الدراما المصرية على مجاراة إنجازات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر باستثناء فيلم ناصر 56 لمحفوظ عبد الرحمن الذي تناول يومين في حياة مصر أيام عبد الناصر تناولا راقيا، وبخلاف ذلك افتقدنا العمل الملحمي . وأكد خلف أن دور المؤرخ في العمل الدرامي لا يقتصر على مراجعة النص فقط بل يجب أن يكون مستشارا للعمل ككل واستشهد بالمسلسل التركي حريم السلطان . وأكد خلف أن مصر لديها الطاقة الخلاقة في إطار المبدعين والنقاد والمخرجين وما ينقصها في تصوره وجود دور للدولة في دعم الدراما المصرية مشيرا إلى أن هذا الدور كان موجودا في الستينيات. وطالب خلف الميري، الدولة بالتنسيق أو عمل خطة إستراتيجية مع القطاع الخاص ودعمه لإنتاج أعمالا درامية محترمة. وعن تأريخ ثورة يناير قال خلف: أن هذه الثورة التي قام بها الشباب الطاهر المخلصين المؤمنين بوطنهم لا يمكن تأريخها لأن الثورة من وجهة نظره لم تحقق أهدافا تؤرخ إلا تأسيس الجمهورية المدنية، ولكن يستطيع المؤرخ أن يرصد الواقع ويناقش الأسباب التي أدت لاندلاع الثورة وأهم دوافعها ويرصدها من خلال عمل درامي في ثلاث أجزاء . وعقب عبد الحي: إن هدف الكاتب من تقديم عمل درامي ليس تقديم تاريخ بل إلقاء الضوء على مناطق لإثارة فكرة معينة. وأضاف د.الجيار، أن الفنون والآداب تلجأ للذهاب إلى مرحلة تاريخية لتقديمها مع مرور لحظات ضعف بأي أمة يستتبع هذا الضعف باستعادة فترة تاريخية كانت الأمة فيها مزدهرة لبث روح التفاؤل والإقدام لدى هذه الأمة واستخلاص العبر فالتاريخ يساعد في حل مشكلات الواقع الراهن. واستطرد د. مدحت الجيار قائلا أنه مع بداية القرن العشرين لم تصبح الرواية التاريخية مجرد موضة بل كانت موقف قومي ولهذا حين بدأ نجيب محفوظ حياته الأدبية في الثلاثينات بدأ بثلاثية عن تاريخ مصر الفرعوني وتوالت فيما بعد أعمالة الاجتماعية والسياسية التي نزل بها إلى المجتمع ولم يلجأ إلى التاريخ سوى بتقديمه لثلاثيته الشهيرة "قصر الشوق- السكرية- بين القصرين" واختتم خلف حديثه رغم تحفظاتي الكثيرة على الدستور الجديد ،إلا أنه احتوى على مادة تنص على الاهتمام بالتاريخ المصري وتدريسه على المستوى القومي لأن في فترة المخلوع أهين التاريخ كما أهينت أشياء كثيرة وهذا كان جزء من تعمية الشعب فحين يتم قطع الصلة ما بين التاريخ والنشء الجديد نضع أنفسنا في مهب الريح وقد أدارت ثورة يناير عجلة التاريخ التي لا يمكن أن تتوقف وتعود الوراء ومع وجود وسائل الأعلام المتعددة حاليا تمنع أي نظام من فرض وجهة نظرة الخاصة على التاريخ لأن الحقيقة لا يمكن أن تحجب.