وتتواصل الفعاليات والأمسيات بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين لتقدم زادا ثقافيا ومعرفيا وفكريا لرواده وزائريه. ففي مخيم الإبداع والذي يعني بالأدباء وإبداعاتهم وهمومهم وقضاياهم وضمن محوره الأول الذي يرتكز على التجمعات الروابط الأدبية عقدت الندوة الأولى وألتف المشاركون فيها حول لقاء أدبي فاعل وهادف وهو مختبر السرديات الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية وذلك في حضور جماهيري واسع ومناقشات حادة. في الندوة أشارت الكاتبة الروائية سعاد سليمان إلى أهمية التجمعات والروابط الثقافية في تنمية الوعي وإثراء الحراك الثقافي فنحن بحاجة لخروج العملية الثقافية من عزلتها والالتحام بالشارع لرصد هموم ومعايشة قضاياها لاسيما وأن المدخل الثقافي هو الأهم والأنسب لعلاج مشكلات وأمراض مجتمعاتنا المتوطنة. وقالت: إن مختبر السرديات بأنشطته وفعالياته يعد نموذجا عمليا ناجحا لأداء التجمعات الثقافية.. فهو يعد منارة ثقافية مهمة ترفد مجري الإبداع الأدبي بدماء جديدة في القصة والرواية وتمد الحياة الثقافية بأجيال جديدة من المبدعين. أما الناقد د.هيثم الحاج علي فقد أكد على ضرورة المشاركة الجماهيرية الفاعلة علي مستوى الفعل الثقافي المصري وقال: إن مختبر السرديات بمثابة نموذجا للتطبيق العملي فالنصوص من خلاله تخضع لمناهج علمية في النقد وخير مثال علي ذلك ندوة محمد حافظ رجب كما نظم المختبر مسابقات إبداعية ونقدية كذلك. وطالب الحاج بضرورة تطوير مثل هذه التجمعات الأدبية وربطها مع غيرها من أماكن تعمل في نفس المجال وتفعيل علاقتها مع الجماعات الأخرى ذات الاهتمام المشترك. كما طالب بضرورة استنساخ هذا العمل الثقافي المهم في مجالات إبداعية أخرى.. علماً بأن هناك ثلاث مختبرات للسرديات الأول في المغرب والثاني في السعودية والثالث في مصر يعملون جميعا ضمن إطار جامعي واحد ويشرف عليهم د. أحمد صابر الأستاذ بجامعة الرياض. أما المحور الثاني من محاور مخيم الإبداع والذي يحتفي بالأدباء وإنتاجهم الأدبي فقد أقيمت من خلاله ندوة موسعة لمناقشة ديوان "هنا مقعد فقط" للشاعرة فردوس عبد الرحمن أدارها الناقد د. سيد الوكيل وشارك فيها بالنقد والمناقشة الناقد د. محمود الضبع والنقاد د. هيثم الحاج علي إلى جانب جمهور المخيم. في بداية الندوة قامت الشاعرة بقراءة مجموعة من نصوص الديوان لاقت تجاوبا من جمهور الحاضرين. وفي ورقته النقدية أكد الناقد د. هيثم الحاج أنه فوجئ بالمستوي الجديد لنصوص الديوان حيث كتبت الشاعرة نفسها كما تراها ولم تتقعر في استخدام الألفاظ البلاغية بل اعتمدت علي التصوير المشهدي اعتمادا على المطلق وبالتالي ابتعدت عن الغموض المبهم خالقة نوعا من الغموض الموحي بما يلاءم التطورات الحديثة في وسائل الاتصال فجاءت نصوصها أشبه بالحكم المصفاة - الأبيجراما - ولكنها حكما تعتمد علي رؤية ذاتية كذلك جاءت النصوص مثل التغريدات -التويتات- معتمدة علي رؤى تنظيرية وفلسفية مطرزة بدقة لتشكل صورة عادية سهلة الفهم وواضحة.. أيضا تتسم النصوص بالديناميكية والحركية وفقا لآليات لعتمدت عليها الشاعرة بما يؤكد موهبتها الكبيرة. فالشاعرة أظهرت وعيا جديدا بقصيدة النثر متأثرة بما حدث من تطور في وسائل الاتصال الحديثة كذلك استفادت الشاعرة بتطور الفنون الأخري كالمسرح والسينما بل والفن التشكيلي. وهذه الاستفادة من تقنيات فنون أخري هو الذي صنع هذه الشعرية الجديدة.. وبالتالي جاءت النصوص ذات رؤى متفردة ومغايرة لما هو معروف عن قصيدة النثر.
أما الناقد د.محمود الضبع فقد أشار إلى أننا نعيش نوعا من الفوضى العارمة ولن تحل هذه الأزمة إلا من خلال مدخل ثقافي وأضاف: أعتقد أن هذا الديوان هو رصد لهذه الفوضى.. ويضعنا أمام سؤال.. ماذا تبقى من الشعرية العربية. هذا الديوان محير فللوهلة الأولى يعتقد المتلقي أنه مجموعة من المقاطع منفصلة عن بعضها أساسها الحكم العربية التي تقتصر وتصفي خبرات الحياة فالديوان فيه الكثير من الحكمة والوعي وبالتالي فهو ديوان مراوغ حيث يبدو للقارئ بأنه مجرد جمل عربية مكتوبة بلغة جيدة ولكن المتأمل لها يدرك أنها تفكيك للوعي أو مساءلة فلسفية للكون أيضا ثمة مجموعة من الملامح لهذا الديوان أولها غياب البشر تماما عبر صفحات الديوان.. فهل هي أرادت الكتابة عن الحياة في بكارتها الأولي؟ أيضا تشتبك الشاعرة اشتباك مباشر مع المتلقي. كذلك هذا الديوان يرسخ فكرة التعامل مع الأشياء ليس بوصفها كائنات موجودة وجامدة ولكن لابد من وضع التأثير بين تلك الموجودات والإنسان في الحسبان فالشاعرة علي مدار الديوان تستنطق الموجودات من أشجار ونباتات وظلال. هذا الديوان يعبر أيضا عن تطور في الشعرية العربية التي كانت تضفي شعريته الرنانة علي ما يحمله من مضامين. فهناك تطور من ناحية إشراك المتلقي في فهم القصيدة وكأن الشاعرة تسعي من خلال نصوصها إلى توحيد البشر اعتمادا علي رؤى فلسفية وفكرية.. كما اهتمت الشاعرة بالتطور في فن المسرح وخلقت نوعا من القصيدة من الممكن أن نطلق عليها قصيدة الوعي انطلاق من الوحدة والألم في تعبر عن المشاعر الإنسانية الخالية من الزمان والمكان والأعراق وبالتالي جاءت قصائدها إنسانية بامتياز. والديوان بكامله تسيطر عليه بنية السؤال.. وبه أيضا مزجا بين السماوي والأرضي منطلقا من تقنيات فنية معروفة في التراث الشعري العربي مثل التشبيه المقلوب أضف إلي ذلك انفتاح نصوص الشاعرة على عدد لا نهائي من التأويلات والتفسيرات. وضمن المحور الثالث من الذي يتضمن عقد لقاءات ومناقشات حول تجارب كبار المبدعين فقد عقد المخيم لقاء مع الشاعرة الكبيرة زينات القليوبي التي أفاضت في شرح رحلتها مع الشعر منذ بدايتها المبكرة حتى الوقت الحالي حيث ذكرت أنها ولدت بالإسكندرية لأب يعمل مهندسا محبا للقراءة واقتناء الكتب ولأم من البدو لا تقرأ ولا تكتب ولكنها لديها مقدرة مدهشة علي الحفظ وإلقاء القصص التراثية والأشعار وفي هذا الجو المشبع بثقافات من الحضر والبادية كانت نشأتها وإذا أضفنا إلي ذلك جذورها المحلاوية وشقيقاتها اللاتي تزوجن بالصعيد لأمكننا رؤية مصر من خلال هذا النسيج الثقافي المتشابك. كما ذكرت أنها كانت تحب القراءة والإطلاع منذ طفولتها فلازالت تتذكر أنها قرأت كتاب د. مصطفي محمود «رحلت من الشك إلى الإيمان» وهي لاتزال طفلة صغيرة وأعدت نموذجا لمحاكاة الكتاب من خلال قصة زحلية فازت بها بجائزة كبري علما بأنها كانت الأصغر سنا بين المتسابقين والمتسابقات. وأشارت إلى علاقاتها الجيدة مع زملائها من الشعراء والأستاذة مثل الشاعر كامل حسني الذي تعتبره معلمها الأول والشاعران محمد مكيوي وأحمد السمرة. كما ذكرت أنها حصلت على العديد من الألقاب خلال رحلتها مع الشعر منها «شاعرة الشعب؟ أم شباب جامعة الإسكندرية؟ أم الجنود» وغير ذلك من ألقاب إلا أنها لم تحصد من الشعر مالا بل خسرت صحتها وكان رصيدها من المرض بثلاث جلطات بالقلب وذبحة صدرية. وفي نهاية اللقاء قدمت الشاعرة زينات القليوبي مجموعة من أحدث قصائدها.