مرة بعد أخري، وأخري بعد اخري وما زالت اسرائيل تردد أنها مهددة وتدافع عن وجودها! دولة لديها ترسانة من أحدث الاسلحة العصرية والتقليدية من نووية الي صاروخية ومن برية الي بحرية الي جوية وجيش يصنف بسادس أقوي الجيوش و.. ما زالت ذريعتها بعد كل مصيبة وجريمة أنه الدفاع عن النفس ! لا تعرف ان كانت أوهاما تعشش في رؤوسهم أم حججا بالية ويسوقونها عندما يستعصي التبرير فلا يعقل أن يبقي الشعور راسخا الي أبد الآبدين بأنهم الضحايا وحدهم ويحق لهم الحاق الاذي بالآخرين! والان من بعد كل ما حدث منهم في الايام الاخيرة يقولون انه دفاع عن النفس (!!) ويرفض نتنياهو بكل عجرفة قبول اقتراح أمريكي متواضع يهدف لاحتواء أسوأ موقف يواجهه الاسرائيليون.. انه الصلف العجيب دفع هذا الكاتب الاسرائيلي في صحيفة هاارتز (ميرعاف ميخائيلي) الي التساؤل: تحقيق؟ أي تحقيق.. ما الكل يعرف ماذا حدث، ثم تحقيق وراء تحقيق وراء آخر وآخر علي مدي السنين و كل مرة يكشف عن العجرفة والصلف والغباء وسوء التصرف وانعدام الافادة من جميع التجارب السابقة فما هذا سوي طقس من طقوس نمارسها منذ سنين..."! اليوم 5 يونيو، ذكري أتعس أيامنا القومية، نود لو نمحوها محوا من تاريخنا الحديث، يأتي والدنيا شاغلها تلك الواقعة البشعة للانقضاض السافر علي قافلة بحرية في المياه الاقليمية تحمل حاجات ضرورية الي شعب محاصر.. ولأن الشيء بالشيء يذكر فانني أعيد الي الأذهان وأذكرالدنيا كلها لو استطعت بالواقعة الاخري التي تشي بوجه الهمجية الاسرائيلية عندما انقضت علي السفينة الامريكية "ليبرتي" وكانت أيضا في المياه الدولية، في ثالث الأيام الستة الملعونة من عام 1967 فأغرقتها وحاولت قتل جميع أفراد طاقمها وكانوا نحو مائتين. قتلت 34 امريكيا من طاقمها وأنقذ الباقين باعجوبة من عرض البحر.. ولبشاعة ما حدث فقد حرصت الادارات الامريكية المتتابعة منذ ذلك الحين علي منع نشر الوثائق الخاصة بهذه الجريمة رغم مرور أكثر من أربعين عاما حتي الآن. للمصادفة العجيبة أن أحد ضباط طاقم السفينة ليبرتي ممن نجوا باعجوبة من الاسرائيليين كان متواجدا علي ظهر سفينة الحرية، وعايش انقضاض الكوماندوز الاسرائيليين علي ظهر سفينة مرة اخري وفي المياه الدولية بل في ذات البقعة تقريبا التي انقضوا فيها في المرة السابقة.. انه ضابط البحرية الامريكية السابق (جو ميدورز) احد الذين قدر لهم أن ينجو بحياتهم من غدر اسرائيل وظل مثلهم جميعا يرون في اسرائيل عدوا شخصيا لكل منهم حتي اليوم! لم تمر غير أيام ثلاثة علي شن اسرائيل لذلك الهجوم الكاسح علي المطارات المصرية في 5 يونية عام 1967 الا وشنت مع سفن التوربيد هجوما مباشرا علي السفينة الامريكية ليبرتي المخصصة لجمع المعلومات عما يجري عن بعد في سيناء بين القوات الاسرائيلية والمصرية ... ليبرتي كانت في المياه الدولية يومها و الجو صحو والعلم الامريكي يرفرف فوقها وجميع الشواهد والدلائل والظروف المحيطة تؤكد بنحو قاطع ان الهجوم الاسرائيلي كان يستهدف تدمير السفينة واغراقها كان الهدف بما عليها من معلومات وقتل جميع أفراد طاقمها وكانوا نحو مائتين.. استعد الكوماندوز الاسرائيليين بأرديتهم السوداء للهبوط من الطائرة الهليوكوبتر الي سطح الباخرة للاجهاز علي طاقم السفينة لولا ان احد ضباط البحرية واسمه (تيري هالبراير) ومنح وسام النجمة الفضية نجح في التسلل الي حيث غرز (أنطينة) الاستغاثة الدولية المعروفة فالتقطتها قطع الأسطول الساس في عرض البحر.. التقط الاسرائيليون الاستغاثة كذلك فادركوا أنها بلغت الأسطول السادس فعدلوا عن مطاردة بقية طاقم السفينة وفي تلك الأثناء قتل 34 امريكيا من أفراد الطاقم وجرح 170 بينما حققوا مهمة اغراق السفينة بما عليها من معلومات التقطتها وواضح انها كانت الهدف من العملية... بعد اتمام التحقيقات في واشنطون صدرت تعليمات صارمة الي طاقم السفينة بالا يخبروا احدا ولا يدلوا باحاديث عما يعرفونه ولا حتي لزوجاتهم والا فسوف يتعرضون الي توقيع العقوبات العسكرية الصارمة... وثائق اغراق هذه السفينة ربما تكون الوحيدة في سجل الوثائق الامريكية التي لم يفرج عنها حتي اليوم مع ان الافراج موقوت وفق الدستور بمرور خمسة وعشرين عاما و يستنتج من ذلك مدي الأثر السييء الذي يؤديه نشر وثائق ما حدث علي الرأي العام الامريكي وكشفها الوجه الحقيقي للسياسة الاسرائيلية التي علي استعداد أن تطيح بأي شيء حتي ولو بأقرب حلفائها اليها اذا ما اقتضت مصالحها ذلك... ولا تمر ذكري اغراق السفينة ليبرتي كل عام في هذا التوقيت من كل عام الا ويحييها جميع من تبقوا من طاقمها، وليذكروا بقدر امكانهم بمدي انحطاط سياسة اسرائيل والغدر الذي تكشفه تلك الاغارة المباغتة علي سفينة أقرب حلفائهم وقتل من عليها بينما هي في المياه الدولية وترفع العلم الامريكي و... يكاد التاريخ يعيد نفسه هذه الآونة. هل يعقل ان يظل الاعتقاد بانهم مهددون قابعا في اعماقهم كشعب الي حد ان يقوموا بشن عملية عسكرية غاشمة ضد ست سفن تحمل مساعدات انسانية لمدنيين علي ظهرها، فتخرج عليهم في المياه الدولية تهاجمهم و تهبط عليهم تقتل من تقتل وتجرح من تجرح ثم يدعون أنهم في حالة دفاع عن النفس ..!... الكاتب الاسرائيلي عموس عوز كتب في نيويورك تايمز من يومين يقول: منذ حرب الايام الستة عام 1967 واسرائيل ثبتت علي مبدأ القوة العسكرية ولا شيء غيرها..." يعني أن المشكلة في رأيه أن اسرائيل تري المشكلة الفلسطينية في سحقها لان هذا هو حلها!