مها عبدالفتاح لنبدأ من الآخر: ان كانوا يهددون بايقاف المعونة فليعلموا أنه من الوجهة الشعبية سيكون يوم "عيد" لنا جميعنا يا مصريين... طهقنا من هذه المعونة وسيرتها والتلويح بها مع كل خلاف وازمة مع اننا ندرك أنها تهمهم وأنهم حريصون عليها في واقع الامر.. أما أن يكون العبث في شؤون الجبهة الداخلية وانتهاك السيادة والقرارات من جانب واحد هو المقابل، فبئس المعونة وما تأتي به وبلاها لانريدها.. لن نعيد ونزيد في منشأ هذه المعونة التي تقدم الي مصر واسرائيل منذ معاهدة السلام، وما آلت اليه في السنين الاخيرة انما نستطيع ان نقول انها كانت وماتزال نقطة الضعف الوحيدة التي ينفذون منها ويهددوننا بها مع أي خلاف أو ازمة طارئة.. مع ان هذه المعونة الاقتصادية قد تقلصت في السنوات الاخيرة حتي بلغت مستوي متدنيا لا يليق بمكانة مصر ان تقبله ولا يوازي بحال اهميتها الاستراتيجية أو ثقلها الاقليمي.. فأما المعونة العسكرية أي المليار وكسور التي يهددون بايقافها فمن ذا الذي يغفل عن الوجهة اخري لأهميتها لديهم؟ انها الدعم الذي تقدمه الحكومة الامريكية الي صناعات السلاح الامريكي التي لو لم تجد تسويقا واسعا لاضطرت لتسريح آلاف العمالة للفنيين والوظائف ولكان لذلك ضربات قاضية علي أهم صناعاتهم الاقتصادية علي الاطلاق.. فالمعونات العسكرية التي تقدمها الحكومة الامريكية، وصفقات السلاح الباهظة التي تعقدها كل حين مع الدول الخليجية هي بمثابة دعم لتلك الصناعة الاستراتيجية، ولمجمع الصناعات العسكرية هذا سجل حافل وراء سياسة التدخل العسكري الامريكي في انحاء شتي واشعال الحروب من حين لآخر... هذا المنحني علي طريق العلاقات المصرية الامريكية بدأ منذ تلك الجلسة المشتركة للشيوخ و النواب بالكونجرس وأقروا بتعديل علي قانون الاعتمادات الخارجية لعام 2005 يتضمن نصا بعدم التزام المساعدات الامريكية لبرامج الديموقراطية والحكم في مصر بالحصول علي موافقة الحكومة المصرية! جاء هذا خروجا تاما علي بنود "التفاهم المشترك" المسجل بين الطرفين والذي له عرف الاتفاق ومن هنا بدأ الشد والجذب الي أن حدث .. وفي أعقاب الثورة المصرية العام الماضي أن اعلن الجانب الامريكي من جانبهم اعادة برمجة مبلغ المائة وخمسين مليون دولارا من المساعدات الاقتصادية ليقدموها مباشرة منهم الي مؤسسات اهلية مصرية، بالمخالفة للقواعد المتفق عليها بين الجانبين.. حدث ذلك في مارس الماضي فما كان من مصر الا أن سجلت رفض اعادة هذه البرمجة التي ما عادت تتفق مع الأولويات المصرية في هذه المرحلة، وطالبت واشنطون بوقف فوري لأي اجراء من جانب واحد.. بعدها بلغت الجرأة برئيس بعثة الوكالة الامريكية للتنمية بالقاهرة أن يؤكد مضيه في تخصيص المبلغ لمنظمات المجتمع المدني والبرامج ذات الصبغة السياسية بل تمادي لحد اعلانه أنهم مستمرون في تمويل الجمعيات المصرية ولو غير المسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي، ويتم ذلك من خلال المنظمات الامريكية التي تعمل هنا ولو بدون تصريح الخارجية المصرية! في تصعيد امريكي آخر تجلي في صياغة غير مسبوقة لقرار من واشنطون صدر في ابريل 2011 من واشنطون يسمح باستخدام مبالغ من مخصصات برنامج المساعدات الاقتصادية لتمويل "كافة" منظمات المجتمع المدني في مصر... فأما الرئيس الامريكي فكان أكثر صراحة بتأكيده في خطاب له بعدها يعلن فيه نية الحكومة الامريكية الاستمرار في تمويل منظمات المجتمع المدني بالشرق الاوسط (بما فيها المنظمات غير المسجلة) ! وهذا ما أكد ان واشنطون تعلم علي اعلي مستوياتها بهذه المخالفات او الانتهاكات التي يزاولونها بالجبهة الداخلية لمصر. أما تلك الحملة الحانقة المركزة علي الوزيرة فائزة أبو النجا التي وبحكم اختصاصها تتولي ملف المعونة هذا بكل تناقضاته وتجاوزاته وملحقاته، فما تخفي أسبابها التي من اجلها تتعرض هذه الكفاءة المصرية غير العادية لهذا الهجوم علي شخصها، سواء من واشنطون او من ذوي المصلحة هنا في الداخل.. انما لسوء حظ مهاجميها ان هذه الدبلوماسية الفذة فوق خبرتها المكتسبة وكفاءتها المشهود بها، لا تشوبها شائبة، ويكفي انها فوق مستوي كل شبهات و.. لانها بطبيعتها متحفظة ومتزنة وهادئة وليس من شيمتها الطنطنة فلا يعلم الكثيرون ان بين يديها كانت كل ملفات القضايا و المشاكل الدولية التي في اختصاص د. بطرس بطرس غالي علي عهد ما كان امينا عاما للامم المتحدة.. فالخبرة التي اكتسبتها من تولي تلك المهمة الشاقة عندما كانت الساعد الايمن للأمين العام علي مدي السنوات الخمس التي قضاها في ذلك المنصب الاهم دوليا، أضفت عليها قدرات فوق المعتاد من موقع كان كفيلا بان يدير رأس أي شخصية غيرها رجلا كان أو امرأة... هذه المؤهلات النادرة هي ما جعل كل وزارة علي مدي السنوات الماضية تعهد اليها بمسئولية ملف التعاون الدولي، فهي لا ظهر لها ولا سند غير تلك كفاءتها الفائقة مقترنة بالنزاهة ونظافة اليد .. وهذا ما يصعب مهمة الهجوم ضدها أو العثور علي ثغرة لينفذوا اليها فلا يجدوا في حوزتهم غير استمرارها في منصبها طوال هذه السنوات.. عجبي!
لقد قرأنا وسمعنا مؤخرا بمن يردد أنه مادامت الحكومة المصرية تتلقي اموالا من امريكا فلم تحرم ذلك علي نشطاء الجمعيات الاهلية؟ وهو قول يفتقد لأي منطق سليم بل أقرب الي تهريج، وكأن التعامل بين الحكومات مثله كمثل تعامل جهة اجنبية رسمية بنحو مباشر مع أفراد، وتحت أي مظلة او نشاط ما تقدم اليهم اموالا ولو تحت بند يبدو مشروعا.. فما عرف تاريخ العلاقات الدولية اموالا تقدم بدون غرض او هدف ولا من شيم الحكومات الحرص علي تقديم مساعدات لوجه الله، ولا في قاموس العلاقات الدولية اموال تبذل بغير ان يكون لها عائد يساوي العطاء.. ثم أي دولة هذه التي تقبل بث اموال اجنبية في جبهتها الداخلية مباشرة بدون علمها وبغير استئذان ؟ الولاياتالمتحدة بنحو خاص تحظر مثل ذلك بالقانون، وأي تمويل اجنبي يشتم له رائحة نشاط سياسي محظور، ومن يتجاوز يقع تحت طائلة القانون ولا احتمال لديهم في مثل ذلك! فما معني هذا كله ؟ معناه أن واشنطون تختبر صلابة الموقف الرسمي لمصر ما بعد الثورة!