فاجأني الكاتب الصحفي السيد النجار رئيس تحرير أخبار اليوم.. بإرسال دراسة نقدية عن رواية »شمس تشرق مرتين« قام بإعدادها الدكتور حامد أبوأحمد استاذ الادب الاسباني والعميد السابق لكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر والناقد الادبي الكبير وعنونها رئيس التحرير بعبارة »لا حرج من النشر« في صفحة كلام في الكتب.. وكانت مفاجأة سارة بالنسبة لي وإن كنت مازلت أشعر بالحرج الشديد لنشرها في هذه الصفحة تحديدا ولكنها هي الصفحة الوحيدة المتخصصة في الكتب لدينا. وتلك هي الدراسة. صدرت هذه الرواية في أكتوبر 1102 وهي أحد الاعمال الادبية التي اخذت تصدر بعد ثورة 52 يناير المجيدة.. ومن الواضح ان الثورة أعادت الحماس للشعراء والكتاب والفنانين.. كما احيت الآمال في نفوسهم فانطلقوا يعبرون عن طموحاتهم الكبيرة التي كانت مؤودة خلال عقود طويلة ساد خلالها التزييف والسلب والنهب والتهميش والتزوير لان العصابة الاجرامية الحاكمة كانت تري ان هذا هو الاسلوب الامثل لحكم هذا الشعب.. الان تخاطب الراوية في رواية شمس تشرق مرتين شخصية أخري لصيقة الصلة بها قائلة »كنت أتمني أن تري نتائج ثورتنا يا صلاح، وتسجل بريشتك تاريخ مصر الجديد.. الذي عشت طول عمرك تحلم بأن تري فيه نفسك. التي اظلمت سنوات طويلة. وكان بداخلك دائما الامل بأنه سيأتي اليوم الذي نستعيد فيه كياننا ووجودنا كمصريين.. اقول لك يا صلاح وأنت هناك في مكانك البعيد.. إن مصر عادت للمصريين. تبدأ الرواية بسؤال يدل علي ما سوف نقرؤه فيها وهو: هل الحب في خريف العمر جريمة؟! وذلك ان بطلة الرواية واسمها شمس، ولها من العمر خمسة وخمسون عاما.. ومتزوجة من محمود زميلها في كلية الهندسة والذي ورث ثروة كبيرة من والده رجل الاعمال الحاج مصطفي خليل الذي بدأ برأسمال بسيط الي ان كون مجموعة من الشركات.. أقول ان شمس بعد كل هذه السنوات التي انجبت فيها احمد الذي يدرس في كندا ونسرين ذات الستة عشر ربيعا والمقدمة علي الزواج، قد وجدت نفسها في حالة فراغ حياتي وفراغ عاطفي لانشغال زوجها عنها بصفقاته وسفرياته التي تطول في بعض الاحيان اكثر مما ينبغي.. وفجأة قابلت صلاح صدفة وبدأ يتصل بها عبر الهاتف ويطلب لقاءها، فكانت تتردد ثم تستجيب وصلاح هذا هو جارهم القديم عندما كانت تسكن مع اسرتها في احد الاحياء الشعبية وكان يريد ان يخطبها لكنها رفضته لانها في ذلك الوقت كانت تسعي نحو حياة رغدة مريحة.. والان وهي تعيش هذه الحياة تحس بالفراغ القاتل تقول »حقيقي أنا امرأة وحيدة، وليس لدي سوي زوجي وابني وابنتي، وهذا البيت الكبير الفسيح الممتليء بالخدم والاثاث الفاخر، وكل مباهج الحياة المترفة وكمالياتها، الا انني اشعر بخواء داخلي.. البيت الواسع اصبح فارغا وأنا وحيدة بالفعل.. وطوال الوقت اتسول اي كلمة أو حوار مع أي من اولادي أو زوجي الحاضر الغائب دائما. ولا شك ان هذا الفراغ الذي تعيش فيه دفعها الي قبول لقاءات صلاح بل حتي الذهاب معه الي مرسمه في الزمالك، صحيح انها كانت لقاءات عفيفة منضبطة.. لكن علاقة حب جديدة وقوية ربطت بينها وبين صلاح الذي كان دائما رغم تجاوزه سن الستين، يطري جمالها ويمنحها الاحساس بأنها مازالت امرأة ينجذب اليها أي رجل.،. وهكذا بدت شمس وكأنها فتاة جميلة في مقتبل العمر ينطبق عليها قول امير الشعراء أحمد شوقي. خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء ما تراها تناست اسمي لما كثرت في مرادها الاسماء نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء ولهذا تقول شمس »منذ زمن كنت اتمني ان اعيش قصة حب حقيقية، ولكنني كنت دائما اؤجل الحب في حياتي من اجل النجاح في الدراسة والعمل، وعندما تزوجت محمود كانت قصة الحلم بالحب قد انتهت من حياتي »ص04« وقد ذكرتني هذه الرواية برواية جابرييل جارثيا ماركيز المشهورة »الحب في زمن الكوليرا« وهي مترجمة الي اللغة العربية.. ولكن الحب في رواية ماركيز يدور بين رجل وامرأة طاعنين في السن »تجاوز كل منهما السبعين من عمره« وكان بينهما قصة حب قديمة ثم التقيا علي غير موعد واشتعل الحب بينهما.. وبالطبع فإن رواية ماركيز كبيرة الحجم وفيها التعقيدات المعروفة في روايات الواقعية السحرية، لكن رواية زينب عفيفي سهلة وبسيطة وتميل الي جانب التحليل النفسي للشخصية. فشمس بطلة الرواية تقول »ان مقابلتي لصلاح بعد كل هذه السنين كادت تفقدني توازني.. أنا بالفعل متعبة وأشعر بدوار« »ص03« ثم انها امرأة تشعر بالهزيمة. تقول »لمحت أي في المرآة« وجه أمرأة أعرفها جيدا.. وجها مهزوما.. لا أعرف من أين يأتيني إحساس بالهزيمة وأنا مكتملة القوي العقلية، ولا أتعرض لضغوط من أحد غير نفسي »ص 13« في ميدان التحرير وتنطلق ثورة 52 يناير، فيتصل بها صلاح ويقول لها »الدنيا مقلوبة مظاهرات واحتجاجات في الشوارع.. شباب صغار السن يحملون لافتات التغيير، ويطالبون باسقاط النظام »ص 78« وتحس شمس بأن مشاكلها قد تضاءلت في الميدان تقول لنفسها »ما هذه الوحدة التافهة التي اشكو منها، ويمكن في نصف ساعة أن تذوب في هذه الجموع المتلاحمة الصادقة »ص 19« وترسم لنا شمس المشهد في ميدان التحرير قائلة »المشهد داخل الميدان مهيب.. صورة حقيقية مرسومة من الواقع لكل اطياف الشعب المصري.. المسلم بجانب المسيحي.. والطفل فوق اكتاف الاب، والامهات يقفن خلف أولادهن.. والنساء والشابات يقدمن لهم الطعام والحنان في وجبة واحدة.. مع دفعهم علي مواصلة المسيرة والمثابرة حتي النهاية »ص 39«. وتحدثنا شمس عن موقعة الجمل، وعن الاذاعة الداخلية، وشعارات الثورة، والتفاف المصريين جميعا خلف هدف واحد هو اسقاط نظام الطغمة الفاسدة المجرمة.. كما تحدثنا عن خطاب تنحي الرئيس الذي القاه نائبه عمر سليمان، وعن لقاءاتها مع صلاح في الميدان لقاء الاحباب لدرجة انهما التقيا في قبلة لم تلفت انظار احد.. وهذه هي القبلة الوحيدة لهذه العلاقة المتأججة.. وقد حدث ان تأخر صلاح عن لقاءات الميدان فاتصلت ببيته، وردت عليها ابنته التي اخبرتها ان صلاح مات إثر اصابته بأزمة قلبية.. مات صلاح لكن لوحاته عن الثورة باقية.. لوحات عديدة بألوان الثورة وروحها، وعلم مصر بألوانه الرائعة يزين كل اللوحات.، ووجوه مصرية فاتحة صدورها لطلقات الرصاص الغاشمة من أجل تحرير العقول، واطفال صغار يهتفون فوق أكتاف ذويهم بالرحيل واسقاط النظام. وكانت شمس قد ذهبت وحدها الي مرسم صلاح في الزمالك وشاهدت هذه اللوحات اضافة الي لوحة أخري ابكت قلبها وزادت من أحزانه. وهي لوحة لأم تحتضن ابنها الشاب بعد اصابته برصاصة قاتلة في رأسه الطاهر وآثار دماء طاهرة تندلع علي جلباب امه.. الخ »انظر ص 211«. وتعود شمس مرة اخري، في آخر الرواية، الي حبها لصلاح فتخاطبه بعد موته قائلة »أعترف لك بعد رحيلك الابدي بأنني اقترفت اكبر غلطة في عمري عندما تكبرت علي حبك وعاندت نفسي، وتجاهلت مشاعري، اقتناعا بأن العواطف ليست هي كل شيء في الحياة.. وان الحياة المريحة اهم من المشاعر الملتهبة »ص 411« وتختتم الرواية بهذه العبارة »مات الفنان وعاشت ألوانه التي امتزجت بالوان الطيف يوما، وتسربت من نافذة مرسمه الي روحي فأعادت اليها الحياة.. وستظل شمس التحرير تشرق الي ان تتحقق كل الاحلام.. فلن تكون هناك احلام مؤجلة بعد اليوم. ومما لا شك فيه ان مؤلفة هذه الرواية زينب عفيفي قد نجحت في ان تنقل الي القاريء مشاعر هذه المرأة »شمس« وهواجسها.. وآمالها المحبطة حيث استبدلت بالحب حياة الرخاء والنعيم، ولكن هذا الرخاء لم يملأ حياتها لانها كانت في حاجة الي العاطفة.. الي الحب النابض المتأجج. وهذه المرأة تذكرنا بالمرأة البدوية التي تزوجت الخليفة معاوية بن أبي سفيان، لكنها عافت حياة القصور، واصابها الملل منها، وحنت الي حياة البادية السهلة البسيطة، ومن المؤكد انه كان هناك حب آخر في حياتها، فكتبت تقول: ولبس عباءة وتقرعيني أحب الي من قصر منيف وهناك بيت آخر معناه أن رجلا »أو علجا كما قالت« من بني قومي بسيطا أحب الي من علج شديد القوة، واسع الثراء لا أحس نحوه بأي عاطفة. فالموضوع إذن انساني بامتياز نجده في الشرق وفي الغرب علي حد سواء. وقد ربطته المؤلفة بموضوع اخر أكثر اهمية وهو ثورة ميدان التحرير في القاهرة، والميادين الأخري في كل انحاء مصر. مما أعطي للرواية بعدا ثوريا وقوميا.. وبذلك تدخل هذه الرواية ضمن الاعمال الادبية المواكبة للثورة.. شعرا ورواية وقصة ومسرحا وفنونا تشكيلية وغير ذلك.. ومن الواضح ان ثورة 52 يناير المجيدة أعادت الأمل الي قلوب المصريين، وكان هذا الامل قد تلاشي تماما تحت حكم عصابة اللصوص الاجرامية الذين حولوا مصر الي عزبة خاصة، يغترفون منها بلا وازع من أخلاق أو ضمير. بل إنهم لم يحسبوا أنهم وأسرهم افراد من هذا الشعب وينسبون الي هذا الوطن الذي رباهم وعلمهم ليصبحوا لصوصا وقتلة ومنحرفين. ومما أعجبني في هذه الرواية وصف شمس لابنتها، والمقارنة التي أجرتها بين زفاف ابنتها وزفافها هي. ولنختم هذه الدراسة الموجزة بنقل مقتطفات من هذا الوصف تقول »كانت البنت الصغيرة، ابنة السادسة عشرة، تقف امام المرآة، تعدل من ذيل حصان شعرها الطويل، الذي يتدلي خلف ظهرها، ليكشف عن شعر أسود فاحم لم يقترب منه مقص الحلاق منذ يوم ولادتها، وسحر أخاذ لعيون سوداء. في شدة سواد الليل، تحرسها رموش كثيفة تتلاطم فوق جفون ساحرة، تأخذ بعقل الناظر اليها، وجسم ممشوق يضاهي رشاقة غزال شارد في صحراء قاحلة، وأحلام مستحيلة تسكن في صدر نابض بالحياة »ص 7« ومن الواضح ان هذا الوصف يجمع بين الظاهر والباطن والرواية ايضا، في معظمها، مناجاة داخلية يموج بها صدر بطلة الرواية شمس التي وضعتها الاقدار في موقف صعب بعد ان بلغت الخامسة والخمسين من عمرها. لكنها مازالت تحس أنها لم تأخذ حقها من الحياة العاطفية الحقيقية التي كان يمكن أن تباعد بينها وبين هذا الفراغ القاتل الذي تعيش فيه علي الرغم من رغد الحياة وثراء العيش.