حادث احتراق العّبارة »بيلا« صباح أمس الأول قرب ميناء العقبة الأردني كان بمثابة اختبار حقيقي لتكامل وتعاون أجهزة دولتين شقيقتين لمواجهة حادث ضخم وكشف الحادث عن الاستعداد التام واليقظة الكاملة لاجهزة الانقاذ في الاردن ومصر وكانت النتيجة عدم تحول الحادث إلي كارثة بعد ان تم انقاذ جميع الركاب دون ضحايا إلا من بعض الاصابات البسيطة. »أخبار اليوم« تابعت عن قرب تفاصيل الحادث والتعامل معه سواء في العقبة الاردنية او نويبع المصرية براً وبحراً. كانت اشارة الاستغاثة التي اطلقها ربان العبارة »بيلا« في الثامنة والنصف صباحا والتقطتها أجهزة ميناءي العقبة ونويبع بمثابة الشرارة التي حولت المنطقة الي خلية نحل. فقد تلقتها جميع العّبارات واللنشات بنويبع والبحر الأحمر وتوجهت مباشرة لموقع العّبارة المحترقة فيما كانت تنطلق قطع بحرية للإنقاذ والاطفاء من القاعدة البحرية فيما كانت طائرات تقلع وعليها قوارب الانقاذ واطواق النجاة تتجه صوب خليج العقبة. الكل في واحد في نفس اللحظات كانت أجهزة الحكومة الاردنية بكاملها قد اصبحت في حالة استنفار كامل في ميناء العقبة وعلي رأسها القوة البحرية الملكية وسلاح الجو الملكي ومؤسسة الدفاع المدني وكوادر الدفاع المدني بقيادة العميد ايمن الشراري وصلت الي ساحة الميناء حيث شرعت بسرعة في تشييد مستشفي ميداني صغير لتقديم الاسعافات الاولية للحالات البسيطة فور اجلائهم واحتشد بالمكان 08 مسعفا و02 سيارة إسعاف.. مستشفي الاميرة هيا العسكري اكبر المستشفيات بالمنطقة واكثرها قدرة علي التعامل مع الحوادث الكبري اعلن حالة الطواريء واستدعي اطباء له. وقام مدير المستشفي العميد محمود اليماني بتوجيه 4 فرق للإسعاف بالميناء. فيما كان محافظ العقبة بالوكالة حسين كرشان وجميع مسئولي قطاعات أجهزة المدينة قد شكلوا مركزا للقيادة والسيطرة للتنسيق بين جميع الأجهزة التي بدأت تتعامل مع الحادث. الوقت كان يمر فيما بدأت عمليات الاطفاء تشارك بكثافة خاصة مع تقرير ربان العبارة بانتشار الحريق من مخزن الامتعة الي باقي اجزاء العبارة رغم الحرفية الشديدة في التعامل مع الحريق.. خاصة ان طاقم العبارة بدأ يعمل في ظل ظروف صعبة للغاية بسبب حالة الذعر التي سيطرت علي مشاعر الركاب الذين استجمعوا ذكريات كارثة العّبارة السلام 89، معظم الركاب بدأ يردد الشهادتين.. فيما احتضنت الامهات اطفالهن ليكونوا معا اذا غرقت العبارة ولقوا حتفهم.. كان افراد الطاقم قد صعدوا جميعا إلي السطح فبجانب محاولات السيطرة علي الحريق كانوا يقومون في نفس الوقت بفك قوارب النجاة عن أسوار العبارة لانزالها. الاطمئنان بدأ الاطمئنان يعرف طريقه شيئا ما مع ظهور قوارب الانقاذ الاردنية ثم ظهور الطائرات في السماء تحوم فوقهم كان ذلك يعني ان تدخلا سريعا قد حدث وانهم لن يصبحوا طعاما لاسماك القرش.. لم يمر الوقت كثيرا حتي لاحت في الافق اللنشات السريعة »كوين والبرنسيسة« وهي لنشات نقل ركاب سريعة كانت رابضة علي رصيف نويبع ولكنها وصلت للمساعدة في الاجلاء الذي بدأ بالفعل ولكن التعليمات صدرت للجميع باخلاء الركاب طبقا للاولوية وعلي رأسهم كان الاطفال ثم المصابين.. رجال الانقاذ اقنعوا الامهات والعائلات بالاطمئنان وعدم الخوف عليهم لانهم سيكونون في أحسن درجات العناية والرعاية لحين اللحاق بهم. بدأت عمليات الاجلاء اولا من العبارة وسط الدخان الكثيف الي اللنشات التي توجهت بالركاب في البداية الي الميناء الحربي قبل ان يتم نقلهم جميعا إلي رصيف ميناء العقبة المدني. النقل بالطائرات رجال الانقاذ اكتشفوا ان هناك أكثر من حالة سيدة مصرية حامل بين الركاب والسلطات الاردنية امرت بتوفير حالة رعاية لهن وقررت توفير طائرة هليكوبتر تم استخدامها في نقل السيدات للمستشفي خاصة ان واحدة كانت في حالة ولادة وشيكة. الإسعافات الاولية كانت تتم علي قدم وساق سواء علي رصيف الميناء او داخل مستشفي »الاميرة هيا« الذي بلغ عدد من استقبلهم حتي الظهر نحو 24 شخصا مصابا ومعهم المواطن الاردني الذي قفز في المياه بمجرد اندلاع الحريق وغرق نظرا لعدم قدرته علي السباحة. في تمام الساعة الثانية ظهراً كان قد تم نقل جميع الركاب إلي رصيف ميناء العقبة وساحته.. كان أول المشاهد الانسانية هو بكاء الاطفال الذين تم نقلهم اولا. بعض هؤلاء الاطفال لا يزيد عمره عن شهور ثلاثة. وكان رجال القنصلية المصرية يحاولون مع اطقم العمل الاردنية تهدئة الاطفال في لحظات كانت الامهات قد وصلن واندفعن نحو اماكن ايواء الاطفال في حالة هيستريا بحثا عن اطفالهن واستمرت عملية التوتر في هذا الموقف الانساني نحو نصف ساعة حتي تم استلام الامهات لاطفالهن. بدأت مشكلة انسانية اخري وهي انهيار معظم الناجين نفسيا كانوا في حالة فزع فمعظمهم من العمالة البسيطة التي خرجت للغربة بحثا عن لقمة العيش ولكنهم في لحظات فقدوا تحويشة العمر.. بعض الركاب فقد امتعته التي تحتوي علي هدايا العيد لاولاده وكان في طريقه اليهم. ليس العمال فقط هم الخاسرون هناك اصحاب سيارات النقل التي تعمل علي الخط بين مصر والاردن لنقل البضائع. احترق عدد لا بأس به في العبارة وأصبح السؤال السائد الذي يتردد علي ألسنة الجميع هل سيتم تعويضنا علي هذه الخسائر التي لا دخل لنا فيها.. المستشار محمد عليوه بذل جهدا كبيرا في اقناعهم بأن العّبارة المنكوبة هي عّبارة رسمية مملوكة لمصر مع شركائها ومؤمن عليها بالكامل سواء البشر أو الامتعة وسيكون ذلك في أسرع وقت، حيث ان وزارة النقل المصرية طرف أصيل في الملكية للعّبارة وصرف التعويضات - واخبرهم ان هناك 51 وكيل نيابة في انتظارهم بنويبع فور وصولهم لاثبات حقوقهم. في تمام الساعة الرابعة كانت العّبارة البديلة التي ارسلت من نويبع لنقل الناجين قد اكتظت بهم في طريقهم إلي نويبع بينما تخلف 32 راكبا كانوا قادمين من المستشفي وقد تم حجز أماكن لهم في عّبارة تالية. انتهي المشهد مؤقتا علي رصيف ميناء العقبة بمغادرة العّبارة بالناجين إلي نويبع حيث كان هناك الجانب الآخر من الاختبار الذي تعرضت له الاجهزة المسئولة في حادث العبارة »بيلا«. نويبع علي الخط منذ الصباح كانت هيئة موانيء البحر الأحمر قد اخطرت سلطات ميناء نويبع بالحادث وبدأت الاستعدادات للتعامل مع الحادث.. اللواء احمد زغلول مدير شرطة الميناء اجتمع مع ضباطه وضباط القطاعات الاخري مثل الجوازات والامن العام وغيرها ليشكل فورا غرفة ادارة ازمات استعدادا لوصول الناجين بعد ساعات مؤكدا لهم ان يكون الجميع علي سعة صدر لتحمل حالات الغضب والتوتر التي سيكون عليها هؤلاء الذين عاشوا وقتا عصيبا. مجموعة مواجهة الأزمة والتي شملت أيضا كل اجهزة ميناء نويبع حددت اولويات التعامل.. تم استدعاء اسطول من اتوبيسات شركة شرق الدلتا التي تم وضعها تحت تصرف الركاب القادمين لنقلهم الي محافظاتهم مجانا تقديرا لمعاناتهم.. ضابط جوازات رافق العبارة التي توجهت للعقبة لنقل الناجين ليتولي سرعة اجراءات الدخول للبلاد.. من فوق ظهر العبارة واثناء عودتها، اخطر الضابط اللواء احمد زغلول بأن هناك عددا ليس بقليل من الركاب فقد جواز سفره اثناء الحادث أو الانقاذ فتم توفير عدد من ضباط الجوازات مزودين بوثائق سيتم اصدارها لفاقدي جوازاتهم وذلك لاثبات تاريخ عودتهم لضمان حصولهم علي حقوقهم من التعويضات. في تمام السابعة مساء الخميس كانت العّبارة تقف علي رصيف الميناء بمجرد فتح بابها اندفع المئات من الركاب علي ساحة الرصيف.. كان المشهد مأسويا وعلامات الانهيار والحزن تبدو عليهم ورغم حالة الاطمئنان التي بثها القنصل المصري في العقبة لهم فقد حضروا بنفس مشاعر القلق علي متعلقاتهم المفقودة، ضباط الشرطة بذلوا جهدا كبيرا لتهدئتهم اللواء احمد زغلول اشار الي مبني ادارة شرطة الميناء قائلا لهم هناك فريق كامل من النيابة العامة يجلس منذ ساعات في انتظار لاتخاذ الاجراءات القانونية لاسترجاع حقوقهم وصرف التعويضات. في لحظات ظهر مشهد إنساني حيث كان احد العائدين قد ترك طفلته زهراء محمد »4 سنوات« لدي جاره في العبارة وعن الخروج انفصلا عن بعضهما ظل الأب يصرخ بحثا عنها بينما كان الرجل يمسك بالطفلة في ادارة الميناء ليبحثوا له عن والدها وانتهي المشهد باحتضان الاب لابنته وهو يجري بها إلي أمها. اداء مثالي مدير شرطة الميناء وجه نداءه للجميع بأن من يريد مغادرة الميناء الآن مباشرة فهناك اتوبيسات شرق الدلتا ستنقله لمحافظته مجانا.. أما الركاب الذين يرغبون في اتخاذ اجراءات لاثبات حقوقهم فعليهم التوجه إلي مبني الادارة حيث ينتظرهم منذ ساعات 51 وكيلا للنيابة للاستماع الي اقوالهم ومواصفات وقيمة امتعتهم المفقودة. ضرب ضباط الشرطة في ميناء نويبع المثل في العمل الانساني عندما اكتشفوا ان عددا كبيرا من العائدين والاطفال يعانون العطش فتبرعوا من جيبهم الخاص لشراء كراتين زجاجات مياه للكبار وعصائر للأطفال تم توزيعها عليهم. وفور انتهاء اجراءات دخول الناجين الي البلاد توجه من فضل البقاء لاتخاذ الاجراءات القانونية للحفاظ علي حقوقه إلي مقر مكاتب فريق النيابة الذين بلغ عددهم 51 رئيس ووكيل نيابة باشراف المحامي العام لجنوب سيناء حيث استمر سماع اقوال 045 راكبا حتي الساعة الثامنة والنصف صباحا حددوا مواصفات وقيمة ممتلكاتهم التي فقدت.. كما طلبت النيابة العامة في النهاية تسليمها أوراق العبارة والشركة المالكة لها وكذلك صورة من تقرير الفحص والسلامة التي اجريت للعبارة. أزمة جديدة في الفجر وعلي الجانب الآخر لشاطئ خليج العقبة هناك في الاردن لاحت مشكلة جديدة بدأت في الثالثة فجرا حيث تم ايقاظ المستشار محمد عليوه القنصل المصري الذي لم يمر علي نومه سوي ساعتين فقد تكدس نحو 0001 راكب مصري كانوا من المفترض سفرهم لمصر ولكنهم لم يجدوا العبارة التي حجزوا عليها حيث كانت لاتزال في نويبع بعد اشتراكها في عمليات الإجلاء والانقاذ وعلي الفور توجه القنصل إليهم وعمل علي تهدئتهم خاصة بعد اتصاله بميناء نويبع لسرعة توجه العبارة التي اقلعت بالفعل الي العقبة. ثم عاد القنصل وفريقه لمستشفي الأميرة هيا العسكري لمتابعة 9 مصابين للاطمئنان عليهم.