»يستحق الشعب المصري جائزة نوبل علي ثورته السلمية« عبارة قالها الرئيس النمساوي »هانس فيشر« مشيداً بثورة 52 يناير التي أذهلت العالم كله.. وقد دفع رأيه هذا بالمصريين في النمسا لمطالبة الحكومة النمساوية بعلاج بعض الحالات الحرجة من مصابي الثورة علي نفقتها الخاصة فاستجابت لتفتح باب الأمل أمام شباب مصري ضحي بحياته من أجل مستقبل أفضل لبلاده.. هنا في النمسا يجري علاج 7 من أصعب الحالات الطبية.. وحين وصلت الي النمسا كان سؤالي الأكثر إلحاحاً عن مصابي الثورة المصرية الذين يعالجون في عدة مقاطعات مختلفة ومتباعدة وحين سألت القنصل المصري أحمد شريف لطفي قال لي: تعالي أعرفك بالرجل الاول والأهم المسئول عن علاج مصابي الثورة.. وأشار الي أحد الحضور وكان د. طارق عفيفي الذي لا تخطئ العين ملامحه وروحه المصرية الخالصة رغم وجوده في النمسا منذ نحو عشرين عاماً د. طارق عفيفي أستاذ طب الطوارئ والاسعاف وأمين اتحاد الاطباء العرب ورئيس اتحاد الاطباء والصيادلة المصرين في النمسا صاحب الرحلات المكوكية بين القاهرة وفيينا لاختيار المصابين الذين يجري علاجهم علي نفقه حكومة النمسا.. د. طارق تخرج في كلية طب طنطا عام 1891 ولم يكن السفر الي الخارج يداعب خياله فجري تعيينه باحدي الوحدات الصحية بمحافظة قنا وهناك فوجئ بالاهمال الشديد في علاج المرضي حيث اكتشف ان دواء المرضي يباع علناً فتصدي لذلك وذهب يشكو للدكتور أنور المفتي فقال له: ان غياب الرقابة أدي الي ذلك ثم أضاف: انت مثالي أكثر من اللازم ولن تستطيع ان تستمر هنا طويلاً وأشار عليه بالسفر خارج مصر فقرر السفر الي النمسا وقدم أوراقه للجامعة فقبلوه وشعر وقتها كما يقول »أنني سأستطيع ان أخدم مصر من هنا أكثر« ولم يكن يعلم د. طارق ان اللحظة التي يستطيع فيها ان يخدم بلده قد حانت مع اندلاع ثورة 52 يناير.. حين تقرر سفره الي مصر واختيار حالتين من مصابي الثورة لتتكفل الحكومة النمساوية بعلاجهما. ويقول د. طارق: شعرت بفخر ومسئولية.. أنا مثل كل المصريين نسافر ونعمل وننجح في الخارج لكن تظل قلوبنا وعقولنا متجهه الي مصر وقد فرحت بهذه الثورة التي أذهلت العالم كله وشعرت ان بلادنا ستخطو نحو مستقبل أفضل تستحقه.. مفاجآت بالجملة وفي القاهرة كانت هناك أكثر من مفاجأة في انتظاره ويقول د. طارق قابلت ثلاث سيدات فضليات قد يغضبن حين أذكر أسماءهن وهن ايمان فوزي وسناء توبة وهبة السويدي وقد تطوعن لحصر الحالات المصابة ونوعية الاصابة واسم كل جريح ورقم تليفونه والمكان الذي يعالج به.. وخلال 84 ساعة قمت بزيارة مائة وعشرين مصاباً واخترت 72 حالة كان علي ان اختار منها حالتين فقط فجلست علي الرصيف أبكي أمام محل جروبي فكيف اختار حالتين وأترك 52 حالة معرضة للموت.. قلت له: وماذا كانت معايير الاختيار؟ وكيف تغلبت علي هذا الموقف؟ قال: قررت اختيار الحالات التي أشعر ان علاجها في مصر صعب والتي تحتاج لفترات علاج أطول.. وذهبت الي السفير النمساوي بالقاهرة وقلت له كيف تكتفي دولة النمسا بعلاج اثنين فقط؟ فقال لي حاول مرة أخري فهذه مسئوليتك.. وحينما عدت الي النمسا قدمت تقريراً عن تلك الحالات وعدت ثانية الي القاهرة بصحبة صحفي نمساوي وأعدنا تفقد بعض الحالات الحرجة لاكتشف وجود أخطر حالة وأصغرها لشاب عمره 61 عاماً هو كريم حجاجي.. وتقدمنا للحكومة النمساوية من جديد بطلب لعلاج ثلاثه من هذه الحالات وكانوا كريم حجاجي ومحمود عبد الواحد ومحمود عبد الرؤوف ثم أضفنا لهم اثنين هما حسن فريد وأسامة حلمي اصابته بتهتك في الكوع وشرايين الذراع .. لم يكتف د. طارق عفيفي برحلاته المكوكية لاختيار الحالات الحرجة وانما قاد وزملاؤه حملة تطوع لزيارة مصر وعلاج بعض الحالات في المستشفيات المصرية ويقول عن ذلك: اقمنا حملة تبرعات بالتعاون مع رابطة الثقافة العربية بالنمسا واتحاد الاطباء العرب واتحاد الاطباء والصيادلة المصرين ويضم نحو خمسمائه طبيب وجئنا للقاهرة في ابريل الماضي كنا 41 طبيباً من بينهم 6 نمساويين وأجرينا جراحات وعلاج ل 21 حالة في مستشفي معهد ناصر ثم عدت مرة أخري لمدة 84 ساعة برفقة طبيب نمساوي لاجراء 4 جراحات عاجلة.. »بكتريا خطيرة« وماذا كانت أخطر الحالات التي التقيت بها؟ الرصاص الحي الذي أطلق علي المتظاهرين السلميين أدي لاصابات عديدة هددت بعضهم بالبقاء عاجزين طول العمر ثم الاهمال في التعامل مع هذه الحالات داخل كثير من المستشفيات ف 99٪ من المصابين تعرضوا للاصابة ببكتريا »MRSA« وهي من أخطر أنواع البكتريا المضادة لكافة المضادات الحيوية ويتكلف علاجها الكثير.. لكن حالة كريم حجاجي كانت الحالة الأندر بين المصابين التي جعلت الصحفي النمساوي يقول لي لابد ان نفعل شيئاً من أجله وما طبيعة اصابته؟ كريم أصيب برصاصة في رأسه وقد ظل طريح الفراش في المستشفي وظلت الرصاصة كامنة لمدة ستين يوماً وحينما زرته بالقاهرة ورفع والده الغطاء عنه كانت قرح الفراش التي وصلت الي 51 سم قد ملأت جسمه.. ونشر الصحفي النمساوي الصور وكتب عن حالته وقد أطلعت د. حمدي مصطفي أشهر طبيب مخ وأعصاب في النمسا وهو مصري يعيش منذ أربعين سنة هنا رأيته يبكي حين قامت الثورة وقال لي لابد ان نفعل شيئاً.. فاتصلت به لأخبره بحالة كريم وأرسلت له تقريراً وصوراً للحالة فعاد يسألني بسرعة: هل لازال صاحبها علي قيد الحياة؟.. فقلت: نعم.. فقال: سأعود اليك.. وبعد دقائق اتصل ليقول لي: هات كريم فوراً فقد حصلت علي موافقة بعلاجه علي حساب الحكومة النمساوية وأجري له ثلاث عمليات استغرقت احداها ست ساعات فقد عبرت الطلقة المخ من اليمين واستقرت في الشمال فعطلت مراكز الكلام والحركة فأصيب بشلل رباعي كما كان يعاني من التهاب رئوي وارتفاع في درجة الحرارة وحالة اختلال في الكلام.. وقد تم اخراج الرصاصة في جراحة أشبه بالمعجزة قام بها د. حمدي مصطفي.. وعاد كريم مؤخراً للاسكندرية حيث سيخضع لعلاج طبيعي طويل حتي يتمكن من الوقوف علي قدميه بينما ينتظر محمود عبد الواحد تركيب مفصل صناعي في الحوض بعد ان أجري 52 عملية لعلاج اصابات البطن ويعالج حسن فريد من كسر فقرتين في العمود الفقري.. وأخيراً فإنه في النمسا يحظي المصابون برعاية طبية وانسانية فائقة فالأطباء المصريون يعتبرونهم أبناءهم ولا ينادون أي منهم سوي بلقب »البطل« اما الجاليات المصرية فقد تجمعت في أتوبيسات سياحية مع أبنائها لزيارة المصابين والتخفيف عنهم.. حسن فريد شاب مصري عمره 72 سنة يعالج بمستشفي »كرميز« أثر إصابته في مدينته المنصورة ب »003« طلقة خرطوش يوم السبت 92 يناير كما أصيب بطلقتي رصاص حي في قدمه ووقع من ارتفاع سبعة أمتار مما أدي لكسر فقرتين في ظهره وقد جاء الي النمسا أوائل أغسطس الماضي حينما نجح د. طارق عفيفي في اضافته لمصابي الثورة الذين يعالجون هنا.. ويقول حسن: تخرجت في كلية الخدمة الاجتماعية وأعمل عملاً خاصاً مع خالي في المنصورة كما أشارك كناشط في المنظمة المصرية لحقوق الانسان وقد خرجت في مظاهرات يوم 62 يناير في التحرير ويوم 72 في الاسكندرية وجاءت إصابتي يوم 92 في المنصورة وعن حالته الصحية الان يقول حسن فريد: تم اجراء ثلاث عمليات في قدمي وكان من المفترض ان أجري عملية في ظهري لكن الاطباء أشاروا بخطورة ذلك وأقروا لي علاجاً طبيعياً أولاً ولم يحسموا حتي الان توقيت إجراء هذه الجراحة.. رصاصة أصابته بالشلل محمود عبد الرؤوف أحد الحالات الحرجة التي أصر د. عفيفي علي علاجها في النمسا ومحمود عمره (91 سنه) وهو طالب بالسنه الأولي بهندسة القاهرة وكان قد شارك في مظاهرات يناير وتعرض يوم 2 فبراير لرصاصة في فخدة الأيمن أدت الي تفتت في أعلي الفخد مع قطع العصب مما أدي أصابه بشلل في قدمه اليمني. وقد أجريت له جراحة »تثبيت داخلي في القدم اليمني« لكي تستعيد طولها الطبيعي ويخضع لعلاج طبيعي مكثف . تهتلك في الأمعاء محمود عبد الواحد من الاسكندرية خرج في مظاهرات 52 يناير التي بدأت من محرم بك واتجهت الي مسجد القائد ابراهيم وبدأ الامن يطاردهم وفي مساء نفس اليوم أصيب بطلقتين الاولي أدت الي اصابته بتهتك في الامعاء الغليظة وخرجت من فتحه الشرج والثانية أدت الي تفتت الفخذ الشمال وقد أصيب أيضاً بالتهاب شديد وخراج نتيجة تأخر علاجه .