بعد أن فشلت كل محاولات المراوغة والالتفاف علي إرادة الشعب، أدرك حسني مبارك أن الخروج من السلطة أصبح هو الخيار الوحيد . اتخذ مبارك قرار التنحي يوم 11 فبراير وهو كمن يتجرع السم .. كان الشعور المسيطر عليه أن المسألة ليست ثورة علي نظامه بل مؤامرة ضده تعكس نكران شعب مصر لأفضاله وجمائله المزعومة! في تلك اللحظة كانت هناك خيارات عديدة أمام مبارك بعضها يمكن أن يفتح الطريق امام استقرار مصر بعد سقوط النظام مثل تكليف رئيس المحكمة العليا أو لجنة حكماء أو مجلس رئاسي معين بتولي السلطة لفترة مؤقتة يتم خلالها إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية مع قيام الجيش بواجبه في حماية الأمن والاستقرار . هذا الخيار كان يتطلب قدرا هائلا من التجرد والموضوعية وإنكار الذات وهي كلها صفات لا تتوافر، بكل اسف، في شخصية مبارك، لذلك لم يكن من الغريب أن يلجأ الرئيس السابق لخيارات ذاتية وانتقامية تتفق مع شخصيته العنيدة وحالته المزاجية وقت السقوط وكانت كلها في اتجاه أن مصر يجب أن تندم علي اللحظة التي راودتها فيها فكرة الثورة علي نظامه الدكتاتوري. هكذا، قرر مبارك أن تتولي القوات المسلحة السلطة، وهي خطوة لا غبار عليها بل ربما كانت هي الخيار الأكثر ملاءمة للحالة التي كانت مصر عليها لحظة إعلان سقوط النظام لولا رؤية مبارك الخاطئة للجيش المصري والتي جعلت هذه الخطوة تبدو وكأنها كلمة حق يراد بها باطل. فالرئيس السابق كان يعتبر جيش مصر جيشه الخاص وقادته هم رجاله الذين لن يرفضوا له أمرا ! كان هذا هو خطأ مبارك أو خطيئته.. فالجيش المصري مشهود له بالانضباط ولكن ولاءه الاول والاخير للشعب. واكتشف مبارك هذه الحقيقة عندما أكدت القوات المسلحة أن مهمتها هي حماية الثورة . لم تهدأ نار الانتقام في صدر مبارك وفلول نظامه وحزبه. الذين سعوا لتوريط الجيش المصري في صراع رفض أن يدخله بإرادته ضد الشعب. تصاعدت هذه المحاولات مرة بعد أخري من إحراق الكنائس إلي استخدام البلطجية لإثارة الرعب ومحاولات التظاهر أمام وزارة الدفاع ودعوات الهجوم علي المنشآت العسكرية! وأخيرا انكشفت المؤامرة بكل وضوح خلال الأحداث المريبة والغامضة بمنطقة ماسبيرو. بدأت المؤامرة بإطلاق نيران "مجهولة" علي الجيش والمتظاهرين معا ثم هروب المجرمين ليتركوا للشك وسوء الظن المتبادل إكمال مهمتهم القذرة. ووسط حالة الفوضي سقط الكثيرون علي الجانبين بما يمكن وصفه بأنه »نيران صديقة حمقاء«.. لقد كانت مصر في غني عن كل هذه الاخطار والتهديدات فقط لو كان الدكتاتور السابق قد اعترف بالحقيقة واختار طريقا أقل وعورة تسير فيه البلاد بعد سقوط نظامه. ولكن بدلا من ذلك كان قرار مبارك هو الانتقام من الجميع.. إنها طبيعته المريضة ونفسيته المعقدة التي دفعته لإرتكاب آخر جرائمه عندما اختار هدم المعبد علي رؤوس الجميع حتي ولو كان هو معبد الوطن!!