في رمضان.. وحينما تحاول الذهاب إلي وسط البلد.. فعليك أن تعلم أنك تذهب إلي ضجة مجنونة لا تعرف الرحمة.. فرخاوة خطوات المارة تجعلك تفكر في أن كائنات وسط البلد فقدت إحساسها بجاذبية الأرض وأنها علي وشك التحليق.. والارتماء علي صدرك من ثقل الصوم ومعاناته.. وعليك أيضا أن تحتمل تعدد الأيدي النحيلة المتسخة طالبة منك حسنة لوجه الله.. ولن تفلح في الاعتذار لهذه المتسولة أو تلك.. ذلك أن خبرة الإلحاح في التسول والإمساك بأي جهة متاحة من ثيابك سوف تجعلك تستجيب.. وعليك أيضا احتمال حالة النزق التي تصيب الباعة.. وعدم احتمالهم لأي سؤال مقترح حول البضاعة ونوعيتها.. لا لشيء سوي أن البائع صائم.. وعليك بناء علي كل هذا أن تختار الوقت المناسب قبل أن يصل السوق إلي لحظة الذروة.. وهي علي الأغلب بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحا.. وعليك في لحظة الحصول علي تاكسي أن تجزل الدعاء لرب العالمين كي يمنحك سائقا ابن حلال.. ذلك أنك لن تحصل علي سائق بسهولة.. وإن حصلت فإنك علي الأغلب سوف تتعرض لأسئلة عن المكان الذي تود الذهاب إليه.. وفي العادة يأتي السؤال استعلائياً علي اعتبار أنه يقود مركبة فضائية..وهي مجرد سيارة كهنة غير مكيفة طبعا.. وحين تغامر وتعطيه الإجابة فهو يلوح لك بيديه قائلا: ليس في طريقي .. وهو بذلك يدعوك وبطريقة لا تخلو من الحماقة المهنية أن تذهب معه إلي الجهة التي هو ذاهب إليها.. وفي رمضان وحينما تحاول بعد الإفطار أن تتخلي عن مشاهدة الدراما السمجة والمسلسلات المملة .. وتنزل إلي الشارع كنوع من محاولة تمزيق رتابة الأيام .. فإنك سوف تري القاهرة كلها وقد تحولت إلي خيط من السيارات يمتد علي مدي الشوف .. وتقضي ساعات في إشارات المرور.. وأخيرا تصل إلي مقهي مكتظ بالزبائن.. الذين أمضوا النهار الرمضاني بانتظار إلتهام المشاريب والسحور.. في رمضان الحالي حيث المقاهي والخيام الرمضانية والغناء والبذخ الكافر وكل أشكال الجنون .. تحس بحرقة الشوق لرمضان العبادة والاعتكاف.. في شهر العفو والغفران!!