افرزت الاحداث الاخيرة التي يشهدها الشارع السياسي ظهور مفهوم "صراع المليونيات" .. التي عرفها المجتمع في بدايتها تسعي إلي المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية.. ولكن يبدو ان الامر قد تغير بعد انتهاء الموجة الاولي للثورة فالقوي تفرقت والاهداف تضاربت والافكار تناحرت وتحول ميدان التحرير من مقر رسمي للثورة إلي ملعب يتم حجزه بالقوة كل اسبوع إما لاستعراض العضلات أو ارسال رسائل خاصة ليس من بينها المصلحة العامة رغم ان جميعها ترفع شعارات "الشعب يريد والثورة تقول.." ويؤكد محمد علام رئيس اتحاد الثورة المصرية ان الهدف من المليونيات تغير مما كان عليه وقت الانتفاضة الاولي لثورة يناير وتحولت المليونيات لخدمة اهداف لا تتسم بالعمومية او المصلحة القومية .. فصائل سياسية متشتتة ومتعارضة في اهدافها تسعي كل منها لاثبات سيطرتها وقدرتها علي تحريك الشارع من خلال التهديد بالمليونيات واستخدامها كأداة للي الذراع وفرض الاجندات والمصالح فالاسلاميون يدعون الي مليونيات والليبراليون يتحالفون مع فصيل اخر لمليونية اخري والامثلة كثيرة.. المليونيات لم تعد في حب مصر ولكنها اصبحت في حب الذات.. وللأسف العالم الذي شاهد الثورة بكل نظرات الاعجاب والتقدير بدأت توجهاته تتغير منها بعد هذا الصراع الفكري والايديولوجي العنيف الذي يشهده الشارع والذي لا تحكمه قواعد وليس له سقف. ويري محمد علام ان المرحلة القادمة هي مرحلة تكسير عظام سياسي وفكري ولا نريد ان تكون المليونيات ساحات للمعركة. تحول في الأهداف ويؤكد وليد عبدالمنعم ان التناحر الشديد بين القوي والفصائل السياسية والذي تمثلت مشاهده في مليونيات التحرير لن يكون من ورائها اي خير للمجتمع.. فلو نجحت جميع القوي السياسية في اثبات ان لها مؤيدين في الشارع ومناصرين واصبح الجميع قادرين علي تحقيق المليونيات من الممكن ان تأخذ المواجهة شكلا اخر مع انتشار الاهداف والاجندات وما يعانيه مجتمعنا من غياب امني. لقد تحولت المليونيات من فكرة الدفاع عن الثورة ومكتسباتها والرغبة في تحقيق جميع الاهداف التي قامت من اجلها الي تجمعات وتظاهرات لا يجمع عليها الشارع المصري وللاسف تحولت الي ساحات لباعة جائلين وتعطيل المرور وغيرها من الامور التي لاتتفق مع الاهداف السامية والنبيلة التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير. ويستنكر د. عصام النظامي عضو المجلس القومي للثورة الدعوة للمليونيات في هذا الوقت لعدة اسباب اهمها انه لم يعد هناك مطلب شعبي يجمع عليه الكل وان الشعب حينما كان يخرج الي التحرير مع بداية الثورة للصراخ والتعبير عن مطالب لها ما يبررها ولم يقتصر الميدان علي اعمار او اجناس او فصائل سياسية وانما كان هناك مزيج عجيب ورائع للمسلم والمسيحي الغني والفقير الشاب والفتاة ومن هنا جاء مصطلح شرعية التحرير التي وقفت مع كل ما يخدم المصلحة العليا للوطن.. اما عندما تتحول هذه المطالب الي اخري فئوية او تعبر عن اهداف قوي دون غيرها فإن الميدان وقتها لا يعد هو المكان المثالي لأننا في هذه الحالة لسنا في حاجة الي اعتصامات أو تظاهرات أو مليونيات ولكننا في حاجة الي حالة من الحوار الهادئ والمتزن الذي نستطيع معه التعبير عن الافكار والرؤي والوصول الي حالة من التوفق ونبذ الاختلاف. جذور الصراع ويقول المستشار احمد الخطيب ان صراع المليونيات لم ينشأ مؤخرا فقط ولكن اسبابه بدأت منذ اندلاع الثورة وظهور الائتلافات فأخذ الصراع طريقه للظهور علانية بين القوي السياسية وتمثلت فكرة الصراع اولا في سعي هذه الائتلافات الي نيل شرف العمل الثوري اعتمادا علي ايديولوجية فكرية او نظرية سياسية تحكمها أو اهداف ترمي الي تحقيقها أو دور سياسيي تمارسه علي ارض الواقع فبعضها انصب دوره علي الاشتغال بالعمل السياسي والحياة الحزبية والبعض سعي نحو اداء الدور الاجتماعي وممارسة الانشطة الخدمية والبعض فضل تمثيل فئات او مهن معينة بهدف حل المشاكل الخاصة بها وتحقيق مصالحها ودخلوا مع بعضهم البعض في صراعات لتحقيق اهدافها فانعكس الامر علي الدعوة للمليونيات والتظاهرات.. ويضيف الخطيب فيقول انه مع استقرار الاوضاع السياسية وعودة الاحزاب والمؤسسات التشريعية والقانونية الي ممارسة دورها القانوني اصبحت ظاهرة الائتلافات علي شفا حفرة من الزوال وان ارادت الاستمرار علي قيد الحياة عليها ان تتجه لتوفيق اوضاعها واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة سواء لتحولها الي احزاب سياسية أو جمعيات اهلية أو ممارسة دورها المهني والفئوي من خلال النقابات المهنية. ويتفق سعد طعيمة مع سابقه ويري فكرة الصراع من منظور اخر فهو يؤكد ان تعدد الاهداف للائتلافات واختلافها يؤكد انعدام الشرعية لها فهي تعبر عن مصالح خاصة وانها لم تشكل لتحقيق مصلحة عامة او لحل مشكلة قومية وبناء علي هذا الاساس تتجسد فكرة الصراع المستمر ليس فقط بينها وبين مثيلاتها من القوي السياسية ولكن ايضا في الفكرة والايديولوجية التي تقوم عليها.