اسمه "السرطان" الذي يتسلل إلي الجسد دون استئذان، فينهك قواه، ولا علاج إلا الموت أوالبتر. إنه الفساد مصاص دماء الشعوب، ولا يقاس تقدم الدول، إلا بترتيبها في جداول منظمات الشفافية الدولية، وتقدمت مصر في سنوات قليلة من رقم 144 إلي 105، وهذا في حد ذاته إعجاز كبير. الدولة هي التي أعلنت حرباً لا هوادة فيها علي الفساد، وتقود القارة الإفريقية التي يعشش الفساد في أركانها، لترسم طريقاً أكثر عدالة لشعوبها، وهوما أكد عليه الرئيس السيسي، في كلمته أمام المنتدي الإفريقي الأول في شرم الشيخ. الرئيس أعطي الضوء الأخضر للأجهزة الرقابية، لإعلان الحرب علي الفساد، بضوابط قانونية عادلة وشفافة، وفي مقدمتها الرقابة الإدارية، وهي ليست جهازا رقابيا يقبض علي الناس ويرميهم في السجون، لكنها هيئة محترمة تستخدم أحدث الوسائل التكنولوجية، لإعلاء ثقافة محاربة الفساد. شرم الشيخ مدينة السلام والجمال والسحر، فتحت ذراعيها لوفود الدول الإفريقية، من وزراء العدل والداخلية ورؤساء الأجهزة الرقابية، ويبدو أن من يتذوق سحرها لا ينساها أبداً، مدينة تحفر ملامحها في وجدان من يزورها . رجال الرقابة الإدارية، من أعلي رتبة حتي صغار الموظفين، حققوا أعلي درجات النجاح، في تنظيم المؤتمر، وتجهيز ورش العمل واستقبال الضيوف وتسهيل الإقامة، ورغم أنهم قاموا بهذا العمل الضخم بأنفسهم، إلا أن خبراتهم التنظيمية، أضفت علي أجواء المؤتمر سلاسة وسهولة. رئيس الرقابة الوزير شريف سيف الدين لا يعرف الهدوء، مقابلات ومداخلات وترحيب بالضيوف، ومراجعة كل الفعاليات خطوة خطوة، فخرج المؤتمر الرائع، الفريد من نوعه في العالم، في صورة مشرفة، تضاف إلي سجلات الشرف التي تسطرها مصر في مثل هذه المؤتمرات الدولية. الأبحاث والندوات واللقاءات تساوي مجلدات كبيرة، للمرور فقط علي الأفكار الرائعة التي تناولتها، ولكني ألتقط منها عناوين عريضة : جهل المثقفين بجرائم الفساد، لا يقل خطورة عن الفساد نفسه، ف 99% من الناس يتخيلون الفاسد هو بلطجي وعنيف وشكله يخوِّف، بينما 1% فقط يدركون الفاسدين السمان ذوي الياقات البيضاء، وهم الأكثرية، أولاد ناس، متعلمون ويركبون سيارات فارهة ويسكنون الأحياء الراقية. الفلوس "لا توجع" الفاسدين الكبار،مهما بلغت أحكام التعويض المالي، ويتطلب الأمر إعادة صياغة القوانين، لضمان الردع وليس المصالحة ودفع الغرامات. الفاسد الصغير الذي يأخذ رشوة مائة أوألف جنيه ليس المشكلة، ولكن الرشوة في القطاع الخاص هي الخطر، وتهريب الأموال وتجارة العملة وغيرها من الأنشطة التي تدمر الاقتصاد الوطني، هي الفساد الأكبر. الحرب ضد الفساد تبدأ بالإرادة السياسية القوية، التي تتخذ إجراءات حاسمة للتصدي للفساد، وتطبيق آليات لاستعادة الأموال المنهوبة، وتطبيق مبادئ الحوكمة الجديدة. وتدفقت الأفكار والرؤي والاقتراحات والتوصيات، وحصادها المهم، أن الرقابة الإدارية طورت منظومة علمية متكاملة، للوقاية قبل العقاب، ولرفع الثقافة والوعي، لخلق إرادة شعبية لمقاومة الفساد والإبلاغ عن الفاسدين. مسئولية المجتمع كله، فالمجتمعات يهددها الفساد أكثر من المجاعات والأوبئة والأمراض، والوقاية تبدأ بإعلان الحرب الشاملة، وأدوات الحرب ليست مدافع وبنادق ورشاشات، وإنما بإعلاء الشفافية، ورفع راية القانون فوق رءوس الجميع،لترسم طريقاً أكثر عدالة لشعوبها .