مع إطلالة شهر رمضان المبارك يتوق مئات الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لصيام هذا الشهر الكريم، استجابة لقوله تعالي: »فمن شهد منكم الشهر فليصمه« »581 البقرة«، فالمسلمون في هذه الايام، وفي ظلال هذا الشهر الكريم يعيشون اياما مباركة يصومون نهارها، ويقومون ليلها استجابة للهدي النبوي الشريف: »من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه« »أخرجه الشيخان«. كما وأننا نري المساجد والحمد الله، تعيش أوقاتا مباركة وهي تستقبل الآلاف من الركع السجود الذين يعمرونها بأداء الفرائض، وصلاة التراويح، وقراءة القرآن، والتسبيح، والحمد، والشكر لله رب العالمين، فتنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده، ويغفر ذنوبهم، ويرفع درجاتهم، ويستجيب دعاءهم، فهم القوم لا يشقي بهم جليسهم فقد جاء في الحديث الشريف أن رسول الله .. صلي الله وعليه وسلم.. قال: »إن لله ملائكة سيارة فضلاء يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتي يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلي السماء، فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم : من أين جئتم؟.. فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك.. قال: وماذا يسألوني؟.. قالوا، يسألونك جنتك.. قال: وهل رأوا جنتي؟.. قالوا: لا، أي رب قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ .. قالوا: ويستجيرونك.. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يارب؟ قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا قال: فكيف لو رأوا ناري؟.. قالوا: ويستغفرونك.. فيقول: قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا.. يقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم: فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقي بهم جليسهم« »أخرجه مسلم«.. وقد اجمعت الامة علي استحبابه وفضله لقول الرسول. صلي الله عليه وسلم.. »تسحروا فإن في السحور بركة« »أخرجه بن ماجه«.. وسبب البركة انه يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام، ويتحقق بكثير الطعام، وقليلة ولو بجرعة ماء، لقول الرسول »صلي الله عليه وسلم«، »السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون علي المتسحرين« »أخرجه أحمد« ويستحب تأخير السحور لما روي عن زيد بن ثابت قال: »تسحرنا مع النبي صلي الله عليه رسلم ثم قمنا الي الصلاة قال: قلت كم كان قدر ذلك؟ قال: قدر خمسين آية« »أخرجه الترمذي«.. ويستحب للصائم أن يعجل الفطر، متي تحقق غروب الشمس، لما روي أن رسول الله »صلي الله عليه وسلم« قال: »لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر« »أخرجه الترمذي« وينبغي أن يكون الفطر علي رطبات فإن لم يجد فعلي الماء لما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« يفطر علي رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلي تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء »أخرجه الترمذي«. الدعاء عند الفطر وأثناء الصيام: الدعاء مخ العبادة وقد جعل الله آية الدعاء بين آيات الصوم، لأن الدعاء في أيام الصوم الفضيلة أقرب إلي الاستجابة، فقد روي أن رسول الله »صلي الله عليه وسلم« قال: »إن للصائم عند فطره لدعوة ماترد« »أخرجه ابن ماجه« وكان عبدالله بن عمرو »رضي الله عنهما« يقول إذا افطر: »اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ أن تغفر لي »أخرجه بن ماجه« وثبت ان الرسول »صلي الله عليه وسلم« كان يقول: »اللهم لك صمت وعلي رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الاجر إن شاء الله تعالي »أخرجه النسائي« وهذه مناسبة طيبة للصائم بأن يتوجه إلي الله بالدعاء الصادق المخلص لأنه من الثلاثة الذين لاترد دعوتهم، الصائم حتي يفطر. الكف عما يتنافي مع الصيام شرع الله الصوم ليهذب النفس ويعودها الخير ويبعدها عن الشر، فعلي الصائم أن يتحفظ من الاعمال التي تخدش صومه حتي ينتفع بصومه وتحصل له التقوي، فالصوم ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب، بل هو إمساك عن الأكل والشرب وسائر ما نهي الله عنه لقوله »صلي الله وعليه وسلم« »من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه« »أخرجه الترمذي« وعنه انه قال: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر »أخرجه ابن ماجه«، و عنه أيضا انه قال: »اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن جهل عليه احد فليقل: إني امرؤ صائم« »أخرجه ابن ماجه«. الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان للعشر الاواخر مكانة عظيمة ففيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لذلك كان عليه السلام يجتهد في هذه الأيام ويدلل علي ذلك ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: كان النبي »صلي الله عليه وسلم« يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره. »أخرجه ابن ماجه«، وروي عنها ايضا انها قالت: كان النبي »صلي الله عليه وسلم« إذا دخلت العشر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله« أخرجه ابن ماجه« الله اكتبنا من عتقاء شهر رمضان يارب العالمين.