من الأعمال السينمائية الجيدة التي تناقش بجرأة تامة قضايا وهموم الشباب بدون تقديم دروس الوعظ والإرشاد فيلم »المركب« الذي كتبه الأخوان أحمد وهيثم الدهان وأخرجه عثمان أبو لبن في ثالث تجاربه السينمائية حيث قدم من قبل »أحلام عمرنا« و»فتح عينيك«. وجاءت التجربة الثالثة لعثمان أبو لبن تحمل فكرا مختلفا عن تجربتيه السابقتين فهو يغوص داخل عقول مجموعة من الشباب الجامعيين كل منهم له حكاية مختلفة عن الآخر وإن كانوا جميعا يعانون مع أسرهم فنري »يارا« فترة جميلة وابنة لسيدة ثرية متزوجة من رجل له عالمه الخاص وتنشأ الابنة في مناخ غير صحي ينعكس علي تصرفاتها وتحاول أن تدمر كل من حولها من بنات جيلها فهي متمردة علي الدنيا والناس وتكون ضحيتها الأولي »نور« الفتاة المحجبة التي تقنعها بخلع الحجاب الذي ارتدته بأوامر من والدها الذي يعاملها بقسوة شديدة! ثم تتابع الأحداث لنري مأساة أخري لفتاة اسمها »ليلي« الدلوعة التي تنشأ داخل مناخ أسري يطلق لها العنان في التعامل مع الآخر فتكون النتيجة قيامها بالزواج العرفي من شاب أحبته وتدفع الثمن غالياً بعد أن تشعر بأنها قد أصبحت رخيصة! ويأخذنا فيلم »المركب« إلي مشاهدة نماذج أخري من الشباب المستهترين مثل »أمير« الذي لا يفيق من الخمر وله تصرفات أخري غير مسئولة وهناك أيضاً حالة »مصطفي« الشاب الذي يعاني من تصرفات شقيقه الأكبر الذي يعيش معه ويحرمه من التمتع بميراث والده فيزيد من آلامه خاصة انه يواجه مشكلة السمنة التي حولته إلي أضحوكة في نظر أصدقائه رغم أنه إنسان خفيف الظل يرتبط بزملائه جداً ويسخر نفسه لخدمتهم. وعلي النقيض من كل هذه النماذج يقدم لنا »المركب« شخصية »محمود« الشاب المتدين الذي يرفض السقوط في »حفرة« الأهواء والملذات ولا يستسلم أمام إغراء الشهوات وهو أيضاً لا يتدخل في أمور أصدقائه. وتتابع الأحداث وتصل إلي ذروتها في العمل عندما تقرر شلة الأصدقاء القيام برحلة بحرية في أحد المراكب دون علم أسرهم بحثاً عن غسل همومهم والترفيه عن أنفسهم وهم لا يعلمون ماذا يخفي لهم القدر من أحداث مؤلمة حيث يموت سائق المركب وهم معه في البحر ! وبموت المراكبي »يواجه المركب« كارثة وهو في عرض البحر فالأصدقاء لا يستطيعون قيادة المركب الذي بدأت الأمواج تتقاذفه وهم معرضون للغرق ولا أحد قادر علي نجدتهم والموقف يزداد تعقيداً بنفاد ما لديهم من طعام وشراب! وكالعادة يراجع كل إنسان تصرفاته الدنيوية في ساعات المحنة يقوم الأصدقاء بمحاولة لتصحيح أخطائهم قبل أن يواجه كل منهم وجه ربه فالمركب علي وشك الغرق! ووسط تلك الحالة المؤلمة تقودنا أحداث الفيلم إلي عدة تفاصيل دقيقة ومؤثرة خاصة بعد وفاة »مصطفي« غرقاً وقيام بقية زملائه بارتداء أطواق النجاة حيث يقفزون إلي المياه بينما نري أسرهم تأتي بحثاً عنهم ومعهم قوات الإنقاذ لوضع نهاية لتلك الرحلة القاسية. وفيلم »المركب« من وجهة نظري عمل سينمائي شديد التميز من حيث الشكل والمضمون ويعالج قضايا اجتماعية علي جانب كبير من الأهمية بأسلوب ليس به مواقف الوعظ والإرشاد التي شبعنا منها في أفلامنا القديمة خلال فترتي الأربعينيات والخمسينيات علاوة علي أن اللغة السينمائية كانت علي مستوي فني عال للمخرج عثمان أبو لبن الذي تولي قيادة فريق من الممثلين أصحاب الأداء المميز هم: يسرا اللوزي وريم هلال وفرح يوسف وإسلام جمال ورامز أمير وأحمد حاتم وأحمد سعد ومعهم النجمة الكبيرة رغدة والنجم القدير أحمد فؤاد سليم. ومن عوامل نجاح فيلم »المركب« أيضاً التصوير الرائع لأحمد حسين والموسيقي لأشرف محروس مروراً ببقية العناصر الفنية الأخري التي قدمت عملاً سينمائياً شبابياً جديرا بالتقدير والاحترام وهو شيء يحسب للجهة الإنتاجية التي وقفت وراء تلك التجربة الممتعة.