يحتاج المواطنون بصفة مستمرة إلي التوعية بالقوانين ليستطيعوا ممارسة حياتهم بلا مخالفات والقيام بمعاملاتهم دون أخطاء . وإذا كان ذلك مهما فإن الأكثر أهمية خاصة في المرحلة الحالية وفي ظل الظروف القائمة أن تتم توعية دستورية صحيحة ليعلم الجميع حقوقهم وواجباتهم ، وماهي المباديء الأساسية الحاكمة التي يجب الالتزام بها والنص عليها في أي دستور ، وماهي تلك المواد التي كشفت الممارسات العملية أنها بعيدة عن الواقع أوعصية عند التطبيق؟ ولما كانت المحكمة الدستورية العليا منذ إنشائها هي المرجع والحكم في كل مايتعلق بالدستور بما تضم من أساتذة وأساطين الفقه الدستوري ، فقد تطلعنا إليها جميعا لنستفيد من علم وتجارب من يجلسون علي منصتها ليرشدونا إلي الصحيح في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من آراء وأقوال يدلي بها كل من يعرف أو لايعرف . ولم يخب رجاؤنا فأصدر المستشار رجب عبد الحكيم سليم نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا "الموسوعة الدستورية المصرية " لتكون كشافا هاديا وضوءا منيرا يوضح الطريق أمام كل من سيعهد إليه بالمشاركة في إعداد دستور بلادنا الجديد بحيث يقف علي محاسن النصوص في مختلف الدساتير فيعظمها وعلي عيوبها أيضا فيتلافاها ، وأيضا ليستفيد من الموسوعة كل من يريد خاصة الشباب والمثقفين الذين يسعون إلي المعرفة الحقة بصناعة وتطبيق الدساتير . إن هذه الموسوعة العلمية التي جاءت في ثلاثة أجزاء حرص مؤلفها - الحائزعلي جائزة الدولة التشجيعية في مجال العلوم القانونية والاقتصادية علي تقديم مادتها بأسلوب سهل ليمكن للجميع استيعابها وفهم مراميها . وبالفعل جاءت هذه الموسوعة في وقتها المناسب تماما لتبصر كل المواطنين بالمدلولات اللفظية لنصوص الدستور والوقوف علي معانيها التي يقصدها المشرع الدستوري ، وفي نفس الوقت لتزيل اللبس الذي يثار حول بعض نصوص الدستور الحاكمة مثل مواد المواطنة والشريعة الإسلامية وحرية العقيدة . ولما كانت أحكام المحكمة الدستورية العليا هي خير دليل علي كيفية التعامل مع النصوص الدستورية من حيث توافق القوانين مع مقاصدها أو مخالفتها ، فقد اتبع المؤلف منهجا واضحا للتيسير علي القاريء - والباحث أيضا فقد تناول بالترتيب ، وعلي حدة ، كل نص جاء في الدستور المصري الصادر عام 1971 ومااستند إليه من مباديء أساسية سواء في الشرائع السماوية أو في الأعراف والنظم العامة أو في الاتفاقات الدولية ، وقام بشرح معناه وما يهدف إليه والتعليق عليه ، ثم قارنه بالنصوص المماثلة في دساتير بعض الدول العربية ، وبعد ذلك قام بالتعليق عليه من الناحية العلمية ومن الناحية الفقهية . ولما انتهي من ذلك ذكر كل المباديء التي قررتها المحكمة الدستورية العليا نزولا علي النص الذي يتناوله من الدستور بناء علي الدعاوي التي قدمت إليها تطعن في مواد قانونية مشتبه في مخالفتها لهذا النص فتحكم بدستوريتها لتبقي أو مخالفتها للنص الدستوري وتقضي بإعدامها . وقام - حسب منهج بحثي علمي - بتحليل كل مبدأ وحيثيات الحكم به والتعليق عليه . ولايقلل من قيمة هذه الموسوعة الشاملة أنها تتناول بالأساس دستور 1971 فهو دستور متكامل ، ونموذجي في كثير من مواده وقت إصداره وقبل أن تمتد إليه يد التعديل والترقيع ، وهذا باعتراف جميع المنصفين ، ثم لابد أن نعترف أن المحكمة الدستورية العليا فيما قررت من مباديء تصدت كثيرا - وبشجاعة لاكثر من عوار ، كما أننا يجب ألا نهدر تاريخنا الدستوري الطويل والدساتير التي صدرت بإرادات شعبية رغما عن الحكام ، ووضعت نظما للحكم وأسسا لديمقراطية متقدمة لم تكن معيبة ، ولكن العيوب كانت في التطبيق .