لايبدو لي أن ملف مساهمات المال العام في الشركات المشتركة (287 شركة) يلقي اهتماما ذي بال داخل أروقة وزارة قطاع الأعمال، أو من جانب أعضاء مجلس النواب. فهل يعقل أن يترك المسئولون بالوزارة، ممثلي المال العام في تلك الشركات يغمضون الأعين، عن مليارات تضيع نتيجة لممارسات من عينة ماحدث يوم 11 ديسمبر الحالي . حيث عقد مزاد لبيع أرض علي النيل تملكها شركة أسمنت طرة، تبلغ مساحتها 392 ألف متر مربع بسعر 2700 جنيه للمتر. وهو ما أعلنته البورصة علي موقعها. وذكرت أنه لم يبق علي التنفيذ سوي موافقة مجلس الإدارة والجمعية العامة للشركة. وهذه الأرض هي جزء من أراضي تمتلكها شركة أسمنت طرة، والتي تم خصخصتها عام 2000. ومايهمنا في هذا المزاد هو أن الشركة القابضة المعدنية وهي إحدي شركات قطاع الأعمال العام مازالت تملك 18.6% من أسهم أسمنت طرة. ولها ثلاثة ممثلين في مجلس إدارتها يتقاضون أجورهم للمحافظة علي نصيب المال العام من الأرباح التي تحققها الشركة. وبالتالي عندما تقرر الشركة بيع هذه الأراضي التي يقع جزء منها علي بعد 70 مترا من النيل، كما جاء في كراسة الشروط ، لايكون هناك أدني شك أن المشتري للأرض سوف يحول نشاطها من صناعي إلي عقاري. لإنه يعلم بالضرورة أن جهاز البيئة أوقف النشاط الصناعي علي الأرض لأضرارها البيئية علي سكان المنطقة. وهو مايعني أن سعر الأرض يبلغ أضعافا مضاعفة، لو تم تقييمها كأرض قابلة للنشاط العقاري. ومن المؤكد أن من يريد أن ينشئ نشاطا صناعيا لن يختار موقعا علي النيل، بينما يستطيع أن يقيمه بأسعار تقل كثيرا، في إحدي المدن الصناعية. فإذا ماتم البيع بأسعار المزاد المنخفضة فأنه يعني خسارة للدولة مرة من نصيب حصة الشركة القابضة في الأرباح . والمرة الأخري تخسرها الخزانة من فقدانها للضريبة علي الأرباح المتحققة من البيع. وما يزيد الأمر ريبة أن السعر الذي طرح في الجمعية العمومية التي أقرت البيع كان 5000 جنيه للمتر، أي يزيد كثيرا عن سعر البيع في المزاد، ومع ذلك سجل بعض صغار المساهمين آعتراضهم علي هذا السعر. وهو مادفع أحد المساهمين بعد المزاد إلي تقديم بلاغ للنائب العام، ذكر فيه أن بيع الأرض بهذا السعر يعد إهدارا للمال العام . وإلي الآن مازالت الفرصة سانحة أمام ممثلي المال العام لإيقاف تلك الصفقة. لأنها مرهونة بموافقة مجلس الإدارة والجمعية العامة غير العادية. أما القضية الأكثر أهمية فهي كيف تحولت شركة أسمنت طره، والتي كانت ضمن (مجموعة السويس للأسمنت) تحتل المرتبة الأولي في إنتاج الأسمنت في مصر، إلي قطعة ارض تقاس بالأمتار ، يتنافس عليها المضاربون في سوق تسقيع الأراضي. وتلك قصة تستحق أن تروي في سياق آخر.