أثناء تواجدي بصالة الترانزيت في أحد المطارات الأوروبية جاءتني فتاة وفتحت أمامي حقيبة بداخلها زجاجات عطر .. بعضها أعرف اسمها وبعضها جديد.. سألتني أي شكل من عبوات العطور جذبت اهتمامي ؟ وأي ألوان تفضلها؟ ثم أي رائحة تفضلها ؟ وهكذا مرت علي ركاب آخرين من جنسيات مختلفة . وبحكم الخبرة عرفت أنها تريد ان تحدد نوع وكم العطور التي تلقي أو ستلقي قبولاً في مختلف الأسواق باختلاف الأذواق . هذا هو المنطق القائل إن المستهلك صاحب القول الفصل . أنه مبدأ أساسي في كل مجالات العمل خاصة الإعلام . فالذي يحدد أي قناة أو مطبوعة يحرص عليها ؟ أي برنامج أو صفحة يرتبط بها ؟ أي مقدم أو كاتب يصدقه ويحبه ويحترمه ؟ ومن ثم يتحدد قيمة هذه القناة أو ذلك البرنامج أو سعر هذا المقدم للبرنامج، ومن ثم يتحدد من يستمر ؟ ومن عليه أن يرحل ويغلق برنامجه أو يطور أو يستبدل، ونفس الأمر في الوسائل المطبوعة بل حتي المواقع الالكترونية . وهنا يثار السؤال هل لدينا مركز أو مراكز بحوث للمشاهدة الفعلية والمقروئية الحقيقية ؟ وهل يتوافر لهذه المراكز الاستقلالية والتقنية التي تضمن مصداقية نتائج هذه البحوث، ومن ثم خريطة الإعلام ؟ هذه الركيزة يرتبط بها ارتباطاً عضوياً مهارات الإعلاميين وتطوير قدراتهم وتجهيز بدائلهم من مواهب وشخصيات جديرة. وهنا يثار السؤال الثاني هل لدينا مثل هذه الاكاديميات أو مراكز التدريب الحقيقية وليست تلك الدكاكين تحت بير السلم وإعلاناتها تملأ الجدران والمواقع ؟ ان القضية في الإعلام ليست نمط ملكيته او اداراته وانما هي احترافه ومن ثم احترامه وسواء هذا أو ذاك فصاحب القول الفصل هو المواطن مشاهداً أو قارئاً كان . إن هذا المواطن هو الذي قد يرفع بل ويزيد من قيمة الإعلامي حتي لو وصل دخله بالملايين وهو الذي قد يصدر قرار الاعدام مع سبق الاصرار والترصد علي من لابد ان يختفي من الساحة الإعلامية . أنني لا أخترع ولا أقول كلاماً جديداً أنها قاعدة صناعة الإعلام في العالم كله. وهنا أسأل الكيانات الإعلامية المتمثلة في المجلس الأعلي للإعلام والهيئة الوطنية للتليفزيون والصحافة هل أعطت الاهتمام الكافي لهاتين المهمتين ووضعت معايير اختيار من يتولاهما حرفياً وعلمياً وعالمياً .. يا سادة من يملك مفتاح أو غلق الإعلام هو المشاهد الذي ندرسه ونحترمه ونسمع صوته ..