لديه 19 عاماً فقط ومع ذلك سجل هدفاً في نهائي كأس العالم، أكبر بطولة رياضية علي وجه الأرض. حقق رقماً قياسياً كثاني لاعب مراهق في التاريخ يهز الشباك في هذا الحدث العظيم بعد الأسطورة بيليه. إنه الجوهرة السمراء الجديدة كيليان امبابيه، الفتي المدلل للجماهير الفرنسية والقادم من مدينة بوندي التي تعتبر إحدي الضواحي الفقيرة للعاصمة الفرنسية باريس.. بوندي تبعد مسافة ساعة ونصف الساعة بالقطار جنوب العاصمة. يسكن في هذه الضاحية 50 ألف شخص، منهم 40% ممن تقل أعمارهم عن ال30. في كل شارع من شوارع بوندي تجد لافتة كبيرة تحمل اسم اللاعب الشاب وصورته، ففي العمارة السكنية التي تربي فيها والتي تشبه الكثير من أبنية الفقراء الفرنسيين، التي تعلو ل20 دورا فوق الأرض وتضم عشرات الشقق السكنية البسيطة، وضعت صورة ضخمة للاعب الصغير يبدو وكأنه يحفز الشباب وكتب بجواره »في بوندي: ليس هناك مستحيل». وكما استطاع امبابيه النجاح وهو القادم من ضاحية فقيرة مهمشة، يستطيع أيضاً الطفل الصغير الذي يعتبره مثله الأعلي أن يحقق حلمه سواء في كرة القدم أو كل المجالات. كيليان حالة خاصة تثبت أن الرعاية والاهتمام المبكر والأسرة التي تهتم بمستقبل أبنائها هي الأدوات لصقل أي موهبة، فمابالك بجوهرة مثل امبابيه. فقد كان كيليان محظوظاً بوالده ووالدته، والده هو ولفريد امبابيه لوتان من أصل كاميروني، وهو لاعب سابق علي المستوي المحلي ومدرب الناشئين في نادي أي.اس بوندي الذي حصل فيه كيليان علي أول فرصة لممارسة لعبة كرة القدم. وأمه فايزة لاعبة كرة يد سابقة في دوري المحترفين وهي من أصل جزائري. هذه الأجواء الرياضية تعطي تفسيرا لحالة التوهج التي عاشها كيليان في السنوات الأخيرة. خاصة أنه من المعروف أن كيليان ليس لديه وكلاء أعمال وأن من يدير كل أموره هما والداه بمساعدة مكتب للمحاماة يقوم بإدارة الشئون القانونية للاعب.. بالتأكيد يعشق الفرنسيون امبابيه لموهبته، لكنهم يحبون شخصيته أيضاً التي يظهر عليها التربية والسلوك الجيد الذي نقله له والداه. فالشاب عندما يتحدث يقول كلاماً يفوق سنه الصغيرة، هو ليس صبيا أرعن، لكنه جاد في عمله، لديه حلم ويريد أن يحققه، لديه طريق ساهم في رسمه عائلته وزملاؤه. وقد أحب الفرنسيون امبابيه أكثر حينما أعلن أنه سيتبرع بكل المكافآت التي حصل عليها في بطولة كأس العالم والتي وصلت إلي 400 ألف يورو لمؤسسة خيرية لدعم المعاقين، مما يثبت الأخلاق العالية لهذا اللاعب الذي مازال يملك براءة الطفولة ويشعر بآلام الغير ويساعد أهل مدينته، بعكس لاعبين آخرين يتملكهم الغرور سريعاً حتي قبل أن يصلوا لنصف النجومية التي يملكها الجوهرة الفرنسية. ظهرت الموهبة الفذة لامبابيه سريعاً، وما لايعرفه كثيرون، هو أن أندية كبيرة قد تهافتت عليه وهو مازال طفلاً، وحصل علي دعوة من نادي ريال مدريد الإسباني لإجراء اختبارات وهناك التقط صورة تذكارية مع مثله الأعلي كريستيانو رونالدو. لكن والده رفض أن يخرج الصبي من فرنسا في هذه السن الصغيرة، وفضل أن يلحقه في سن الثانية عشرة عاماً في أكاديمية كلير فونتان القريبة من منزله وهناك أطلق عليه زملاؤه لقب الطفل الرضيع M-bébé بسبب وجهه الطفولي وحجمه الصغير، ومن كلير فونتان وبعد سنتين فقط انتقل إلي أكاديمية نادي موناكو الذي شهد سنوات تألقه الأولي حيث لعب أول مباراة له في الدوري الفرنسي في ديسمبر 2010 وهو لم يتعد ال16 عاماً. ومنذ 2014 لعب في كل المنتخبات بالناشئين قبل أن يضمه ديديه ديشامب في 2017. ومع كل هذا لم ينس دراسته حيث حصل علي شهادة الثانوية العامة في 2016، وهو ما يؤكد دعم العائلة له علي المستوي الدراسي والرياضي. ميريام سالاميه، مسئولة المتابعة النفسية للاعبين المحترفين في المعهد الرياضي الفرنسي وصفت امبابيه برجل شاب استطاع أن يجد التوازن بين قدراته وما يستطيع أن يحققه من أحلام. هو يتحدث مثل شاب في سنه لديه طموحات يريد أن يحققها وفي سبيل ذلك يبتكر ويبدع وفي نفس الوقت فهو يمتلك ثقافة أكبر من سنه لدرجة أنه سمي بالفيلسوف .. أما في مدينته بوندي فللوهلة الأولي تجد التأثير الإيجابي الرائع لهذا اللاعب الشاب في معنويات جيرانه السابقين. سيمون، الذي يعمل في محافظ بوندي ويقوم بتنظيم أنشطة رياضية للأطفال لمس حالة الأمل التي أحدثها اللاعب وقال: »كنت حاضراً عندما جاء كيليان إلي بوندي في أكتوبر الماضي عقب انضمامه إلي نادي باريس سان جيرمان، ورأيت التفاف الأطفال حوله والأمل الذي يمثله.