لا يتحقق أي مظهر من مظاهر النهضة أو التقدم في أي أمة إلا إذا تمكنت من تشكيل برلمان علي أعلي درجة من الثقافة والعلم والخبرة، لأن البرلمان لا يجب فقط أن يكون السلطة التشريعية وإنما العقل المفكر والعين البصيرة والحكمة والرأي السديد والقابض الحقيقي علي عجلة القيادة، والأهم أنه هو أعلي سلطة وصاحب الكلمة الفصل في شئون البلاد، ومن كان عضواً حقيقياً به ووطنياً ومثقفاً فهو يصلح أن يكون رأساً للدولة. إذا كان هناك مثل هذا البرلمان فإنه يعني بالضرورة وجود رئيس يوثق به ويعتمد عليه وقادر علي تحمل المسئولية والسير علي خطي حثيثة نحو تطوير كل قطاعات العمل الوطني بما يتسق مع فكر هذا البرلمان المكون من مئات العقول الخبيرة والعالمة التي تتمتع بملكات تستشرف المستقبل، لأن أي فكر لا يستند إلي رؤية مستقبلية هو فكر متخلف لا يمكن البناء عليه. هذه هي القاعدة الأساسية التي لا مفر من وضعها نصب الأعين بمنتهي الأمانة إذا أردنا بناء دولة جديدة تماماً ومفارقة للعبث الذي ساد في بلادنا وترسخ. ولا أجد غضاضة إذا قلت إن اختيار الرئيس ليس الأهم ولكن التحدي الحقيقي والتاريخي يتمثل في اختيار أعضاء البرلمان. لقد ظل مصير مصر والمصريين لسنوات طويلة تحت هيمنة برلمان أغلب أعضائه دخلوه بالتزوير.. نواب لا علاقة لهم بالفكر أو بخطط الإصلاح أو التطوير وتولت سلوكيات معظمهم الكشف عن أنهم فقدوا الضمير بامتياز.. نواب كان شاغلهم الأول إما القروض أو المخدرات أو تجارة الموبايلات أو العلاج علي نفقة الدولة، كلهم إلا فيما ندر حرصوا علي امتلاك الأراضي والشاليهات والتربح بكل صوره، المشروع منها وغير المشروع. برلمان يمرر القوانين المشبوهة في لحظات ويعطل ويقاوم القوانين المجدية أو التي يمكن أن تعيد حقوقاً مسلوبة لعشرات الآلاف من المواطنين أو أية قوانين تصب في صالح العدالة الاجتماعية. ولعل الكثيرين يتفقون معي في أن ذلك جميعه يرجع إلي سببين أساسيين هما: البرلمان المصري كيان صوري ورئيس الجمهورية يتحكم في كل شيء ويسيّر جميع الأمور من اختيار الوزراء إلي إدارة الهيئات وقرارات البيع والشراء والسلام والحرب، الأمر الذي يتناقض تماماً مع العلاقة الطبيعية المفترض وجودها في كل بلد يدّعي أنه يمارس قدراً ولو محدوداً من الديمقراطية. ثلاثة ارباع أعضاء المجلس علي الأقل لا علاقة لهم بالسياسة ولا الثقافة، ولا العلم ولا المستقبل ولا.. ولا، ومن هنا يبدو جلياً أن البرلمان يمثل مع حسن الظن إضافة سلبية بل عائق ضد طموحات الأمة، لذلك أقترح: أولاً: التخلص من مجلس الشوري، فهو عبء سياسي ومادي لا قيمة له، بل إنه مجرد سبوبة لنهب مال الدولة المستباح. ثانياً: التخلص التام من نسبة العمال والفلاحين، ولنا أن نتصور بشاعة الأضرار الناجمة عن تخصيص هذه النسبة القاتلة لأبسط قواعد الديمقراطية.لقد كانت هذه الميزة العاطفية لها مبرراتها بعد قيام الثورة المصرية في عام 25 لرفع الروح المعنوية لأعداد هائلة من المعذبين في الأرض، وقد انتهت هذه المرحلة. ثالثاً: الحرص علي إتمام عملية انتخاب الأعضاء علي أساس القائمة، وبإمكان كل حزب أن يختار مجموعة من أعلي وأرفع شخصياته لكي ينافس بها للحصول علي ما يشاء من المقاعد في مجلس الشعب، وهذا يعني القضاء علي ظاهرة شراء الأصوات لصالح فرد بعينه . المسألة بالطبع مطروحة للنقاش بأفق مفتوح دون الوقوع ضحية استبداد الأفكار الراسخة، أو الخضوع لمنظومة العواصف التي لا علاقة لها بأصول الحكم.