لا يجب بأي حال من الأحوال أن تستمر حالة الصخب والحوار التي يصم ضجيجها وصخبها أي فائدة مرجوة منها بحيث تصبح مضيعة للوقت في فترة حساسة يصبح إضاعة الوقت فيها مصيبة كبري. يأتي ذلك في الوقت الذي يشعر فيه شباب ثورة 52 يناير بأن ثمار ثورتهم قد أصبحت مغنماً لقوي وتيارات سياسية بعيدة عنهم وعن أفكارهم وعن رؤيتهم لمستقبل بلادهم. ولا نجافي الحقيقة عندما نقول إن هذه القوي والتيارات بدأت تنفيذ مخطط لضرب الثورة وزرع الفرقة والخلاف بين أعضائها والتي كانت حياة البعض منهم ثمناً وقرباناً لنجاح ثورتهم. يحدث ذلك في الوقت الذي تسعي فيه قوي سياسية محددة لاشاعة جو من العبث والتطرق لقضايا هامشية يتم من خلالها التناول المغرض والخبيث لدور المجلس الأعلي للقوات المسلحة والذي يتحمل اليوم أعباء إضافية كانت تمثل جزءا أساسيا من صميم عمل الحكومة التي تجد نفسها هي الأخري في مهب الريح أمام طوفان من المطالب والمشاكل والضغوط التي تغذيها تلك الحالة من الصخب والنوايا والأهداف المغرضة لبعض القوي السياسية. يحدث ذلك للأسف الشديد وسط غياب كامل من جانب هذه القوي فيما يتعلق بالأخطار الجسيمة التي تهدد أمن مصر القومي والتي لا تمتد لأقصي عمق جغرافي وإنما تقبع علي بُعد أمتار قليلة من حدود مصر. وإذا كنا نثق ثقة عمياء في قدرة وقوة رجال قواتنا المسلحة وأجهزة الاستخبارات والتي تمثل جزءا أساسيا من قوة الجيش المصري وقدرته علي تلمس الأخطار وامتلاكه لقوة الردع والرد.. إلا أننا جميعا مطالبون بعدم إلقاء المزيد من الأعباء علي رجال قواتنا المسلحة وقادتها والذين يحاولون بكل الطرق احتواء الموقف الداخلي والمشاركة الجادة في حل المشاكل الطارئة التي تتعلق بحياة المواطنين وحفظ الأمن خاصة مع استمرار الانهيار الذي تعاني منه الشرطة دون الافصاح عن حقيقة وأسباب ذلك رغم ثقتنا الكاملة في وطنية كل رجالها. وفي إطار إتاحة المزيد من الوقت لتشكيل القوي السياسية وإتاحة الفرصة لائتلاف شباب الثورة للمشاركة في الحياة السياسية تحاول القوي السياسية التقليدية إحكام سيطرتها ورسم خريطة نفوذها وذلك من خلال اعلاء المطالبة بتأجيل الانتخابات البرلمانية وما يعقبها من وضع دستور جديد أو إجراء الانتخابات الرئاسية. صحيح تماما ان هناك مخاوف مشروعة يجب النظر إليها واتخاذ كل التدابير الممكنة للحد منها ودرء أخطارها الناجمة عن مناخ الغياب الأمني الذي قد تتم فيه الانتخابات غير ان المقارنة مع بديل إجراء الانتخابات وفقا لما تم الاعلان عنه مؤيداً بثقة الشعب المصري في الاستفتاء الأخير تمثل خياراً أكثر قبولاً. نخطئ كثيراً لو استمر تعليق أخطاء القوي السياسية التقليدية وحقيقة أغراضها في تأجيل الانتخابات علي شماعة اتاحة الفرصة لشباب الثورة، علي حين تسعي تلك القوي بكل رموزها لاذكاء روح الانقسام والفرقة والوقيعة بين شباب هم أغلي وأعزما نمتلك. إن مصر ليست ملكاً لفصيل دون آخر أو لفئة أو جماعة دون أخري. لا يملك أحد أن يدعي حصوله علي تفويض في الحديث نيابة عن شعب مصر كله وهذه يجب أن تكون روح وجوهر الديمقراطية والحرية التي نسعي إليها وننشدها باعتبارها إحدي ثمار ثورة يناير وهي تمثل ثورة شعب بأكمله لا ينشد سوي الاصلاح بعيدا عن أغراض أو مآرب ضيقة. لا يجب بأي حال من الأحوال ان ينحصر اهتمامنا علي قضايا الداخل دون التطرق لحقيقة التحديات التي يواجهها أمننا القومي والتي تتطلب أعلي درجات الحيطة والحذر. وإذا كنا نملك بالفعل جيشا قويا وقادرا علي مواجهة أي تحديات فإن الاخطار لا تقتصر فقط علي المعني الضيق بمفهومه العسكري ولكنها تمتد لمحاولات الوقيعة والدسيسة واذكاء روح الفرقة والانقسام والفتنة والتي تتم من خلال تنظيمات وقوي سياسية خارجية وباستخدام بعض المصريين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، وأصبحوا أدوات رخيصة في أيدي تلك القوي الخارجية التي تسعي للوقيعة بين الشعب وقواته المسلحة. ان عودة الحياة البرلمانية في إطار مناخ ديمقراطي واختيار رئيس جديد للبلاد وسط ضمانات ورقابة قضائية ودستور جدد يرتضيه شعب مصر، سيكون هو البداية الحقيقية والضمان الوحيد لعودة الأمن والاستقرار وحماية مكتسبات ثورة مصر. وكلها مطالب مشروعة دافع عنها جيش مصر وقادته عندما احتضنوا ثورة شبابنا ووقفوا صفاً واحداً دعماً لشرعية شعب مصر التي لا تدانيها أي شرعية يحاول البعض فرضها أو اخفاء حقيقة مقاصده وراءها. وستبقي مصر لكل المصريين تدين بالوفاء والعرفان لأرواح ودماء ذكية يجب ألا تضيع هباءً.. ولا يحق لأحد المتاجرة بها. ستبقي مصر وطناً لكل الشرفاء بعيداً عن محاولات الإقصاء والتشفي الرخيصة والذين اعلتوا منصة الثورة وأعطوا لأنفسهم حق التعبير عن شبابها والادعاء بأنهم الأوصياء عليها رغم أنها ثورة يملكها شعب مصر كله.