بعد الثورة لم يعد هناك سقف.. أخرجت الملفات بعد دفن.. تكلم الصامت خوفا بعد أن نسيناه.. وشارك المنفي المطارد بعد طول غربة.. دخل السجن من كانوا يحكمون.. وخرج من المعتقلات من كانوا محظورين.. تم حل الحزب الخانق المسيطر.. وتشكلت أحزاب فأصبحت حقيقة.. تغيرت الدنيا في بضعة أشهر.. أحداث متلاحقة متتالية بعد جمود وسكون وسكوت.. تحركات سياسية وحزبية ودينية سريعة تجعلك حذرا أكثر.. مصغيا أطول.. مشاهدا إن أمكن. وذلك لتتمكن من أن ترسو علي شاطئ أو أن تلوذ برأي صائب حكيم، وسط هذا الطوفان من الكلام والأفكار والتحليلات والتجليات.. كل ذلك يلاحقك أينما كنت ممسكا برموش عينيك فيجعلها يقظة، لا تغمض ما دمت ترجو الخير لهذا البلد.. فإن لم تكن مسلحا بفكر.. معتمدا علي ثقافة واسعة.. ضعت!.. فالأصوات عالية مرتفعة تجعلك تظن أن الساحة ليس بها سوي تلك الجماعة أو هذه الفئة، فإن تحاورت وواجهت وناقشت كي تقنع أو تقتنع كانت النبرة متعالية بعض الشيء والردود جافة غير ودودة بالمرة، وكأنك شيطان رجيم طالما خالفت أو اعترضت، مع أن الجميع في تلك النقطة بالذات كانوا ضحاياها من نظام مبارك، الذي كان مولعا بها، مما جعل الحزب الوطني هو المسيطر الأوحد بالترغيب والترهيب علي كل مقدرات البلد، من رغيف الخبز إلي برامج التوك شو، فلا كلمة إلا بإذنه ولا معارضة إلا بسقف.. ولا حزب إلا بعد موافقته.. فإن حدث العكس فقل يا رحمن يا رحيم، بداية من الاتهام بالعمالة إلي السجن بأي تهمة أو التضييق عليك في شتي المناحي، مما يجعل المعارض منتحراً في كل الأحوال! فلماذا إذا نفعل ما كنا نشكو منه؟ لماذا لا نسمع بعضنا بعضا بهدوء واحترام ومقارعة الحجة بالحجة بدلا من الاتهامات بالعمالة أو التكفير أو الذود عن الرأي بالكراسي المتطايرة في الرؤوس، وجلب الفتوات إلي الندوات؟! الثورة في تعريفها السياسي البسيط هي الخروج عن الوضع الراهن، سواء إلي وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم.. ولأننا كنا في أسوأ الأوضاع، وتجرعنا التهميش والتجويع والفقر، وقامت الثورة، لذلك فأغلبية الناس تتمني أن يكون الأفضل في كل شيء هو الغالب الأعم.. لا أن نكون محلك سر، وبدلا من الحزب الوطني، يخرج علينا ألف حزب وجماعة وفئة بنفس الجبروت وديكتاتورية الرأي والقول، مما يعيدنا إلي مقولة بوش المعدوم فكرا وسياسة وخبرة "من ليس معنا فهو ضدنا"، وبهذه المقولة عاث في الأرض فسادا وانتهاكا ليخرج بعد سنوات ويداه ملوثة بدماء أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة، فلنسمع أكثر ونتكلم أهدأ ونختلف باحترام، ولتكن القوة هي قوة الحجة لا قوة الذراع، او السلاح أو حتي المال، حتي لا يأتي يوم فنقول، "كان هنا ديكتاتور واحد، ورحل فحل بدلا منه الكثيرون. محمد فوزي طه [email protected]