شخصية عبد الناصر ستظل علي مر الاجيال مثار جدل ونقاش .. فبعد مرور ما يزيد علي أربعين عاما علي وفاته قام الدكتور خالد عزب والباحثة صفاء خليفة بتقديم كتاب جديد يدور حول الجانب الفكري والثقافي للزعيم الراحل وقد تجلي هذا الجانب في سلوك جمال عبد الناصر.. الانسان ..والزعيم .. ورجل الدولة . الكتاب الذي صدر عن دار أطلس هو محاولة جادة لاعادة البحث والتنقيب في شخصية وفكر جمال عبد الناصر من خلال تقديم كتاباته في مجال القصة أو المذكرات الشخصية أو الرواية الفلسفية لثورة 23يوليو 1952 والذي يتضمن يوميات حرب فلسطين 1948وكتاب فلسفة الثورة ورواية " في سبيل الحرية " يقول الكاتبان في مقدمة كتابهما: عرف "جمال عبد الناصر" دائمًا بأنه "أفضل قاريء"، فكان شغوفًا بالمطالعة، ودارسًا متميزًا لديه قدرة خارقة علي القراءة، وكذلك القدرة علي الاستيعاب والتذكر بنفس المستوي، وذلك في المراحل المختلفة من حياته منذ طفولته، ومرورًا بمرحلة الدراسة الثانوية، والدراسة في الكلية الحربية، وكلية أركان الحرب وانتهاء بمرحلة ما بعد ثورة يوليو، وشكلت قراءات عبد الناصر في بداية حياته النواة التي تمحورت حولها أفكاره ورؤاه. فكانت رغبة جمال عبد الناصر شديدة في أن يعرف بنفسه كل شيء. ويمكننا تتبع ذلك في قراءاته واهتماماته الفكرية خلال أهم فترات حياته، وكذلك في الشخصيات التي أعجب بها وكان لها كبير الأثر في تفكيره في ظل الظروف الدولية والعربية من حوله، والتيارات السياسية والإيديولوجية التي عايشها بداية من أواخر الثلاثينيات وطوال فترة الأربعينيات، وكذلك في مرحلة ما بعد قيام ثورة يوليو. ولم يكتف جمال عبد الناصر بالقراءة والاطلاع ولكن كان لفكره وثقافته أبعاد أخري كان أهمها الكتابة. تحدثنا سطور هذا الكتاب عن أولي كتابات الطالب جمال عبد الناصر، فقد نشرت له مجلة مدرسة النهضة الثانوية أول كتاباته - مقالة بعنوان "فولتير، رجل الحرية"، وهو في سن السادسة عشرة من عمره. وفي عام 1934 بدأ الطالب جمال عبد الناصر حسين وهو في السادسة عشرة من عمره في تأليف رواية "في سبيل الحرية"، التي تتصدر صفحتها الأولي صورة "عبد الناصر"، وتتناول في مضمونها المعركة الخالدة التي خاضها أهل رشيد بمصر عام 1807 عندما تصدُّوا للحملة الإنجليزية بقيادة فريزر، وألحقوا بها هزيمة منكرة ثم مقدمات الحملة الفرنسية وبعدها الاحتلال البريطاني. لكنه لم ينته منها، بل كتب ستة فصول استكملها بعد الثورة قاص يدعي "عبد الرحيم عجاج"، وقام بنشرها في الخمسينيات. ثم نجد موهبة جمال التمثيلية عندما قام بدور "يوليوس قيصر" في مسرحية شكسبير ضمن برنامج الحفلة التمثيلية السنوية لمدرسة النهضة 1935 بعد قراءته عن الشخصية وإعجابه الشديد بها. ثم تتطرق الدراسة إلي أي مدي تأثر جمال عبد الناصر بالأحداث في مصر وعلي صعيد العالم العربي والتي دفعته نحو كتابة بعض الخطابات إلي أصدقائه يستنكر فيها تلك الأحداث والتي كان أهمها إلغاء دستور 1923 واستصدار إسماعيل صدقي باشا لدستور 1930 فنجد اسم "جمال" من ضمن أسماء الجرحي في مظاهرات نوفمبر 1935. كما كان يراسل أصدقاءه يحثهم علي المطالبة بعودة دستور 1923 وإلغاء دستور عام 1930 ونجد ذلك واضحًا في (خطاب عبد الناصر لحسن النشار عن الحركة الوطنية بين الطلبة لعودة الدستور). ثم تأتي أحداث 4 فبراير 1942 ويعد هذا الحدث نقطة تحول في تاريخ حركة الثورة المصرية، كما أولد استياء بالغًا لدي الشعب والجيش معًا. وغضب ضباط من الأحداث وشعروا بالإذلال الذي واجهه الملك واعتبروه اعتداء علي الشرعية والسيادة المصرية وانتهاكًا للكرامة وأن الطريقة التي سلم بها الإنذار اغتصابًا لاستقلال البلاد وسيادتها. واعتبرت كتائب الجيش بالذات أن ما حدث هو أسوأ إهانة وجهت إلي بلدها ونجد مثلاً (خطاب عبد الناصر لحسن النشار يبرز فيه موقفه من أحداث 4 فبراير 1942). عقب ثورة يوليو صدر كتاب "فلسفة الثورة" عام 1953 الذي يعد أول وثيقة تصدر عن ثورة يوليو ومفاهيمها عام 1953 بعد نحو سنة من قيام الثورة في يوليو 1952وهو كتاب يحمل أفكار الرئيس جمال عبد الناصر، قام بتحريرها وصياغتها الأستاذ محمد حسنين هيكل. كما كان لحرب فلسطين كبير الأثر علي فكر جمال عبد الناصر وقلمه أيضًا، بالإضافة إلي سلسلة من المقالات نشرتها »مجلة آخر ساعة«، عام 1955 تحت عنوان "يوميات الرئيس جمال عبد الناصر وحرب فلسطين". فقد كانت لدي جمال عبد الناصر نزعة قوية للتدوين، وقد سجل بخط يده، حيث كتب جمال عبد الناصر يومياته عن حرب فلسطين تحت قصف المدافع مرتين في اليوم الواحد، يبدأ بالكتابة علي الأوراق الرسمية التي يعتمد عليها في كتابة تقاريره لقياداته، فهذه هي ذاكرة الكتيبة السادسة، قبل أن يسجل يومياته الشخصية، والتي تتضمن مشاعره ومكنونات نفسه علي ذات الأحداث، وتمثل اليوميات -الشخصية والرسمية معًا- نصًا طويلاً ومتصلاً، وكتب - في الحالتين- بذات الطريقة، المكان واليوم والساعة، وعبارات موجزة تلخص ما حدث، مسجلاً مشاعره في بعض الحالات علي الوقائع والأحداث. في كتاب »فلسفة الثورة« كتب عبد الناصر يقول : هل كان يجب أن نقوم،نحن الجيش، بالذي قمنا به في 23يوليو ؟ والجواب : نعم، ولم يكن هناك مهرب أو مفر ! وأنا الآن استطيع أن أقول : اننا نعيش في ثورتين وليس في ثورة واحدة، ولكل شعب من شعوب الارض ثورتان : ثورة سياسية يسترد بها حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه، أو من جيش معتد أقام في ارضه دون رضاه وثورة اجتماعية، تتصارع فيها طبقاته ثم يستقر الأمر فيها علي ما يحقق العدالة لابناء الوطن الواحد .