في إطار الاحتفال بمئوية الزعيم جمال عبد الناصر ،صدرت حديثًا الطبعة العربية من كتاب »ناصر» عن المركز القومي للترجمة من تأليف أناتولي أجاريشيف ،وترجمة سامي عمارة وتقديم هدي عبد الناصر. يتناول الكتاب حياة الزعيم جمال عبد الناصر، من خلال وجهات نظر هامة، عن فترة تحول مصر في عهده - وللمرة الأولي- إلي عنصر فاعل وايجابي في السياسة الدولية؛ بعد أن كانت مجرد عنصرمن عناصر السياسة العالمية، وكيف أصبحت الثورة المصرية بضربها المثل للشعوب المضطهدة بشأن قدرتها علي التصدي بشكل فاعل لسيطرة الامبريالية ؛علامة مهمة علي طريق الصحوة الهائلة لحركة التحرر الوطني في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ،وفي العالم العربي علي وجه الخصوص ،حيث غدا الشعب المصري دافعا قويا لعملية التحرر الوطني في البلدان العربية ،مثل حرب التحرر في الجزائر ،وحصول تونس والمغرب واليمن الجنوبية والسودان علي الاستقلال ،والثورة في العراق وليبيا والتحولات التقدمية في سوريا ،كما يسرد الكتاب كيف لعب ناصر دورا فذا في خلق واستقرار حركة عدم الانحياز،وفي تعبئة البلدان العربية للتصدي لسياسات اسرائيل التوسعية. توضح د.هدي عبد الناصر، في مقدمة الكتاب:»هذا الكتاب بذل فيه أناتولي أجاريشيف مجهودا كبيرا في جمع المعلومات وتحليلها،ومحاولة الوصول الي فلسفة كل مرحلة من حياة عبد الناصر في طفولته وشبابه، قبل الثورة ،ثم بعد أن وصل الي قمة السلطة.لم يتوقف عند الأحداث ،وانما تعمق أكثر في الأسباب والدوافع ،ثم النتائج بما تحويه من نجاح وإخفاق ، فلقد نجح أجاريشيف في فهم التاريخ المصري المعاصر والمجتمع الذي نشأ فيه عبد الناصر ،بل وعقلية العرب في القرن العشرين،وعبر عن ذلك كله بأسلوب شيق يدفع القارئ الي الاستزادة حتي آخر الكتاب ،وتستطرد »أعرف أن هذا قد تطلب مجهودا كبيرا في القراءة والمقابلات ،ومما يجعل موضوع الكتاب صعبا هو أن عبد الناصر ما زال موضع جدل دائر في مصر والعالم العربي حتي الآن ،بل وان الهجوم عليه أصبح رمزًا لمعاداة مبادئه الأساسية في الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والقضاء علي الاحتكار وسيطرة رأس المال علي الحكم ،وأيضا اهتم المؤلف بتجربة تطبيق الاشتراكية في مصر،والتي تختلف عن الماركسية-علي الرغم من أن عبد الناصر قد قرأ مؤلفات ماركس ولينين -كما اهتم أجاريشيف بالماركسيين المصريين وأثرهم في برنامج ثورة 23 يوليو،ولكنه لم يتعرض للازمة التي حدثت ما بين عبد الناصر والشيوعيين العرب عموما بعد الوحدة المصرية - السورية ،واشتراط عبد الناصر الغاء الاحزاب ومنها الحزب الشيوعي السوري. وفي نفس السياق يتعرض المؤلف للتغييرات التي حدثت بعد ثورة 23 يوليو ،خاصة بعد تحديد الملكية الزراعية في 9 سبتمبر 1952 ،وتعميم مجانية التعليم ،وبرامج التصنيع.وتناول الكاتب موضوع تأميم قناة السويس والعدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي علي مصر في العام 1956 بشيء من التفصيل ،ثم تأميم القناة ،ثم التحديات التي واجهها، ،ولقد اوضح المؤلف الكثير من التفاصيل الخاصة بالعدوان الثلاثي ،وغيرها من اللحظات الدقيقة ،والوثائق الهامة التي تجلي الحقيقة أمام القارئ،ثم يسرد الزيارة الأولي لعبد الناصر إلي الاتحاد السوفيتي ،وانطباعاته ،وحرارة استقبال السوفيت له ،و أيضا يوضح وقوف الاتحاد السوفيتي بجانب مصر بعد عدوان 1967 ،حيث ساندها طوال حرب الاستنزاف ،حتي استطاع الجيش المصري عبور قناة السويس في سيناء السادس من اكتوبر 1973.وتشهد د.هدي عبد الناصر ،ان هذا الكتاب يضيف كثيرًا إلي عبد الناصر ،خاصة من زاوية محايدة تستند باستمرار الي الوثائق والمقابلات ،ولا تنسي في الوقت نفسه النواحي الانسانية.