رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: فرص لطلابنا للعمل في 250 شركة يابانية    مهرجان أنغام الصباح تستقبل اليوم الثاني لمهرجان «طرب الأول».. صور    أسعار اشتراكات قطارات السكة الحديد للطلاب    عقب التجديد لحسن عبدالله.. تفاصيل أول اجتماع للرئيس السيسي مع محافظ البنك المركزي    رسائل السيسي ل رئيسي وزراء وجهاز أمن الدولة القطري.. فيديو    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    جوارديولا: عدد اللاعبين في مانشستر سيتي ليس صحيا.. أنتظر رحيل المزيد    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سرقة أحذية من داخل مسجد بالجيزة وتضبط الجاني    قانون التعليم الجديد.. نهضة تعليمية في مسار التحديث والتطوير المهني    المسلماني وهاني أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية رقم "61 " للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    نائب وزير الصحة يعقد اجتماعًا لتطوير منظومة المخازن الاستراتيجية والتموين الطبي    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    «ربنا يرجعك لينا بالسلامة».. هالة صدقي توجه رسالة مؤثرة ل أنغام بسبب أزمتها الصحية    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنت سأحتفل بعيد ميلادي الستين في ليمان طرة بعد أن أصر شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي علي حبسنا
50 سنة في أفران الصحافة الساخنة


دخلت في 412 قضية نشر طوال ثلاثين سنة رفعها ضدي
وزراء ورجال أعمال ونجوم كرة سعوا جميعا إلي سجني
رفضت نصيحة أسامة الباز بالهروب إلي الخارج
حتي يعفو مبارك عنا إذا ما صدر حكم بحبسنا
الحكم في قضية الشيخ ينقذنا من السجن مقابل
أكبر غرامة في تاريخ الصحافة : 160 ألف جنيه
لم أستبعد أن استقبل عامي الستين يوم 15 أكتوبر 2008 في سجن » ليمان طرة »‬.
قبل أربعة أيام من موعده كنت تحت حراسة مشددة في محكمة جنايات »‬ الجيزة »‬ المنعقدة في إحدي قاعات »‬ دار القضاء العالي »‬ معلقا بكلمة واحدة تنطق بها الهيئة الموقرة : زنزانة أو براءة.
كانت التهمة من العيار الثقيل.. »‬ إهانة مؤسسة الأزهر »‬.. و»‬ سب وقذف شيخها الدكتور سيد طنطاوي »‬.
كان الشيخ قد قبل دعوة من بابا الفاتيكان »‬ بندكت الثالث »‬ رغم إهانته للإسلام ولرسوله الكريم في تصريحات وكتابات مستفزة أثارت غضب الجميع فرجونا الشيخ ألا يذهب إليه حفاظا عليه وعلي سمعة الأزهر في مقال كتبه محمد الباز ونشر »‬ الفجر »‬ يوم 19 مارس 2008 ودخلت متهما في القضية بصفتي رئيسا للتحرير واستخدم القسم الفني أسلوب »‬ الفوتو كولاج »‬ في التعبير عن رفض الزيارة فوضع وجه الشيخ علي جسد وثياب البابا فاعتبرها الشيخ إهانة وأقسم علي سجننا.
لم نكن نتصور أن الإمام الأكبر الداعي إلي »‬ التقارب بين الأديان »‬ يعتبر تلك الصورة المتخيلة جريمة.. بل لم نعتقد أن وضع رجل دين في ثياب رجل دين آخر يمكن أن يهدد حريتنا إلي ذلك الحد.. لكن.. طريق الصحفيين إلي السجن مفروش غالبا بالنيات الطيبة.
فشلت كل محاولات الصلح بيننا وبين شيخ الأزهر وسط شعور بالدهشة.. فرجل الدين الذي لا يكف عن الدعوة إلي التسامح يتشدد في العقوبة.. بل ويصر علي أن تكون عقوبة بدنية بجانب الغرامة المالية.
كان البلاغ الذي تقدم به محاميه إلي نيابة شمال الجيزة يوصف الاتهام علي أنه سب وقذف.. لكنه.. سرعان ما أضاف إليها اتهاما آخر ( إهانة مؤسسة الأزهر) بعد ان ادرك الشيخ أن عقوبة الاتهام الأول لن تزيد عن غرامة مالية بينما عقوبة الاتهام الآخر توجب الحبس وهو يريد حبسنا.
وضاعف من إصرار الشيخ علي حبسنا شخصيات وزارية وحزبية وجدتها فرصة للانتقام منا بعد أن كشفنا فسادها في حملات صحفية موثقة لم تقدر معها علي إدانتنا في البلاغات التي تقدمت بها إلي النيابة العامة وخرجنا منها مرفوعي الرأس.
وخرجت روز اليوسف التي يرأس تحريرها عبد الله كمال ويساهم في تمويلها أحمد عز ويساندها جمال مبارك تضغط علي الشيخ كي لا يقبل الصلح معنا.. وطالبته بالاستمرار في موقفه الذي يؤدي بنا إلي السجن.. موقف أثار الدهشة قبل الاستياء.. أن تطالب روز اليوسف الأكثر إيمانا بالحرية بحبسنا.
وعبد الله كمال كان واحدا من الصحفيين الشباب الذين عملوا معي في روز اليوسف وقت أن كنت مفوضا بإدارة تحريرها.. ولا شك أنه تعلم »‬ الصنعة »‬ في هذه المدرسة الصحفية العريقة.. لكنه علي ما يبدو لم يستوعب قضية الحرية التي دافع عنها كل من تولي مسئولية تحريرها.. انقلب علي مبادئها.. وسعي للفوز بثروة وشهرة علي جثتها.. ففقد مكانته قبل يفقد حياته.. ولم تستطع كلمات الرثاء المجاملة له أن تصلح خطأه بعد رحيله.. فليس بعد الكفر بالحرية ذنب.
سمعت من إحسان عبد القدوس ذات يوم : »‬ إن رؤساء تحرير روز اليوسف غالبا ما يكونون رد سجون أو وش نيابات »‬.. و» إذا لم يتقبلوا هذه الحقيقة المرة فليس أمامهم سوي الكتابة في مجلة ميكي »‬.. و» دون الدفاع عن الحرية تصبح روز اليوسف مجلة نسائية ولو بدت في العيون مجلة سياسية »‬.
ونصحني الدكتور أسامة الباز أن أسافر قبل جلسة المحكمة إلي الخارج قائلا : »‬ السيف هذه المرة يلمس جلد رقبتك ومبارك مشغول بصحته وليس في الرئاسة من يتحمس لإقناع الشيخ بالصلح »‬.
كان تبريره : أن وجودي في الخارج سيكون فرصة لو صدر الحكم بالسجن للمؤسسات الحقوقية الدولية والمحلية للضغط علي مبارك بإصدار قرار بالعفو مثلما حدث مع إبراهيم عيسي عندما كان رئيسا لتحرير »‬ الدستور »‬ في قضية »‬ صحة الرئيس »‬ التي حكم عليه فيها يوم 28 سبتمبر 2008 بالسجن شهرين بعد شهادة سلبية من محافظ البنك المركزي وقتها فاروق العقدة ذكر فيها : أن ما نشر عن صحة مرض مبارك أثر علي تعاملات البورصة بالهبوط. وأتصور أنه كان مبالغا في تقديراته فالبورصة كانت تدار بجماعة مصالح تؤثر في الأسهم صعودا وهبوطا ليكسب من ورائها رجال أعمال ووزراء ومسئولون كبار.
لم استجب لنصيحة الدكتور أسامة الباز وقررت مواجهة مصيري مهما كانت العواقب.
يوم الجلسة كنت في المحكمة قبل انعقادها بساعتين بجانب هيئة الدفاع التي رأسها بلا مقابل فتحي رجب وجميل سعيد وعلية عبد العزيز وأحمد شقير وشارك فيها عشرة محامين يمثلون جمعيات حقوقية.. وامتلأت القاعة عن آخرها بمراسلين من جنسيات مختلفة.. ووضعت في نهاية القاعة 50 كاميرا تلفزيونية مصرية وأجنبية.. وأرسلت وكالة رويترز مصورة صحفية من مكتبها في دبي ركزت عدساتها علي انفعالاتي طوال الوقت.. أرادت أن ترصد مشاعر صحفي ينتظر الحبس.. والمؤكد أنها لم تكن تعلم انني لا اشعر بالخطر قبل وقوعه.. ولم يكن تماسكي شجاعة وإنما منحة من الله.
أما خارج القاعة فكانت هناك لافتات تطالب بعدم حبس الصحفيين وسيارات أمن مركزي مستعدة بجنودها للتدخل إذا ما انفجرت موجات غضب توقعت الداخلية وقوعها.
ويبرر الاهتمام بتلك القضية أنها الأولي من نوعها التي يضع فيها شيخ الأزهر أعلي مكانة سنية في العالم نفسه في موقع خصومة جنائية مع صحيفة.. سابقة لافتة ومؤلمة عجز العقلاء عن تلافيها.. وتضاعفت الدهشة عندما جاء الشيخ بنفسه إلي المحكمة في جلسة سابقة واستسلم لاستجواب منا لم نكن لنرضاه له حفاظا علي مكانته لولا الخصومة التي وضعنا فيها.
وفي اليوم نفسه أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا اعتبرت فيه القضية إثارة للطائفية فلا جريمة في وضع شيخ مسلم في ثياب كاهن مسيحي.. وتكرر الموقف نفسه في مقالات نشرتها صحف إيطالية وبريطانية وألمانية.
لكن ذلك كله لم يثن الشيخ عن موقفه فقد اعتبر القضية شخصية مهما كانت تداعياتها السياسية والدينية وخسائرها الدولية.
افتتح رئيس الدائرة الجلسة في موعدها المحدد.. قدمنا إليه عشرين حافظة مستندات بينها شرائط فيديو وملفات متخمة بالمستندات.. وتحدثت أمام المحكمة مثبتا أنني دافعت عن الشيخ وقت أن هاجمته بما لا يليق صحف قطرية بعد أن التقي بحاخام يهودي.. وأثبت ما نفاه الشيخ أنه لم يتلق دعوة من بابا الفاتيكان.. وأثبت أن النقد الذي وجهه المقال لا يمتد إلي مؤسسة الأزهر.. فنحن لم نمسسها بحرف واحد.
وتصورنا أن هيئة المحكمة ستؤجل القضية للاطلاع علي ذلك الكم الهائل من الملفات التي قدمناها إليها.. ولكن.. رئيس المحكمة أعلن أن »‬ الحكم آخر الجلسة »‬.. وأمر بالتحفظ علينا داخل القاعة.. وأحاط بنا الجنود.. ولم يعد مسموحا لنا بدخول دورة المياه إلا بصحبة ضابط برتبة عميد.
وسمعت من زميلتي الصحفية رشا يسري : إن محامي الشيخ عبروا أمامها بحسد عن ظاهرة اهتمام الإعلام بنا وكأن الموقف الصعب الذي كنا فيه يستحق الحسد.
شعر فتحي رجب بخبرته الطويلة في المحاكم بأن الحكم لن يكون في صالحنا فقرر أن نذهب إلي رئيس الدائرة لنضيف دليلا آخر ربما ينقذنا من العقوبة.. وامسك بي اثنان من رجال الشرطة الأشداء وسط احتجاجات الصحفيين الذين كانوا في القاعة بعد أن تصوروا أن حكما بالسجن صدر ضدي وأنهم يقتادانني لتنفيذه وكادت الأزمة أن تصل إلي حد الاشتباك لو أن تدخلت بالشرح والتفسير.
استمع رئيس المحكمة لما قلنا وهو يدخن البايب لكنه لم يعلق وإن طالبني بالاهتمام بمتاعب البسطاء وكأن ذلك غريب عن كتاباتي وأنهي حديثه قائلا : »‬ اتركونا حتي يلهمنا الله الحكم »‬.
ولاحظت عدم وجود جهاز فيديو أو جهاز كومبيوتر في غرفة المداولة وتساءلت دون أن أحظي بإجابة : »‬ كيف ستشاهد المحكم ما قدمناه من شرائط مصورة تثبت براءتنا ؟ »‬.
بعد عشر ساعات من الانتظار داخل القاعة ظهرت مجموعة من جنود الشرطة شكلوا حاجزا بين المنصة والقاعة بجانب المجموعة الأخري التي حاصرتنا خشية الفرار أو الاختطاف إذا ما صدر الحكم بالسجن.
برأتنا المحكمة من تهمة إهانة مؤسسة الأزهر لكنها غلظت عقوبة السب والقذف التي أدانتنا بها في سابقة لم تحدث من قبل.. هذه الغرامة بنص القانون لا تزيد علي عشرة آلاف جنية.. لكن.. المحكمة رفعتها إلي 80 ألف جنيه لكل متهم.. واعتبرتني المحكمة فاعلا أصليا في الجريمة التي لم أشارك فيها.
كان علي رئيس مجلس إدارة الفجر نصيف قزمان جمع 160 ألف جنيه في فترة زمنية وجيزة كي نسدد الغرامة.. لكن.. كانت هناك مشكلة أخري.. ان خزينة المحكمة مغلقة.. ولن يفرج عنا إلا في اليوم التالي بعد أن ندفع ما علينا.. علي أننا وجدنا بين إداريا المحكمة من يقترح حلا لتلك المشكلة مقابل ما طلب.. أن نترك مبلغ الغرامة الضخمة في حوزته مع بطاقاتنا الشخصية ليتولي الإجراءات نيابة عنا في الصباح.. ولم نتردد في قبول الحل حتي لا نبيت في الحجز.
وقبل أن اخرج من المحكمة اقترب مني ضابط برتبة عميد هامسا : »‬ دعوت الله أن يبعدك عن السجن حتي لا أضعك فيه بنفسي فكل عائلتي تحترمك وتقدرك ولا تتمني أن يصيبك مكروه يحرمنا مما تكتب كاشفا من الحقائق ما نعجز عن الوصول إليه »‬.
علي أنني لا أنسي شعوري بعد أن نجوت من السجن.. سكوت يقترب من الخرس.. وذهول يقترب من العمي.. فلا أنا قادر علي الكلام مع مراسلي الصحف والقنوات الذين التفوا حولي ولا أنا أري ملامحهم.. كأني سحبت بعيدا عن الأرض.. فمشاعر القلق المكتوم امتزجت بفرحة مفاجئة غير متوقعة.. وكان أن شلت الحواس.. وعجزت عن التعبير.
أن تكون في النار ولا تحترق.. أن تقترب من السجن وتنجو منه.. أن تسقط من برج ولا تتكسر.. أي جهاز عصبي يحتمل ذلك ؟.. أقل ما يدافع به عن نفسه هو أن يعجز عن التعبير.
وأصيبت زوجتي ناهد حبشي بنفس المشاعر المتناقضة بعد أن ظلت طوال 14 ساعة جالسة في مكانها أمام التليفزيون لا تتحرك ولا ترد علي مكالمات التليفون في انتظار مكالمة واحدة تسمع فيها صوتي وأنا عائد إلي البيت.. لم تأكل ولم تشرب.. كانت هي الأخري معلقة علي كلمة واحدة بين السماء والأرض.
وانضمت إليها ابنتاي سلمي ومي.. إنهما تعرفان أن ارتدائي ملابس كاملة عند خروجي مبكرا من البيت يعني أن هناك جناية أو نيابة.
قالت سلمي وهي تحتضنني : »‬ ليس في العالم سوي أربع دول تحبس الكتاب للأسف مصر منها لا يمكن أن يكون مصير المدافعين عن الحرية سلب الحرية منهم »‬.
واكتفت مي بكلمة واحدة : »‬ بحبك »‬.
بعد أيام قليلة اتصل بي محامي الشيخ (الدكتور محسن العبودي ) يدعوني إلي عشاء في بيته يحضره الشيخ لتصفية ما بيننا.. واستجبت للدعوة.. وأشهد أن الشيخ تعامل معي بود سمح لنا بنقاش هادئ في كثير من الأمور السياسية والدينية دون أن يخفي تعجبه من تفسيراتي الصوفية التي نشرتها في كتاب أعيد طبعه أكثر من مرة حمل عنوان »‬ لحظة نور »‬.
ووجدت أصدقاء ينصحونني بزيارة الشيخ في مستشفي »‬ وادي النيل »‬ التي دخلها علي أثر وعكة صحية تصادف أنها اصابته قبل ساعات من زيارة حاخام إسرائيلي جاء إلي القاهرة لمقابلته.. وفي صالون جناحه وجدت عنده شخصيات قضائية وتنفيذية فتح معها نقاشا سياسيا احتفظت لنفسي بما دار فيه حسب القاعدة الشهيرة »‬ المجالس أمانات »‬.
واهتمت الصحف اليومية بخبر زيارتي للشيخ ونشرته في صفحاتها الأولي ما عدا روز اليوسف التي أحزنها ما جري.. فعلا أتقي شر من أحسنت إليه.
بعد عدة اسابيع رحت أؤدي فريضة الحج.. وقبل أن ألقي أولي الجمرات وجدت أمامي الخبير السياحي عادل عبد الرازق الذي فاجأني بطلب لم يخطر ببالي : »‬ لا تدعو علي القاضي الذي حكم عليك في قضية شيخ الأزهر ولا تشكه إلي الله »‬.. ولم يكن ذلك في نيتي قطعا.
والحقيقة أن الحكم ساوي في المسئولية الجنائية بين كاتب المقال ورئيس التحرير الذي ينسب إليه تهمة أقل.. الإهمال في الإشراف.. بل إن هذه التهمة فرضها الدكتور فتحي سرور وقت أن كان رئيسا لمجلس الشعب عند تعديل أحد قوانين النشر.. فقد سبق لمحكمة عليا أن أعفت رئيس التحرير من مسئوليته عن نشر ما يكتبه غيره.
في نفس زيارة بيت الله الحرام جمعتني في فندق »‬ أوبروي »‬ المدينة صدفة بقاض آخر سبق أن حكم علينا في قضية شهيرة عرفت بقضية »‬ حبس رؤساء التحرير الأربعة »‬ دفعة واحدة وهم إبراهيم عيسي ووائل الإبراشي وعبد الحليم قنديل وأنا وكانت التهمة إهانة الرئيس ورموز في الحزب الوطني الحاكم وكان الحكم سنة سجنا لكل منا خفض إلي غرامة 20 ألف جنيه في الاسئناف بعد أن أصبح الحكم حديث العالم كله.
كان القاضي بعد الحكم علينا قد أصبح مستشارا لوزير السياحة (زهير جرانة) وعندما جلسنا معا نشرب القهوة سألته :
-هل ضميرك مستريح بعد الحكم الذي أصدرته وأنت علي وشك الوقوف أمام الله في بيته الحرام ؟ »‬.
وطلبت منه أن يحتفظ بالإجابة لنفسه.. لكنه.. اصر علي القول بأن ضميره مستريح.
كانت هناك بالقطع قضايا أخري وجدت نفسي فيها وجها لوجه أمام وزراء ورجال أعمال ولاعبي كرة ونجوم سينما وطرب وصل العدد إلي 412 قضية في ثلاثين سنة من تاريخ مسئوليتي عن تحرير روز اليوسف إلي تاريخ تنازلي عن رئاسة تحرير الفجر، وهو رقم قياسي فرض علي أن أقف مرة متهما بما كتبت وأكثر من مرة بصفتي رئيسا للتحرير.
القائمة طويلة.. فيها أحمد أبو الغيط وقت أن كان وزيرا للخارجية.. وإبراهيم سليمان وقت أن كان وزيرا للإسكان والتعمير.. وممدوح الليثي وقت أن كان رئيسا لقطاع الإنتاج في ماسبيرو.. وأحمد عز وقت أن كان أمينا عاما للحزب الوطني بجانب عدد من رجال الأعمال منهم نجيب ساويرس وأحمد بهجت وإبراهيم كامل وكانت الجملة التي يتفق عليها الجميع :
»‬ سوف نحبس عادل حمودة».
لكن.. فيما بعد شاءات الأقدار السياسية والشعبية أن ينقلب السحر علي الساحر ويدخل بعضهم السجن في قضايا فساد تفجرت بعد ثورة 25 يناير 2011.
لم يكن أحد يتقبل النقد.. وسيطر الغرور علي مالكي الثروة والسلطة.. وتحالفا معا للإجهاز علينا بكل الطرق القانونية والإجرامية.. شراء صحف وأقلام للهجوم علينا.. إرهاقنا نفسيا وماديا بقضايا لا تتوقف رفعت في كافة مدن الجمهورية من الإسكندرية إلي أسوان ومن الطور إلي مرسي مطروح.. والأخطر تدبير مؤمرات لاغتيالنا معنويا بما يشوه صورتنا ويجبرنا علي هجر المهنة التي لا تتوقف عن فرض المتاعب علينا.. لكن.. من الحب ما قتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.