عرف الناس مصطفي أمين الصحفي اللامع لكني عرفت مصطفي أمين آخر. عرفوا مصطفي أمين عملاق الصحافة.. وعرفت أنا مصطفي أمين الأب.. الذي عاش أياما في القمة، والأضواء مسلطة عليه.. وعرفته وهو في القاع، يقيم في زنزانة رقم 2 بسجن طرة. عرفته عندما كان صاحب دار أخبار اليوم، ولا يتكبر علي أي عمل مهما كان. فإذا غاب محرر قسم الحوادث في الجريدة، نزل بنفسه لتحقيق الحادثة. عرفت مصطفي أمين الإنسان الصلب الصبور الذي استطاع ان يتكيف مع ظروفه الصعبة خلال تسع سنوات، قضاها وراء القضبان، بسبب تهمة ظالمة ملفقة. ثم عرفته بعد الافراج عنه، فوجدته يحمل أملا جديدا وفكرا متطورا.. ورسالة حب ورحمة للمجتمع. فبذل كل ما تبقي له من صحة وجهد.. وتفاني في رعاية مشروعاته الخيرية: ليلة القدر وأسبوع الشفاء ولست وحدك ومساعدة الطلبة وملجأ الأيتام. عرفته عندما رحل توأمه علي أمين، وقال انني أشعر ان نصفي قد مات ونصفي الآخر مازال علي قيد الحياة . فمصطفي وعلي أمين لم يفترقا خلال رحلة الدنيا: عاشا معا وخرجا معا وأكلا معا. غالبا ما كانا يصابان بنفس الأمراض ويشعران بنفس الألم. إذا جلسا صامتين، تتكلم عيونهما، ويجري بينهما حوار بلا صوت. كان علي يبدأ المقال ومصطفي يكمله. كان مصطفي يبدأ الحديث وعلي يختمه. لم يستطع غير المقربين ان يفرقوا بينهما في الشكل.. وحتي أمهما كانت لا تفرق بين صوتيهما! هذا هو مصطفي أمين الذي عرفته.. وهذه الكلمات أكتبها في ذكراه الرابعة عشرة.